نجيب بلحيمر

كان عدد عناصر الشرطة أكثر من عدد المتظاهرين، بدأت المسيرة باعتقال العشرات، وتواصلت الحملة بعد نهايتها، لكن المسافة التي قطعها السائرون كانت أطول مما عهدوه والسبب هو تغييرهم للمسار لتفادي أي احتكاك مع عناصر الشرطة.

عند رأس المسيرة غصن زيتون وعلم وطني، وخلفهما رجل يتدثر بالعلم الفلسطيني وآخر يضع كوفية على كتفيه، القلة التي انطلقت من وسط المدينة تحدت قرار منع المسيرة، ولم يمنع اعتقال العشرات تلك القلة من السير، بدا المشهد سورياليا في مدينة صغيرة وفي ثاني أيام العيد، أظهر المتظاهرون حرصهم على إبقاء شعلة السلمية متقدة، ومع تقدم المسيرة انضم مزيد من المتظاهرين إليها.

يعرف جميع من شاركوا، ومن ضمنهم نساء وفيات لمظاهرة الجمعة منذ 19 فيفري 2019، أنهم قد يعتقلون في أي لحظة، وكانوا على علم بأن أعداد المتظاهرين ستكون أقل بسبب ظروف العيد، لكنهم حرصوا على إيصال رسالتهم ومفادها أن محاولات التخويف لن تثنيهم عن رفع مطالب الحرية والتغيير، فلا بيان “التصريح” الذي أصدرته الداخلية قبل أيام بث الشك في نفوسهم، ولا الإنزال الكبير لقوات الشرطة أثناهم عن الخروج، كان هدفهم تجنب المواجهة ومواصلة التظاهر وذلك ما كان.

في العاصمة، كما في مدن أخرى، كان واضحا أن الهدف تحقيق “نصر” وهمي بجعل أول جمعة بدون مظاهرات، فمنذ 19 فيفري 2019 لم يحدث هذا إلا بإرادة المتظاهرين الذي توقفوا عن السير لفترة أحد عشر شهرا حرصا على الصحة العمومية بعد تفشي وباء كورونا، ولعل اختيار الجمعة المصادفة لثاني أيام العيد كان الهدف منه تسهيل بلوغ هذا الهدف.

تم منع الصحافيين من القيام بعملهم في العاصمة تحديدا بغرض تغييب صورة السلمية، لكن الذي حدث هو انتشار صورة بشعة عن القمع تنقض كل ادعاءات الخطاب الرسمي حول السهر على حريات المواطنين وقدرتهم على التنقل دون إزعاج، صار التجول في العاصمة مرادفا للاعتقال، لا تهم وجهتك فكل من وجد في الشارع متظاهر رغما عنه.

قبل أقل من شهر من موعد 06/12 تبدو الانتخابات كمحاولة يائسة للهروب إلى الأمام، لا أحد بوسعه رؤية صورة ولو تقريبية لما يمكن أن يكون عليه وضع البلاد، سلطة عمياء لم تعد تملك إلا عصا تلوح بها في وجه كل محتج غاضب أو ناقد متذمر.

لا يردد المتظاهرون الشعارات التي تعبر عن رفض الانتخابات إلا قليلا، فقد تكفلت الأخبار التي تتناول عمليات إسقاط المترشحين، والمبررات التي قدمتها سلطة الانتخابات لتلك القرارات من قبيل ” التحفظات الأمنية السالبة للحق في الترشح” و”المشاركة في ما يسمى الحراك”، في جعل هذه الانتخابات “لاحدث”، ليكون التركيز على الأهم وهو التغيير الجذري لمنظومة حكم باتت تشكل خطرا على استمرار الدولة.

ما شهدته هذه الجمعة هو تأكيد على فشل القمع والتخويف والتضليل..

 لقد تأخر الوقت كثيرا لكن لا مفر من البحث عن طريق آخر، طريق يؤدي رأسا إلى الحل الحقيقي.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version