من صميم عالم الأفكار، والفكرة مهما كانت طبيعتها لا يجوز مصادرتها حتى تثبت خطورتها أو طبيعتها الإجرامية انطلاقا من مبدأي الشرعية والمشروعية والإثبات الجنائي الذي بات، أكثر من أي وقت مضى، عملية ذهنية واجتهادا قضائيا ومهارة فنية وعلمية تجسدها فعالية الفصل بين السلطات في حدود الأنظمة الديمقراطية الحرة، وتتجاهلها، للأسف الشديد، دهاليز الأنظمة العسكرية المستبدة عموما، والفاسدة على وجه الخصوص.

وعليه، وجب أن نتعامل مع الفكرة من منطلق مدى قابليتها للموت أو الحياة، وما تخلفه من آثار على حياة الإنسان وحريته وكرامته، بغض النظر عن أصوله ومعتقداته.

ولعل عامل الزمن من الأهمية بخصوص التعاطي مع الفكرة، ليس قياسا بعمر نظام حكم كنموذج عابر، ولكن قياسا بعمر الإنسانية والتطور الحاصل عبر مختلف محطات التاريخ الحافلة بكثير من الزخم المعرفي الذي لم نستوعب منه سوى الشيء القليل!

” حمى السلطان ” مجرد فكرة، وينبغي أن تكون كذلك، يمكن أن تعني الكثير، لأنها ليست فكرة جديدة، ولدت للتو، ولكنها من باب ما علمنا وما لم نعلم، في حدود ما هو عمل ذهني يتداخل كثيرا مع ما هو حقيقة واقعية تحتاج إلى وقفات مع الضمير، تقترب كثيرا مع ما يجريه الناشطون في عالم الحفريات، بغض النظر عما يستهدفونه من فوائد وأرباح.

*من حيث السياق:

السياق هو سياق ” السلمية “!

بداية بعملية الانتقال الديمقراطي داخل حدود تركيا، الذي كان سلميا إلى حد بعيد، حتى أثناء العملية الانقلابية صيف 2016، حيث كان الحسم حضاريا وسريعا ومؤثرا، حافظ على سلامة الكيان التركي وحماه من تلك الهزات الارتدادية وتأثير الخارج.

نفس الشيء حدث مع الإخوة الفلسطينيين، سلميتهم حاضرة بقوة، ما داموا يحافظون على كيانهم الوطني والحضاري من آفة التطاحن الداخلي وأي نوع من الصراع المصطنع الذي راهن عليه مهندسو “صفقة القرن” كثيرا!

وكذلك كانت الحالة المصرية بالرغم من مرارتها، بسبب إرهاب السلطان الذي قادته طغمة عسكرية متنفذة ومتواطئة في جو من الصمت المريب من قبل واشنطن وبريطانيا، على وجه الخصوص. ومع ذلك، فإن السلمية لم تمت، بما لها من دلالة زمنية في التاريخ.

أما الحالة الجزائرية فهي الاستثناء! الاستبداد هو من أراد أن تكون استثناء؛ أما التاريخ، من باب ” ثورة القرن ” فهي بخلاف ذلك!

لقد سبق الحديث عن حركة الشعوب، وتحديدا ” السلمية ” تحت عنوان ” رابعة ” ضمن صفحة (منبر حر) -القهار-2016. وما لكل حالة من خصوصية.

واليوم، بعد مخاض عسير، اتضحت معالم ” السلمية ” من خلال ما ميز الحراك الشعبي الجزائري الذي يشق هذه الأيام طريقه بصعوبة و نوع من المرارة الخاصة، منذ 22 فبراير 2019، أي على مدار سنتين و نصف.

* من حيث المنهجية:

لعلنا في عجالة من أمرنا، وهو ما يحتم علينا اتباع عملية استقرائية انطلاقا من طبيعة التعاطي السياسي والإعلامي مع حراكنا الشعبي السلمي من لدن:

1 -تعاطي واشنطن وباريس مع سؤال السلمية.

2-التعاطي الإعلامي العالمي.

3 -تعاطي قناة الجزيرة الفضائية.

ونتيجة لما يفرضه السياق المتصل بفكرة ” حمى السلطان ” أساسا، لن نجد بدا من أن نكتفي بالسبب الثالث فقط، وهو ما تمليه أيضا طبيعة الاستعداد الذهني للقارئ الكريم عموما، ودائرة المهتمين بشأن ” ثورة القرن ” على وجه الخصوص.

*تعاطي قناة الجزيرة مع سؤال الحراك الجزائري؟

تساءلتُ كثيرا عن سر البرودة التي ميزت تعاطي هذه القناة الفضائية، واسعة الانتشار والفائقة القدرات والإمكانيات، مع ملف السلمية المتصل أساسا بفكرة الحراك السلمي الجزائري، بالرغم مما سوقت له طيلة نشاطها الإعلامي الواسع، من أنها تقف إلى جانب قضايا الشعوب وحقوقها المشروعة!

وتساءلتُ: هل أن ما يطلبه الحراك الشعبي الجزائري غير ذلك؟

وهل ” سلمية ” المصريين التي قمعها ” السيسي ” تختلف عن سلمية الجزائريين؟

وهل قناة الجزيرة تمارس ما يمليه عليها واجب الإعلام وإيصال الحقيقة، وتلتزم الحياد في المعالجة بكل مهنية؟

لقد تأكد، للأسف الشديد أن القناة مصابة بحمى، ليس بسبب كوفيد 19 بطبيعة الحال، ولا بسبب حصار الأشقاء الأعداء!

مصدر الحمى يفوق جائحة كورونا خطورة! يمكن أن نطلق عليه اسم ” حمى السلطان”!

لقد أغفلت القناة حراك الجزائريين لأكثر من سنتين، وساهمت في عمليات التعتيم، وفجأة يطل علينا الصحفي عبد القادر عياض من العاصمة الجزائرية، حتى بدا وكأنه أحد صحفي قناة النهار!

لقد قدم من الدوحة خصيصا لتغطية الانتخابات المزمع إجراؤها في 12جوان القادم؛ والغريب في الأمر، أن قناة بهذا الحجم، استطاعت أن تغطي أحداث فلسطين من غزة وحي الشيخ جراح، ونابلس وتل أبيب وعسقلان، عجزت عن التقاط صورة واحد لقوات البوليس المدججة بأدوات القمع والترهيب التي تحاصر عاصمة الجزائريين في وضح النهار؟ !

أتدرون ما السبب يا إخوان – بنكهة الإخوة السوريين – الذين أنهكهم الطغيان و حاصرهم النسيان ؟

إنها ” حمى السلطان “

أما مصدر العدوى، فإن ” تميم ” الأمير، والرئيس ” أردوغان ” فيها سيان!

نعم إنها ” حمى السلطان ” التي باعدت بين تلك الشعوب وهؤلاء الحكام، وجعلت قناة الجزيرة أقرب ما تكون إلى دوائر السلطان، حتى لو بات هذا السلطان من قبيل عصابة تساوم بأمن الجزائر ومغربنا الكبير والشمال الإفريقي بأبخس الأثمان!

حمى السلطان، لم تسلم منها الأحزاب الإسلامية في الجزائر، وكلها تقريبا كانت تنشط منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي تحت عباءة تنظيم الإخوان، بشكل أو بآخر: حمس (حماس في الماضي)، حركة البيان (بن قرينة) من ضلع حماس الجزائرية كذلك؛ الإصلاح، العدالة (من ضلع حركة النهضة) أو ما كان يسمى بالتنظيم الإقليمي. لقد فعلت فعلتها “حمى السلطان” ولم تغن عنهم الشعارات الطويلة والعريضة شيئا! و نفس الشيء حدث مع سعيد سعدي، خليدة مسعودي، كريم يونس،…تحت غطاء الديمقراطيين الطرشان! 

“حمى السلطان” يا إخوان، لا حدود تحكمها، ولا لقاح يواجهها، سوى حراك السلميين الأحرار.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version