نشر الأستاذ رضا دغبار يوم الجمعة الماضي فيديو يتضمّن ثلاثة محاور، أوّلها ملاحظاتٌ عن تراجع الطابع السياسي في شعارات الحراك يومَي 22 و26 فبراير، والثاني تنظيرٌ لهذه الظاهرة، والثالث ما يراه ضروريًا لبعث الطابع السياسي في شعارات الحراك من جديد ولدفع السلطة نحو قرارٍ سياسيِ صائب. لن نتطرّق هنا للمحور الثالث لأنه مجرّد تعبيرٍ مشروعٍ عن رأيٍ سياسي.

نتابع في حركة رشاد مداخلات الأستاذ دغبار منذ بداية الحراك لاحتوائها على تحاليل قيّمة من منظور القانون الدستوري تُثري وعي الحراك الوطني، وقُمنا بالترويج للعديد منها على مواقعنا. أمّا مداخلة الأستاذ دغبار الأخيرة فقد خرجت في مجملها عن منظور القانون الدستوري لتعالج تراجع الطابع السياسي في شعارات الحراك مؤخرًا من باب الجدل السياسي، أو لنَقُلْ التنظير التآمري بصراحة، فتضمنّت عدة مغالطات تستدعي هذا التعقيب.

كان الأستاذ دغبار موفّقًا إجمالًا في المحور الأول من مداخلته، ونشاركه ملاحظة أنّ شعارات الحراك يومَي 22 و26 فبراير تميّزت بصعود شعارات المظلومية والتنديد بأجهزة الأمن والشرطة وبتراجع الشعارات ذات الطابع السياسي المحض. نقول إجمالًا لأنه لم يخلُ حراك يومَي 22 و26 فبراير من شعارات سياسية من قبيل “دولة مدنية ماشي عسكرية” أو “جزائر حرّة ديمقراطية”، كما لم تخلُ كلّ مسيرات الحراك منذ بدايته من شعارات تندّد بمضايقات وقمع أجهزة الأمن أشهرها “Pouvoir assassin” (السلطة سفّاحة)، فالذي ظهر يومَي 22 و26 فبراير هو اختلال في التوازن بين الشعارات السياسية، التي يجب أن تتصدّر خطاب الحراك، وشعارات المظلومية والتنديد التي تعبّر عن القمع والمضايقات الذي يُعاني منه عددٌ معتبرٌ من ناشطي الحراك.

ثمّة أسبابٌ موضوعية لهذا المنحى الظرفي في شعارات الحراك، سنسرد بعضها أدناه، لكن الأستاذ دغبار، خلافًا لعادته، لجأ إلى نظرية مؤامرة ملتوية لتبيين هذه الظاهرة. ما هي هذه النظرية؟ يزعم الأستاذ دغبار أنّ التحوّل في طابع الشعارات يرجع إلى “هندسة العقول” التي تقوم بها جهة نافذة يُلمّح لها دون تسميتها ألا وهي رشاد، وذلك من خلال أ) الترويج لأفكار من مصادر مختلفة حتى يقتنع المواطنون بأنّ تلك الأفكار محلّ إجماع، وب) التدرّج في الإقناع لأنه يستحيل إقناع الناس بأفكار متطرّفة مباشرة فاللجوء إلى تقسيم الفكرة إلى مراحل يسهّل استيعابها تدريجيًا.

يقتضي المنهج العلمي أن يُنسب المعتقد إلى الدليل والإثبات، فارتقاء نظرية دغبار عن تحوّل الشعارات من الجدل إلى التبيين العلمي يقتضي أن يُبرهن دغبار أنّ هذا التحوّل هو استنباطٌ استنتاجيٌ من نظريته بعدما يُثبت أنها تتناسق مع البيانات الكاملة والموثوقة المتوفّرة. لكن الأستاذ دغبار لم يكلّف نفسه عناء إثبات ادّعائه. فهو لم يقدّم أيّ دليل في ما يخصّ المقدّمة الأولى من نظريته، أيْ تعدّد المصادر. إنّ حركة رشاد لها موقعٌ واحدٌ في الشبكة العنكبوتية وموقعٌ واحدٌ في كلٍّ من فايسبوك وتويتر ويوتيوب، وكلّ مواقعها لها شارة معروفة، وأعضاؤها لهم صفحات بأسمائهم الحقيقة، ولا تُدير قطعًا أيّ موقع أو صفحة متخفّية أو مستعارة. هناك حملات مخابراتية مغرضة من الإشاعات، منذ بداية الحراك، تنسب إلى رشاد تحرّكات مشبوهة – منها التخوين – في وسائل التواصل الاجتماعي، غير أنّ هذا محض وهم في المخيلات الأيديولوجية المنقطعة عن الواقع، ومحض كذب لتشويه رشاد أو لنفخ حجمها وتوظيفها كـ”بُورورو” لتقسيم الحراك. ونفس الخفافيش تحرّك حملات دورية تنسب لحركتنا ناشطين ليسوا من رشاد، وذلك رغم نفينا ونفيهم لتلك الإشاعات. أين هي إذن بيانات الأستاذ دغبار التي تأسّس لمقدمته عن تعدّد المصادر؟ سنبقى في انتظارها منه.

في ما يخصّ الادّعاء بأنّ رشاد تنتهج التدرّج في إقناع الحراكيين بأفكارها المتطرّفة التي ترمي إلى جرّ البلاد نحو العنف، لم يقدّم الأستاذ دغبار أيّ دليل مقنع. دليله الوحيد هو عبارة “الاشتباك السلمي” الذي استعمله المناضل محمد العربي زيتوت في أحد لايفاته. ولم يشفع لزيتوت أنه يؤكّد على السلمية في كلّ مداخلاته منذ 2007، ولم يشفع له أنه يثبّتها عند الشباب بنعتها “سلاح الحراك النووي”، ولم يشفع له أنه في تلك الحصّة قال للحراكيين لا تتعاونوا مع رجال الشرطة عند اعتقالكم لكن لا تضربوهم بأيّ شيء وفي أيّ حال من الأحوال، حتى لو بادروا هم بضربكم. إذن كلمة “الاشتباك السلمي” المنزوعة من سياقها هي مجموع الأدلة على تطرّف وعنف حركة تضمّ عشرات المناضلين في الجزائر والمهجر وتنشط منذ 14 سنة. ألا يظن الأستاذ دغبار أنه لو كانت رشاد حركة متطرّفة وعنيفة، كما ادّعى، لتجلّى ذلك مع الوقت في أكثرَ من موطن؟

يمكن للأستاذ دغبار وصف حركة رشاد بالراديكالية، فقد صرّحت منذ تأسيسها بأنّها تسعى إلى تغييرٍ جذريٍ وإصلاحٍ عميقٍ لمنظومة الحكم في الجزائر، لا إلى تغييرٍ شكليٍ لواجهة النظام دون المساس بطبيعته الجوهرية. لكن لا يجوز له أبدًا نعتها بالتطرّف فهي منذ البداية اختارت نهج الوسطية والتعاطي العقلاني مع الأزمة الجزائرية، وكان خطابها دائمًا خطابًا جامعًا بعيدًا عن كلّ أشكال الإقصاء لأيّ طرف بما في ذلك قيادة الجيش التي تعتبر رشاد أنّ لها دورًا ضروريًا في مرحلة الانتقال الديمقراطي وبناء دولة القانون. ولا يُعقل وصم رشاد بالعدمية وهي التي حرصت دومًا على التوازن بين نقد السياسات والممارسات وتقديم المبادرات والمقترحات العملية لإحداث تغييرٍ تشارك فيه كلّ شرائح المجتمع، كما تشهد عليه “أرضية من أجل التغيير في الجزائر” التي شاركت في صياغتها والتوقيع عليها في مارس 2019.

إنّ التطرّف في الفكر، التطرّف بمعناه الفلسفي، هو تأكيد جانب من جوانب ظاهرة مركّبة على حساب جوانبها الأخرى، فبهذا المعنى يبدو أنّ الأستاذ دغبار هو المتطرّف.

ومن باب توضيح الظاهرة المركّبة التي يجهلها أو يتجاهلها الأستاذ دغبار، نُعلِمه أنّ خيار رشاد للمقاومة اللاعنفية حُسم منذ تأسيس الحركة عام 2007، وهو خيارٌ استراتيجيٌ ترسّخ بعد دراسات معمّقة للعشرات من المقاومات السلمية الناجحة والفاشلة في العالم. وساهمت حركة رشاد بكل تواضع في إرساء ثقافة المقاومة اللاعنفية في الجزائر بإنتاج مئاتٍ من الساعات من البرامج التحسيسية والوثائقيات عن المقاومة السلمية التي بثتها عبر قناة العصر منذ 2011، كما نظّمت الحركة منذ تأسيسها العشرات من الدورات التكوينية عن المقاومة السلمية في الجزائر والمهجر. ومواقع حركة رشاد مليئة بالكتابات التثقيفية والتوعوية في المقاومة اللاعنفية، ويمكن لأيّ مواطن أن يتأكّد من هذه المعلومات بزيارة مواقع رشاد، والبحث في أرشيف قناة العصر على اليوتيوب أو باستجواب مناضلي الحركة في الميادين. فخلافًا لما يدّعيه الأستاذ دغبار، تدلّ البينات على مساهمة رشاد في التأسيس للسلمية في الجزائر والثبات عليها وليس على التدرّج في التطرّف.

إذن قام الأستاذ دغبار بهندسة مغالطات، ولم يقدّم نظرية مقنِعة لتبيين ظاهرة تراجع الشعارات السياسية وبروز شعارات المظلومية والتنديد بمصالح الأمن في مسيرات يومَي 22 و26 فبراير. وثمّة نظريات بديلة بسيطة تفسّر هذه الظاهرة الظرفية. الأطروحة الأولى هي الكورونا، فهناك تراجع في النشاط الاقتصادي والسياسي في كل بلدان العالم، وبعد تعليق المسيرات لمدة سنة لا ينتظر أيّ عاقل أن تُستأنف المسيرات بنفس الشحنة السياسية التي كانت عليها قبل توقيف المسيرات. أما ارتفاع الشعارات المندّدة بالمخابرات والشرطة فذلك يرجع أساسًا إلى القمع الذي سلّطته هذه المصالح على الحراكيين لمدة سنة كاملة بحيث استغلّت بعض القيادات الأمنية في البلاد الجائحة للانتقام من الحراكيين وللتحرّش بهم وإهانتهم ومضايقتهم. فالشعارات التي نعتت المخابرات بالإرهابية والشرطة بالقوة الاستعمارية هي نتاج تجاوزات فضيعة كان آخرها تعذيب الشاب وليد نقيش. ولم تصطحب هذه الشعارات أعمالُ عنف أو تحريضٍ عليه، فالأرجح أنها عنفٌ لفظيٌ تعبيريٌ للتفريج عن المظالم والتنديد بها بدلًا من أن تكون عنفًا لفظيًا أداتيًا يرمي إلى شرعنة العنف ضد المخابرات أو الشرطة. ولا شكّ أنّ أنجع الطرق لوضع حدّ لمثل هذه الشعارات هو توقيف القمع وردّ المظالم، وفي هذه النقطة نتّفق مع ما قاله الأستاذ دغبار.

نذكّر أيضًا رضا دغبار، أنه وهو الأستاذ الجامعي الذي يزن كلامه، تأثّر يومًا بحادثة إهانة معلّمة في مدرسة بن زرجب بوهران اشتكت من سوء ظروف الدخول المدرسي فقام والي وهران بتعنيفها، إلى درجة أنه كتب تدوينة على الفايسبوك بتاريخ 21 أكتوبر 2020 بعنوان “هذي دولة ولّا استعمار!!!!” ختمها بعبارة “يا حنا يا نتوما والله ما رانا حابسين”. فما بالك بما يشعر به ضحايا الانتهاكات الجسيمة والمتكرّرة لكرامة وحقوق الإنسان، وما قد يصدر عنهم من شعارات!

هناك عاملٌ ثالثٌ يفسّر هذا المنحى في الشعارات، وهو عملية تسيّس الشباب منذ بداية الحراك بحيث اكتشف تدريجيًا، بفعل تناقضات المنظومة السياسية وحماقات بعض القيادات العسكرية وأتباعها، أنّ المشهد السياسي في البلاد هو مجرّد واجهة مدنية مسؤولة بدون سلطات، منخورة بالفساد، تحرّكها من الخلف أجنحة عسكرية متسلّطة غير مسؤولة، بواسطة البَوْلسة السياسية. فتطوُّرُ وعي الشباب السياسي – مع تطوّر الحراك والضربات التي تكبّدها من العصابة – مكّنهم من فكّ تشفيرة المشهد السياسي وتشخيص مصدر الانغلاق السياسي وانسداد الأفق في البلاد.

حاول الأستاذ دغبار في المحور الثاني من مداخلته تعويض الفقر الإثباتي في تحجّجه الجدلي بالتلميح إلى أنّ حركة رشاد تهدف إلى إسقاط النظام وتهديم الدولة. وللأسف لم يكلّف الأستاذ دغبار نفسه بمستلزمات الخطاب العمومي المسؤول من بحث وتدقيق في الموضوع، ولو فعل ذلك لوجد أنّ حركة رشاد لم تنادِ يومًا بإسقاط النظام، بل نادت دائمًا بتغييرٍ جذريٍ للنظام وإرساء دولة القانون والحكم الراشد (bonne gouvernance). وبادرت حركة رشاد منذ 2007 إلى البحث والكتابة عن التحكّم الديمقراطي في القوات المسلّحة وتطوير الجيش إلى قوة قتالية احترافية متفوّقة، كما اقترحت إجراءات دقيقة لإصلاح جهاز المخابرات لتحويله من بوليس سياسي إلى جهاز احترافي منضبط يحمي الشعب والدولة والدستور، وذلك بمراجعة تفويضه، وأسسه القانونية، وهيكلته وحجمه، وصلاحياته، ووسائل التحكّم فيه ومراقبته، والتدقيق في انحيازه السياسي وانتهاكاته لحقوق الإنسان. يبدو أيضًا أنّ الأستاذ دغبار يجهل رسالة رشاد لإخوانهم الضباط في الجيش الوطني الشعبي. كلّ هذه المادّة متاحة للجمهور على موقع الحركة. وإنه من الإجحاف تشويه هذه الجهود البنّاءة لتشييد دولة القانون وتصوير حركة رشاد على عكس ما هي.

أخيرًا، إضافة إلى العيوب المنهجية والإثباتية في مداخلته، لم ينتبه الأستاذ دغبار إلى الطابع الانعكاسي في تهجّماته على رشاد. فهو يدّعي أنّ رشاد تهندس العقول لجرّها إلى العنف في حين أنّ مداخلته قد يُساء تُأويلها واعتبارها كجزءٍ من هندسة المخابرات للعقول ضد رشاد، بمعنى أنها قد تُأوّل بأنها مصدرٌ إضافيٌ من المصادر المتعدّدة لصنع الإجماع، خاصة أنها جاءت من حيث التوقيت بعد مهزلة الدحدوح ودعاية اليتيمة. والأستاذ دغبار يدّعي أنّ رشاد تُشرعن للعنف من خلال الشعارات ضد قوى الأمن في حين أنه هو يُشرعن للعنف ضد رشاد باتّهامها بهتانًا بالتطرّف وجرّ الحراك إلى العنف، وهي شرعنة قد يتمّ توظيفها في الأخير لتبرير عنف الدولة ضد شرائح من الحراك. وأمّا ادّعاء الأستاذ دغبار بأنّ رشاد قوة مضادة للحراك متواطئة مع النظام، فهو يناقض الوقائع الميدانية وقد ينعكس عليه بتهمة التواطؤ مع الثورة المضادة. وأخيرًا يتّهم الأستاذ دغبار رشاد تلميحًا بتخوين الحراكيين، بدون أيّ دليل طبعًا، في حين أنه هو الذي يخوّن رشاد بتصوريها في شكل غول أو بُعبُع يهدّد السلم والسلمية ويتآمر لتحطيم الدولة، ممّا يُقصي مناضلي رشاد من حقّهم في المواطنة وينـزع عنهم حتى صفة الآدمية.

إنّ حركة رشاد تتعرّض لهجمة قويّة من طرف النظام ووسائل دعايته في محاولة يائسة لتشويه سمعتها وشيطنتها وتخويف المواطنين منها، كما يتعرّض أعضاء الحركة باستمرار إلى مختلف أنواع القذف والتشهير، وهم نادرًا ما يردّون عن هذه الافتراءات لأنّهم تصدّقوا بأعراضهم في سبيل الله خدمةً لمصلحة الوطن. وأمام هذه الهجمة المسعورة على رشاد التي تعدّدت أصواتها وتكاثرت أقلامها، من المؤسف أن يقلّ المبادرون من فواعل الحراك الذين لهم ظهور إعلامي إلى قول كلمة حق والإدلاء بشهادة منصفة في حق حركة لطالما دعمتهم ودافعت عنهم كلّما اقتضى الأمر. ومع ذلك فإنّ رشاد ستستمرّ في الدفاع عن تنوّع وتعدّدية الحراك في إطار الوحدة، وفي اعتبار كلّ فواعل الحراك شركاء في عملية التغيير وبناء الدولة الجامعة لكلّ أبنائها، وستسعى عن قناعة للتجسير بين مختلف مكوّنات المجتمع الجزائري لتفادي التجاذبات الحادّة التي يعمل النظام على تغذيتها والنفخ فيها من أجل الاستمرار في بسط سيطرته على المجتمع وإحكام قبضته على مفاصل الحكم من دون أدنى قدر من الشرعية الشعبية. كما ستستمرّ رشاد، قدر الإمكان، في المساهمة من أجل تحقيق التوازن بين الشعارات السياسية وشعارات المظلومية والتنديد لإبعاد كلّ شبهة على الطابع السلمي والحضاري للحراك.

يوسف بجاوي وعباس عروة عضوا حركة رشاد1 مارس 2021

9 تعليقات

  1. إننا نؤمن إيمانا راسخا أن حركة رشاد لن تعبأ بالنصف و لا بالربع و لا بالثلث ؛ ببساطة لأنها لا تعبأ إلا باسترداد سيادة شعب لم يؤمن يوما بسياسة التقسيم و التقطيع التي انتهجتها فرنسا ، فما بالك بالأنصاف، و من سبق و من لحق ! و كونوا على يقين أن الشعب هو من سينصف حركات التاريخ . و حركة رشاد ، و الحمد لله ، تجاوزت بفضل الله مثبطات قهرت أحزابا و ألقابا و كيانات منذ فجر التاريخ ، و هو الزاد الذي يجعل رشاد تشق طريقها بسلام و أمان ، في سبيل تحقيق الأمن و الطمأنينة و الأمان لشعب المليون مثال و مثال .

  2. من بديهيات الهندسة ، بعيدا عن كل سفسطة ، أن نبحث عن نقاط التقاطع و خطوط التطابق ، إن وجدت ، مع أحزاب أو منظمات أو جمعيات ، بخصوص :
    1/ موقفها من سؤال العنف ، مفهوما و ممارسة .
    2/ مغازلة السلطة الحاكمة بخصوص منصب أو راتب أو أي امتياز
    3/ التبعية لأي جهة دولية كانت .
    4/ مخاطبة أبناء الشعب على أساس عرقي أو جنسي أو لغوي أو جهوي .
    5/ وحدة الخطاب و وحدة الموقف بخصوص مطالب الحراك الشعبي السلمي .
    6/ وضوحها بخصوص التغيير الجذري للنظام ( سقوط العصابة ، لا سقوط أسس الدولة ) لأن أفعال العصابة هي من عرضت أسس الدولة للخطر .
    7/ معاملة الأشخاص ، مهما كان الانتماء الفكري أو الحزبي ، و الدليل موقفها من شخصيات وطنية مثل : عبد الحميد مهري ، علي يحي عبد النور ، عباسي مدني ، الصادق هجرس ، آيت أحمد !
    يطول الحديث ، و لن يكون مفيدا الإطالة في الحديث ، فخير الكلام ما قل و دل ، و التجاوز كثيرا ما يفيد .

  3. لطالما زهدت في الانتماء لحزب سياسي يوم كان حزب جبهة التحرير يمكن أن يسع سياسيي الجزائر ، و كانت الرابطة الإسلامية يمكن أن تسع دعاتها، و جامعة الجزائر يمكن أن تسع نخبتها و مفكريها ؛ و لكن العدد غلب العدة ، و الطبع غلب التطبع،و الغثاء غلب الصفاء ، فزاد الوزن عن حده ، و لم يحتمل الوعاء ، فحل التعويم كل نظام و منظومة ، و استفحل داء الرداءة و تسرطن ، على وزن تفرعن ، حتى أننا لم نسلم من شدة الغثيان و الهذيان ، و ارتفعت حرارتنا بسبب الاستسلام ، في ظروف لم يكن يؤمن بحركة التاريخ و لحظاته الفائقة في الوفاء ، سوى حركة رشاد ، ليلها كنهارها منذ 2007 ، تعزف نشيدا لم تعبأ به أحزاب الجزائر كلها ، من ألفها إلى يائها، عنوانه السلمية، فاستجابت ” خراطة ” التاريخ في الموعد المنبعث من أحداث التاريخ ، و لم تتأخر ! و المحصلة أنني ازددت زهدا لأنني يومها تعلمت من حركة رشاد أن شخصيات وطنية ، مثل : أحمد سحنون ، عبد الحميد مهري ، آيت أحمد ، عباسي مدني ، لخضر بورقعة ، في سبيل حب الجزائر ، ماتوا زهادا ، عكس الأنصاف و الأشباه الذين زهدوا في كل شيء، سوى حرمة الجزائر ، و حرمة الجزائر في سيادة شعبها ، هذا الذي تعلمته من حركة رشاد .

  4. قراءة بسيطة في مضمون ما جاء من ملاحظات حول بعض شعارات الحراك ، هو أن المهتم فعلا بمسار الثورة السلمية من باب إسداء النصح ، لن يكلف نفسه و إخوانه الحراكيين العناء الكثير ، و ذلك من خلال تحديد الشعارات التي تسيء للشعب في ثورته ، و تفرق بدل أن تجمع، و الأحرى أن تخدم العصابة ، ثم لا بأس أن يتوجه إلى الجهة التي يتهمها بالنصب و الاحتيال تحت طائلة هندسة العقول و يطلب منها تحديد موقفها بوضوح ، و إن كانت حركة رشاد هي المقصودة ، فلا بأس كذلك أن يثبت ذلك ، اعترافا ، أو قرينة ، أو شهادة ، شرط أن لا تكون على شاكلة ( أبو الدحداح ) ، أو بأي طريقة أو وسيلة من وسائل الإثبات ، خصوصا أن المدعي رجل قانون ! و لن يكون بوسع حركة رشاد بعد ذلك سوى الدفع بالتهمة عن ساحتها. و ما دامت المقدمات قامت على مجرد شكوك ، حتى لا نقول افتراء ، فإن خرجة ( البروفسور ) هي خروج عن المألوف بخصوص ما هو من صميم متطلبات الطرح الأكاديمي في حدود ما هو علوم قانونية و أخلاقيات البناء المعرفي عموما ، خصوصا أن الأستاذ انطلق من نقطة مفادها أن هناك تهمة خطيرة ترقى إلى مستوى الجريمة ، أساسها هندسة العقول ، لن تقل خطورة عن الفعل الإجرامي الذي يهدف إلى الهلوسة بغرض إدخال الشعب في دوامة لا تحمد عقباها ! بعدها سيجد الشباب نفسه في حاجة إلى الاغتراف فقط و فقط من المصادر الموثوق منها ، و هو أقدر على ذلك و أحق .

  5. إن ما أقدم عليه البروفسور من خلال الفيديو واسع الانتشار هو بمثابة ادعاء يحمل اتهامات خطيرة ، يمكن أن ترقى إلى درجة الجريمة الماسة بالأمن القومي ؛ و في هذه الحالة تحديدا ، يمكن للجهة التي اتهمها البروفسور ، بصفتها الطرف الرئيسي المضرور ، و لكل مواطن جزائري يشعر أو يرى أنه متضرر ، أن يتأسس ضد الجهة مصدر الاتهام و يطالب بالتعويض عن الضرر ، خصوصا أن ادعاءات البروفسور تفتقر لأبسط وسيلة أو أداة إثبات ؛ لكن ، و بما أن هدف حركة رشاد ، و كل مواطن جزائري يقف ذات الموقف من باب الاقتناع بالخط السلمي للحركة من أجل تغيير جذري للنظام غاية في الحفاظ على أسس الدولة الجزائرية ، فإن الأحرى أن نمد الأيدي للبروفسور عساه يتجاوز مثل هذه العقبة بعيدا عن البغضاء و الشحناء ، لما فيه خير الجزائريين جميعا . و أما و أن آجال التقادم بخصوص مثل هذه القضية مفتوح فإن محكمة التاريخ تتضمن ما سواها ، و على الله قصد السبيل .

  6. مكافحة التطرف يقتضي منك أن تكون حدا وسطا ، حدا إيجابيا فاصلا بين نافيتين ، كلاهما ينفي الشعور الديمقراطي ( القبول بالآخر) ، و القبول بالامتثال لاختيار الشعب ؛ عند هذا الحد يكون البروفسور معبرا فعلا عن إحدى هاتين النافيتين، أو كليهما ، في اتجاه السلطة من حيث أنه نصب نفسه أو تم تنصيبه مدافعا عن جهاز بات أكثر تطرفا في نظر الحراكيين السلميين ، على أقل تقدير ، و في اتجاه حركة رشاد من حيث أنه يشارك النظام المتخفي في محاولة يائسة لتشويه صورة الحراك الشعبي السلمي من خلال الدفع بتهمة الإرهاب صوبها! فما هكذا تؤكل الكتف يا بروفسور .

  7. الحد الإيجابي ، أو الحد الوسط الفاصل بين نافيتين، كلاهما تنفي الشعور الديمقراطي ( قمة الحرية ) بمعنى القدوة بأبعادها الاجتماعية و السياسية و الثقافية ، هو ما عبرت عنه حركة رشاد من خلالها خطها الفكري و مواقفها العملية ، و في أبسط الصور أنها لا تمثل اليوم و لن تمثل في المستقبل منافسا لأي جهة حزبية كانت ، حيث أكدت على حل نفسها بمجرد استرجاع الشعب لسيادته، و هذا من شأنه أن يشكل دافعا للتشكيلات الحزبية من أجل تدعيم مسار الحراك الشعبي السلمي ، و ذلك من خلال مقاطعة العصابة في خطها الذي بات يشكل خطرا على الجميع ، و هو أضعف الإيمان .

  8. إن دلت شعارات الحراك الشعبي السلمي فإنما تدل على طرفين رئيسيين ، طرف متمسك بتلابيب الأم الحنون ( الدولة الجزائرية) حتى لا تنكشف عورتها ، و طرف لا يهتم سوى بعورته المكشوفة أصلا ؛ هذا هو المحك الحقيقي ! إن الشعب في حراكه السلمي يبعث برسائل معبرة عن الخطر الحقيقي الذي يتهدد أسس الدولة و من ضمنها حمى المؤسسة العسكرية التي باتت رهينة جهاز متعفن إلى أبعد الحدود ، كان و ما زال رهينة بين أيدي كابرانات فرنسا ، و لم يعد سوى أداة طيعة ، كان لها الفضل في استعادة نزار ، توفيق ، أنفاسهما، بطلب من السلطة الفعلية التي لم تتزحزح كثيرا ! لكن المتخوفون من الشعارات ، و في مقدمتها ( مخابرات إرهابية ) ، هم ممن تخوفهم السلطة الفعلية بخطورة كشف عوراتهم، و ما مهزلة أعضاء المجلس الانتقالي ( الرواتب الخيالية ) سوى بالون تحذير ! لذلك ليس غريبا أن يتحول سفيان جيلالي، و القائمة طويلة ، فيها الإسلامي ، و العلماني ، و الوسطي ، و الطرقي ، و اليساري ،…، صناعة مخابراتية بحتة ! هذا هو الجو السائد و المميز للساحة الجزائرية هذه الأيام ، و ثقل المسؤولية يزداد ، خصوصا على عاتق حركة رشاد و من يشاركها فكرة التغيير الجذري للنظام بالطرق السلمية ، مما يستدعي الثبات و الصبر و المثابرة و المصابرة، و استحضار مقولة الشهيد الفذ العربي بن مهيدي ، بخصوص الثورة و الشعب ، حيث قدم المثال ، و كان بحق القدوة في الفكرة و القدوة في المسار و القدوة في التضحية . سلام على بن مهيدي ، سلام على شعب الحراك ، سلام على كل الأحرار .

  9. الحراك الشعبي السلمي يتجاوب ! نعم ، كان بالإمكان أن تأتي الشعارات في الجمعة 108 وفق رغبة البروفسور ، لكن العكس تماما هو الذي حدث ، حيث تم التأكيد بقوة على شعار ” مخابرات إرهابية ” مما يفيد و يؤكد مسؤولية هذا الجهاز ، ليس هذه الأيام فقط ، بل منذ أن تحكمت العصابة و أعطت الضوء الأخضر لنزار و أمثاله و أمضت لهم على بياض لفعل ما يحلو لهم باسم الدولة الجزائرية ، مما يعني أن الشعب و مؤسسته العسكرية و أجهزته الأمنية و مقدرات البلاد كانوا رهينة عصابة لاكوست ، و إلى اليوم للأسف الشديد ، لم تيأس العصابة ! مما يزيد من صعوبة مهمة الحراك السلمي ، و هو ما يقتضي و يتطلب خطوات عملاقة تليق بثورة الشعب الآخذة في التميز ، من لدن حركة رشاد التي مهدت الطريق أمام كل القوى الوطنية من أجل الارتقاء و التميز ، و ذلك بالالتزام رأسا بترك كل الاستحقاقات جانبا ، و منها الانتخابات و ما شابهها ، إلى غاية التأكد من زوال خطر العصابة ، و لن يكون ذلك إلا من خلال خطوات أولية من طرف قيادة المؤسسة العسكرية المؤهلين ، و أول الخطوات : حبس خالد نزار ، توفيق ، من جديد في انتظار محاكمة عادلة . و التأكيد على القبول بالحوار مع الوجوه التي يختارها الحراك الشعبي السلمي في الوقت المناسب ، من دون وجوه الأحزاب التي تعاملت مع العصابة منذ توقيف المسار الانتخابي 1992، لأنها أثبتت ولاءها للسلطة و خذلانها للشعب . أما الخطوات العملية الأخرى فلن تكون سوى نتيجة للحوار الذي يقوم على أساس وضع حد لعصابة لاكوست أم كل الخبائث .

Exit mobile version