لستُ أدري لماذا تذكّرني قصة محاكمة عالم الفيزياء غاليليو غاليلي في القرن السابع عشر من طرف محكمة الكنيسة بأشخاص لا علاقة لهم لا بسلطة دين ولا بسلطة علم، كلّ همّهم هو كرسي حكم يجثمون فوقه ولا يرضون تركه لمـَن هُم أفهمُ منهم وأقدر على تسيير شؤون الأوطان.

في الحادثة، وهي المعروفة بالتأكيد، ورد أنّ محكمة الكرادلة خيّرت العالِم بين أن يُنكر كلّ ما اقتنع به عقله من حقائق حول تصوّر الكون ومركزية الشمس لا الأرض، بحجّة أنّ هذا لم يَرِدْ ذكره في الكتاب المقدّس، أو أن يتعرّض لشتّى أنواع التعذيب والتجريم. هنا لم يكن بِيد العالِم من حيلة سوى أن يخضع للكنيسة ويُنكر أفكارَه ويلعنها ظاهرًا، وهو بالطبع عكس ما يؤمن به ويعتقده في باطنه. والكنيسة تعلم في سرّها أيضًا أنه يسايرها، لذلك قرّرت وضعه تحت إقامة جبرية حتى نهاية حياته.

بعد مرور أزيد من ثلاثة قرون، قرّرت الكنيسة الاعتذار من عالِم الفيزياء وتبرئته من الأحكام التي صدرت في حقّه. وإن لم يكن للعلم حينها أن ينتظر هذه التبرئة، وتطوّر أبعد من ذلك بكثير.

الحقيقة أن تبرئة الكنيسة للعالِم من أحكامها هي تبرئةٌ لنفسها من طغيانها. واعتذارها إليه هو اعتذارٌ إلى العلم والأفكار والمبادئ. لأنّ العالِم حينها كان قد مات واندثر جسده، لكنّ أفكاره بقيت حيّة لم تمـُت.

بالنسبة للحكّام الصوريين الذين لا يعرفون من الحكم سوى كرسيًا يجلسون فوقه وامتيازات امبراطورية يتمتّعون بها، حتّى وإن كانوا قد جيء بهم بطرق يحسبونها ديمقراطية. هم أيضًا يجسّدون الطغيان في أبشع صوَره، وينتظرون من العامّة أن يقبلوا بذلك ويصفّقوا له. بيْد أنهم يجهلون أو يتجاهلون أنه مهما طال الزمن أو قصُر، هناك من يكفرون بالظلم والطاغوت، وأنّ الحرية والكرامة من المبادئ التي لا تموت.

فتجد هذا الحاكم البائس في الأمام وزبانيته الذين أتَوا به في الخفاء لا يتوانَون عن سجن الأحرار في زنزاناتهم، يعذّبون أجسادهم ويغتصبون كرامتهم إن هم لم يعدِلوا عن مواقفهم. بعد ذلك يُقيـمون لهم ما يسمّونه محاكمات شرعية، وهي التي لا ترقى لأن تكون مسرحيات هزلية، يحكمون من خلالها على بعضٍ من أصحاب الحقّ بالبراءة، وهم بذلك يحاولون تبرئة أنفسهم من طغيانهم مثلما حدث مع العالِم والكنيسة آنفًا. من جهة أخرى يحتفظون بالآخرين من المناضلين المعتقَلين ويواصلون معهم أفاعيلهم الدنيئة، محاولةً منهم لتثبيت الطغيان نفسه! وهم بتخبّطهم هذا لا يثبتون سوى دنوّ أجل جبروتهم.

فادية ربيع
20 فبراير 2021

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version