لا يسعنا إلا أن نقارب هذا السؤال من وجهة الفكر الغربي المعاصر، وتحديدا في حدود مقاربة حقوق الإنسان و قيمه، انطلاقا من مبدئين رئيسيين، الحق في الحياة، والحق في الكرامة، خصوصا أن أهمية السؤال تفوق بكثير أهمية الأجوبة الممكنة أو المنتظرة، خصوصا في مسائل الحقوق المدنية والسياسية، وبدرجة أقل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إذ لا يمكن تحقق الثانية في ظل حكم شمولي استبدادي يدوس على فكرة الدولة المدنية، دولة الحق والقانون، ذلك أن الأمن من الخوف والأمن من الجوع لا يفصل بينهما إلا خيط رقيق ، قد لا يرى بالعين المجردة في حدود ما هو وعي غربي يأخذ أبعاده في حدود اللاوعي، حينما يتعلق الأمر بإنسان الجنوب! حيث يصبح اللاوعي مفسرا للوعي، وما يسوق للرأي العام العالمي غير ذلك الذي يتم تداوله داخل دهاليز السياسات الأمنية فائقة الخطورة . 

لقد لاحظتم كيف يهتم الغرب لرغبة الشعب الأوكراني في تجاوز معضلة الأطماع الروسية ، و كيف يتودد الناتو للأوكرانيين ، و يرحب بعضوية أوكرانيا ضمن حلف الناتو ، و يعتبرها شريكا بالغ الأهمية، من دون أن يعير اهتماما كبيرا لمواقف روسيا و مصالحها ! 

هل يكمن السبب في فلسفة الغرب تجاه حقوق الإنسان، و بالقيم الديمقراطية ، و الحق في تقرير المصير ؟ وهل يتحرك الغرب بقيادة أمريكا وفق ما تقتضيه مصالحهم فقط ؟ و هل ما تجنيه سياستهم تجاه أوكرانيا، يزيد بكثير عما يجنونه من جهة الجزائر في حال تحقق لها انتقال ديمقراطي على طريق الدولة المدنية ؟ لو كانت المشكلة متوقفة على الفائدة الاقتصادية و الربح المادي فقط ، لاكتفى الغرب بعلاقات اقتصادية مع روسيا تجلب له الطاقة و ما يريده من امتيازات بخصوص موارده في هذا الشأن بالذات ، و في نفس الوقت يعمل من أجل الدفع بوتيرة التحول الأوكراني بالطرق الدبلوماسية من أجل التضييق على روسيا تدريجيا، والتعويض لروسيا في مناطق نفوذ أخرى، خصوصا أن التنسيق و التعاون الأمريكي الأوربي بهذا الخصوص كفيل بتحقيق المطلوب . 

أما و أن السؤال يتجاوز بكثير، في حدود الوعي الغربي، المسألة الاقتصادية و الموارد الطاقوية ، حتى و إن بقي في حدود وعي الجنوب، و هو لا وعي بكل تأكيد ، مسألة اقتصادية مادية بحتة ، فإن الغرب لا يمكن بأي حال من الأحوال الالتفات لما يحدث داخل حدود الجزائر، و يهتم لحراكها الشعبي ، وتطلعات الإنسان على مستوى هذا الحيز من كوكبنا الأرضي إلى الحرية و الحق في تقرير مصيره ، إذ لا مانع يحول دون وصول الصورة الحضارية المعبرة و المتميزة ، الفائقة في الجمال ، أبدع في إخراجها شعب المليون و نصف المليون شهيد تحت عنوان عريض و مشع ، يقال له : سلمية من أجل الحياة و الكرامة في ظل دولة مدنية ! فكم يجب أن ينتظر الجزائريون، و معهم إنسان الجنوب ، حتى يستعيد الغرب وعيه، ليقدر أن حقوق شعب و حرياته، لا يمكن مقايضتها بثمن ! لكن الرسالة التي يمكن أن يتوجه بها الإنسان الجزائري إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المنتخب، المقدر لاختيار الشعب الأمريكي و سيادته ، و الواعي بحاجة شعبه إلى دولة القانون التي تحطمت على عتبتها كل محاولات اللاوعي الذي تسبب فيه “دونالد ترمب ” ؛ أن حاجة شعب ، مهما كان ، أينما كان ، و كيفما كان ، إلى سيادة القانون و الحق في الحياة ، و الحق في الكرامة هو كل لا يتجزأ ، حتى و إن تعلق الأمر بأقلية منكفئة و منزوية على نفسها داخل أدغال الأمازون .  وليعلم العالم أن ثورة الشعب السلمية القائمة على مبادئ اللاعنف والإيثار و التضحية و الحوار و التواصل و التعاون الذي يستوعب الحاضر و الماضي و المستقبل كحد إيجابي يقف فاصلا بين نافيتين أساسيتين للشعور الديمقراطي في أسمى و أبهى صوره ، في اتجاه ال( أنا) و في اتجاه ال( آخر ) لا يمكن أن تكون إلا ثورة مباركة ، مهما طال الزمن ، ستكتب حروفها و تسجل اسمها و يخلدها التاريخ مثلما خلد ثورة نوفمبر إن شاء الله

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version