كانت مهلة بمنزلة المنحة، و بدل أن تعترف السلطة بالجميل وتستثمر في الوقت المتاح والفرصة الذهبية التي لا تعوّض، راحت تبحث في أرشيف المناورات من باب إهمال كل المطالب التي نادى بها الشعب في حراكه السلمي، خصوصا في باب الحريات والممارسة الديمقراطية وتثمين أفضل المبادرات بخصوص الشروع في وضع أسس البناء، ليس من خلال سياسة الهروب إلى الأمام، و لكن من خلال تحرير إرادة الشعب من كل العوائق و الإكراهات، بداية بإطلاق سراح كل الموقوفين والمحبوسين، سواء الذين شاركوا في المسيرات، أو الذين عبروا عن مواقفهم و أرائهم بكل سلمية؛ وفتح المجال السياسي أمام الجميع دون استثناء، ثم العبور مباشرة إلى منصة الاحتكام إلى الشعب في اختيار ممثليه بعيدا عن كل تدخل من الإدارة ولو كانت رئاسة الجمهورية، ثم الشروع في حوار جاد من أجل الاستجابة  لبلورة وترجمة سؤال الدستور الجامع والمانع؛ هذا الذي لم يحدث، لأن السلطة الفعلية تذرعت بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية، وكان لها ذلك رغم المقاطعة الشعبية الواسعة؛ ومن دون تحقق أي مؤشر من تلك المؤشرات التي ما انفك الحراكيون يذكرون بها و  يؤكدون عليها. 

كانت المهلة خارج كل الحسابات والتوقعات، لأن جائحة الوباء القاتل الذي لم يتم الفصل نهائيا في طبيعته ومصدره من لدن الجهات والدوائر المختصة إلى هذا اليوم ، فاجأت العالم وأخلطت أوراقه و كشفت الكثير من عوراته ! في بلد بحجم الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا وتكنولوجيا وإعلاميا بات حاكم البيت الأبيض عاجزا عن تلبية حاجة شعبه بخصوص الكمامة، ناهيك عن أجهزة التنفس التي تحتاجها مصالح العناية المركزة، وتحقيق تغطية كافية بخصوص إجراء التحاليل اللازمة ! و لم يعد يفكر، لا في الطائرة الشبح، ولا في ترسانته النووية، بقدر تفكيره في كرسيه الذي فقد توازنه داخل مكتبه، ومن حوله كبار مستشاريه ومعاونيه ! 

وبدا العالم في حيرة من أمره، كمن يحسب أو يعد ما تبقى من زمن المهلة، من دون معرفة مدتها ولا مصدرها، مثل الغموض الذي بقي يلف طبيعة الوباء ومصدره، خصوصا أن التطمينات بخصوص زوال المحنة تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة، تحولت إلى عامل قلق إضافي وشك مريب وخوف متعاظم، بالرغم من الجهود الكبيرة المبذولة، و ملايير الدولارات المرصودة . 

أما عالمنا الجنوبي فقد بدا غير مبال، ولا مهتم، سوى بأرشيفه الخاص بالمناورة، وكأن الجائحة، هي فقط حراك الشعوب ! فانصب التفكير حول الأساليب الكفيلة بخنق الحريات، وتسييس كل الملفات ذات الصلة بالذاكرة الثقافية والتاريخية للمجتمع ! 

وساد الارتجال وعمت الفوضى في غياب أي مبادرة وطنية جادة تقطع الطريق عن كل حاقد مغامر لا يرقب إلا ولا ذمة في هذا الوطن العزيز الذي استرجع مطلع هذا الشهر رفات بعض قادة المقاومة الوطنية التي احتفظت بها فرنسا الرسمية عنوة داخل متاحفها لأكثر من  قرن، وجعلت منها ورقة مساومة ، من دون أن تأخذ في الحسبان أي اعتبار للأعراف والمواثيق والقيم ، ومن دون أن تراجع سجلات جرائمها ضد الإنسانية ! وفي المقابل تعاملت وسائل إعلامنا، خصوصا القنوات التلفزيونية بفائق البرودة ، حيث تعاطت جميعها دون استثناء، صورة وكلمة ، بنفس العبارات تقريبا، يغلب عليها طابع من الجمود و التحجر، وهو من دون ريب نتيجة لسياسة التعاطي الممنهجة عمدا مع تاريخ البلاد و خط المقاومة الوطنية، فلا تكاد تعثر ذلك النفس وتلك الروح داخل الكتب المدرسية، ولا حتى داخل حدود اهتمامات وزارة الثقافة، ناهيك عن المناهج الجامعية ذات الصلة، وكأن تاريخ المقاومة هذا يخص بلدا آخر غير الجزائر ! 

وكان من  اليسير، على الأقل،  اغتنام الفرصة لفضح جرائم المحتل الغاصب داخل الجزائر وعلى مستوى المحافل الدولية ، لكن برودة وسائل الإعلام و جمودها شاهد أخر على نتائج سياسة الهدم بحق البلاد ثقافة، تاريخا ، و حضارة ! 

وكانت الفرصة جدا مواتية لمد اليد للشعب الليبي الشقيق من خلال الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، وقطع الطريق على “حفتر” وكل من يقف وراءه، خصوصا فرنسا والإمارات، و كل القوى المتربصة بأمننا المغاربي والإفريقي على العموم، و استغلال تقارب المواقف بين الدول المغاربية خدمة لمصلحة الشعوب والمصير المشترك الذي يمثل العمود الفقري لاستقلال حقيقي ينهي كل تبعية و يحرر إرادتنا من أجل نهضة حقيقية في مصلحتنا جميعا . 

للأسف الشديد، لقد تعاملنا مع المهلة بكثير من الإهمال و اللامبالات، ولم نعتبر بما فعلته العصابة ببلدنا الحبيب طيلة عشرين سنة على أقل تقدير، ولم نبارك وعي الشباب السلمي في حراكه المتحضر، ولم نولي أي اعتبار للقاعدة الذهبية : “إن الله يمهل و لا يهمل” .  ومع ذلك وجب التفاؤل وعقد العزم على التواصي بالحق والتواصي بالصبر، ولن ينفعنا سوى الصدق.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version