كثيرون هم الذين يتوجسون رهبة من مجرد سماع هذه العبارة، وإن استطاعوا لصنفوها من المنكرات، أو حتى المحرمات! ولعل السر يكمن في كونها باتت مطلبا شعبيا، أو على الأقل مطلب شريحة واسعة من المحكومين؛ وعلى هذا الأساس يمكن القول أن الدولة المدنية هي الدولة القائمة على قوة الشعب، وليس على شعب القوة ؛ قوة النظام، وليس نظام القوة؛ قوة المجتمع، وليس مجتمع القوة؛ قوة الوئام، وليس وئام القوة؛ وبالتالي فإن أي شريحة داخل حدود الشعب، والمجتمع، والدولة، تتعارض مع هذه الروح، هي شريحة هدم، لا شريحة بناء . 

ومن هذا المنطلق بالذات يمكن إزالة اللبس حول عبارة ” دولة مدنية ماشي عسكرية “، وسبب اللبس، ليس هو الجيش كمؤسسة من مؤسسات الدولة، أو شريحة من شرائح المجتمع؛ السبب هو شريحة داخل شريحة، تسللت إلى الجسم على حين غفلة؛ وهي شبيهة بالفيروس، لأنها ببساطة استهدفت خلية الجيش، وتحديدا مناعته، ومنه مناعة المجتمع والدولة على حد سواء! 

ضباط فرنسا الذين تسللوا إلى صفوف جيش التحرير الوطني في الوقت المناسب، هم تلك الشريحة الفيروسية التي عبثت بالجيش، والسياسة، والاقتصاد، والتربية، وأحالت الجزائر إلى ما يشبه “الرجل المريض” ! نعم هذا هو مصدر اللبس، وهنا تكمن المشكلة . 

وعلى هذا الأساس تحوّل الجيش الوطني الشعبي عن مهامه الحضارية، حيث لا يمكن أن نتصور ضابطا واحدا له من الوقت الزائد حتى ينشغل بشأن آخر غير الشؤون العسكرية بجميع شعبها وفروعها المتصلة بأمن وأمان الدولة والمجتمع. 

ولما تحكم الفيروس في جسم الجيش، بات هو سلطة الأمر الواقع، وأكثر من ذلك تحكم في الشأن السياسي، والتجاري، والعدالة، والتربية؛ وفي كل صغيرة وكبيرة؛ فتحوّل العسكر إلى مصدر خوف وقلق بدل مصدر أمن وأمان ! 

عبارة ” ماشي عسكرية ” تهدف بالدرجة الأولى إلى تحرير ساحة المؤسسة العسكرية من الألغام التي زرعها المناوئون لجيش التحرير أيام الثورة، وبعد الاستقلال؛ وكذلك تحرير إرادة الدولة، شعبا، سلطة، وإمكانات؛ ولن يتحقق ذلك إلا من خلال نقلة راديكالية تذيب تطرف سلطة الأمر الواقع غير الشرعية، التي لم تحتكم في يوم من الأيام لاختيار الشعب . 

ومن دون ريب فقد وقف الشعب على كل التجارب التي خاضتها سلطة الأمر الواقع، سلطة الاستبداد والقهر والفساد، سياسيا، اقتصاديا، واجتماعيا، حيث استطاعت تدجين الوعاء الحزبي عن آخره، بطريقة أو بأخرى، من دون الحاجة إلى ذكر أساليبها التي باتت غير خافية . 

ولم يعد ممكنا تعافي سلطة الأمر الواقع ذاتها، ولا الطبقة السياسية والحزبية التي اقتاتت على حساب المال العام، فأكلت بغير وجه حق، وتحوّلت، للأسف الشديد، إلى جيب من جيوب البرجوازية التي باتت تخاف على مكاسبها غير المشروعة أكثر مما تخاف السلطة على كرسيها ! وهي اليوم تتوّجس هلعا من كل حركة شعبية تتطلع إلى غد أفضل. 

” ماشي عسكرية ” هي تطلع قائم على وعي بمدى عظمة المهمة التي تنتظر جيشنا من أجل المساهمة على خط النهضة والبناء الحضاري في ظل دولة مدنية، يحق للجزائر أن تحلب في إنائها من أجل نهضتها، وتحفظ كرامتها، وتنتج غذاءها،  وتصنع دواءها، وسلاحها،  وتحمي  حدودها، وتسترجع سيادتها كاملة غير منقوصة . 

” ماشي عسكرية ” لا تعني سوى قطع الحبل السري بين العصابة الفيروسية التي زرعت في جسم جيشنا، وبين الرحم الاستعمارية التي أصابها العقم بسبب جرائمها ضد الإنسانية. 

” ماشي عسكرية ” لا تعني سوى استعادة الريادة الشمال إفريقية برا وبحرا وجوا، وما ذلك على أحفاد الأمير عبد القادر بعزيز. 

” ماشي عسكرية ” لا تعني سوى الوفاء لتضحيات بن بولعيد، عميروش، شيهاني، عبان، شعباني؛ وقوافل الشهداء البواسل. 

” ماشي عسكرية ” لا تعني سوى استعادة الثقة بين الشعب وأبنائه من مختلف الأسلاك الأمنية والعسكرية تحت مظلة دولة الحق و العدل و القانون . 

” ماشي عسكرية ” لا تعني سوى فشل مشروع فرنسا الاستعمارية التي راهنت على تبعية الجزائر بعد أن يئست من تحقيق حلم ” الجزائر فرنسية.” 

وليس سوى ذلك، ببساطة لأن الجزائر تسع جميع أبنائها وزيادة ، ولا يمكن أن تسع سياسة فرنسا الاستعمارية . 

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version