يعيش العالم هذه الأيام على وقع تفشي وباء فيروس كورونا الذي تحوّل إلى جائحة أصابت كل دول العالم تقريبا دون تفريق بين فقيرها وغنيِّها مهما كانت درجة تطورهم العلمي أو الاقتصادي، وباء لا “لقاح” ضده ولا “علاج” له لأنه لم يسبق أن أصاب الإنسان قبل اليوم..

كما إعتاد الناس أيضا في الآونة الأخيرة على سماع أخبار مخيفة تتعلق بسرعة انتشار فيروس كورونا ومدى خطورته وعجز الكثير من البلدان المتقدمة على السيطرة عليه، مما أثر على الاقتصاد العالمي وأسعار النفط بشكل سلبي جداً، وهذا يعتبر ثاني أكبر هبوط في أسعار النفط في التاريخ البشري كله.

و بالتالي اكتسح وباء كورونا كل وسائل الاعلام وغطى على كل الحصص والبرامج  المرئية والمسموعة والمكتوبة بل محاها تماما وبشكل سريع،  ففي فرنسا العنصرية – على سبيل المثال- علق العديد من رواد وسائل التواصل الاجتماعي، على ظاهرة قناع الوجه الذي أصبح اجباريا اليوم على العديد من شرائح المجتمع، مقارنة بالنقاب الذي تمنعه فرنسا رسميا، بل وقد كانت قد أصدرت فيه قوانين وقوانين لمنعه علما أنه نادر للغاية.. إذ ذهبت إحدى الجرائد لأخذ صورة مسلمة منقبة وبالقفازات قائلة، هذه هي أدوات الحماية اليوم من فيروس كورونا، أي القفازات والقناع (النقاب) ؟؟

 كورونا وبطالة مدفوعة الاجر لدعاة الإسلام- فوبيا وأبواقه:

ظاهرة كورونا أدخلت بحق وحقيقة في بطالة مدفوعة الاجر دعاة الإسلام-فوبيا وأبواقها، كإيريك زمور الصهيوني وغيره من السياسيين والإعلاميين  وحتى قنوات تلفزيه  فرنسية كبيرة كـ” بي أف أم – تي في”، بل اشتاطوا كلهم غيرة ودهشة لما علموا أن القائمين على حمايتهم  ونجدتهم  هم عرب ومسلمون من أطباء وسلك شبه طبي وفرق حماية مدنية وشرطة وحراسة، وتجار مواد غذائية وغيرهم، هؤلاء الذين ينعتون بالأجانب وغير المرغوب فيهم، أضحوا في الصفوف الأولى لحماية قيم الجمهورية والدفاع عنها،  وجل هذه الجيوش البشرية المستميتة ضد كورونا مسلمون ويحملون أسماء عربية  وأجنبية، وتستضيفهم القنوات في نشراتها الإخبارية ..  

 ربع المسلمات في فرنسا تقريبا محجبات، لكنهن محل جدل منتظم حول الإسلام:

وبالتالي نست فرسا بقدرة قادر عداءها للمسلمين، إذ لا ننسى أنه في فرنسا وحتى في بعض الدول الاوروبية، تعرضت منذ سنين المسلمات خاصة ولا زالت تتعرض المحجبات للتمييز المجتمعي وكذلك للتمييز المهني، وهي ظاهرة غير قانونية البتة ولكن يصعب كفاحها لأن زمام الامور في أيدي أناس متشبعين بروح الاستكبار والعنصرية. وبالتالي بات الولوج يومها في فرنسا مثلا لسوق الشغل بالنسب للمحجبة رغم ما تملكه من قدرة وشهادات تفوق غيرها من بنات جنسها،  كل هذه الصعوبات، جعلت الشغل خارج البيت بالنسبة للمسلمة أمر من المستحيلات.

 كما لا يجيب أن يغيب على نباهتنا أيضا، أن التاريخ الاستعماري لفرنسا يجعل مسألة الإسلام مثيرة للجدل على أراضيها. ففي استطلاع للرأي قام به معهد إيفوب في أكتوبر 2019، صرّح 61% من المستجوبين الفرنسيين باعتقادهم أن الإسلام لا يتوافق مع قيم الجمهورية الفرنسية، بينما يعتقد 80% أن العلمانية في خطر في فرنسا ؟؟ وقبلها في عام 2004، حظر البرلمان الفرنسي ارتداء رموز دينية في المدارس العمومية. وفي 2010، تم حظر تغطية الوجه في الأماكن العمومية لمنع ارتداء النقاب تحديدا بل تلميحا و تصريحا، علما أنه نادر للغية لدى المسلمات. أما في 2016، فقد حاولت عدة مدن منع ارتداء “البوركيني” – وهو لباس سباحة خاص بالمحجبات- على الشواطئ العمومية، لكن يسمح للعري التام ولا حرج. علما أن ربع المسلمات في فرنسا تقريبا محجبات، لكنهن محل جدل منتظم حول الإسلام، رغم عددهن. وقد سبق أن اعتبر الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون الحجاب كموضوع مثير للجدل في فرنسا لأنه “لا يتطابق مع طريقة العيش في بلادنا، فنحن مهتمون جدا بالمساواة بين النساء والرجال”.

وللتذكير في بداية عام 2019، استشاط عدد من السياسيين من اليمين واليسار على حد سواء، غضبا أمام قرار متجر للملابس الرياضية ببيع حجاب للركض – وقد انتهى الأمر بسحبه من نقاط البيع. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل شهد البلد منذ أشهر جدلا آخر حول الحجاب عندما طلب سياسي من حزب أقصى اليمين خلال اجتماع في مجلس محلي من والدة مسلمة محجبة كانت ترافق القسم الذي يدرس فيه ابنها خلال رحلة مدرسية نزع حجابها.

 التبريرات بجوقة الانسجام مع قيم الجمهورية والمجتمع في فرنسا:

عموما، يتم تبرير هذه القوانين باسم الانسجام مع قيم الجمهورية الفرنسية والمجتمع، لكن دراسة نشرتها جامعة ستانفورد سنة 2019 حول قانون سنة 2004 أبرزت أن “النساء اللواتي يشملهن القانون ينعزلون ضمن المجموعات الاجتماعية التي ينتمون إليها ويتفادون التعامل مع باقي المجتمع”

والمسلمات هن أكثر من يعانين من هذه القوانين. بحسب دراسة أخرى تعود إلى سنة 2015، فإن أقل من نصف أرباب الأعمال فقط (42% تحديدا) يقبلون بتشغيل امرأة ترتدي حجابا. كما أن “اختبارا للسيرة الذاتية” سنة 2014 أثبت أن حظوظ امرأة متحجبة من أصول مغاربية للحصول على مقابلة عمل 55 مرة أضعف من حظوظ امرأة بيضاء دون حجاب.

وكما كتبت “أريانا مظفري” إعلامية أمريكية من أصول إيرانية، في دراسة مطولة لها، قول الأستاذ هشام بن عيسى وهو عالم اجتماع اشتغل مع أكثر من 500 شركة فرنسية لتطوير سياساتها الدينية، إن التمييز يزداد كلما صعدنا السلم الاجتماعي: ” لم أر قط خلال عملي امرأة محجبة في منصب إداري. الناس يقبلون أن تقوم امرأة محجبة بأعمال تنظيف أو أن تعتني بأطفالهم. أما أن تعطيهم امرأة محجبة أوامر، فهذا مستحيل”.

كثيرات هن المسلمات اللواتي يعانين من رفض مؤسسات التشغيل، حتى إن كان ذلك لمناصب غير إدارية. مريم البالغة من العمر 20 سنة تعودت نزع حجابها يوميا للذهاب إلى عملها كسكرتيرة طبية في منطقة ألزاس، بشمال شرق فرنسا، غير بعيد عن الحدود الألمانية،  في أحد الأيام، بينما كانت تبحث عن منصب كسكرتيرة، “ذهبت إلى مقابلة بحث عن عمل وأنا أرتدي حجابي، فقالت لي الطبيبة مباشرة إنها لن تقبل أبدا أن أرتدي حجابي في الشغل، لأنها لا تريد أن يرى المرضى امرأة مذعنة وراء المكتب..”

 في فرنسا كلما صعد المسلمون في السلم المهني، كلما تعرضوا أكثر للتمييز:

وكتبت  أريانا مظفري  أيضا تقول .” يبدو أن دراسة أخرى واسعة المجال قامت بها مؤسسة جان جوريس في سبتمبر 2019 حول التمييز والاعتداءات العنصرية ضد المسلمين في فرنسا تؤكد تجربة بن عيسى: فكلما صعد المسلمون في السلم المهني، كلما تعرضوا أكثر للتمييز. إذ لاحظت أن 63% من المسلمين الذين يشغلون مناصب إدارية أو الذين يعملون في مجالات تتطلب شهادات عليا تعرضوا للتمييز في السنوات الخمس الأخيرة.

يقول فرانسوا كراوس، وهو أحد المشرفين على هذه الدراسة: ” يعود هذا الوضع لخيارات مهنية، فبمجرد أن تدخل الأقليات للعوالم التي يطغى عليها “البيض” ويتركون وراءهم مجتمعهم كمسلمين أو كأقلية بصفة عامة، فهم يتعرضون إلى هذا النوع من العنصرية، كما أن الأشخاص الذين يتمتعون بمستوى تعليمي أعلى أكثر وعيا بمسائل التمييز.”

من المحن تأتي المنح: 

و اليوم انقلب السحر على الساحر مع وباء كورونا، وكما يقال من المحن تأتي المنح  وها هي محنة وباء كرونة تعلمنا بما لا يدع مجالا للشك أننا لا نستطيع إذا استفحل الأمر لا قدر الله واشتد أن نعوّل إلا على الله ثم على أنفسنا. فها هي فجأة تجعلنا تلك المحنة جميعا سواسية أمام الخطر وإمكانية تجنبه أو التعافي من أثاره كما تبرز لنا جليا  مدى نجاعة المنظومة الصحية الهشة لدولة و أخرى ..

ومن فوائد المحن، أنها تؤدى إلى مراجعة النفس ومعرفة مسارها ومن أين أُتيت، فيصحح الإنسان مساره ويقاوم عيوبه فيصبح شخصاً آخر يقر بالحق ولا يعاند بالباطل، فيقر بخطئه ويعترف بذنبه ويتوب إلى ربه..

ومن فوائد المحن، أنها تعرف الإنسان الغربي والعربي على حد سواء،  قدر النعمة التي هو فيها فيشكر الله عليها ويحافظ عليها، إذ النعم منسيّة فإذا فقدت عُرفت، فيجتهد بالحفاظ على النعم بطاعة الله..

ومن فوائد المحن، أنها تخرج الطاقات الكامنة فتظهر قدرة الإنسان الحقيقية، وتعوّده الجد بعد أن تعوّد الكسل، والنشاط بعد الخمول، والعمل لدين الله بعد أن أخذت الدنيا مجامع قلبه..

   ومن فوائد المحن أنها تعرف الإنسان حقيقة الدنيا، وأنها بين لحظة وأخرى تنقلب على صاحبها،

 ومن فوائد المحن، أنها تكفر الذنوب وتقرب من رب العباد وفي الحديث: “لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشى على الأرض ولا خطيئة له“.

ومن فوائد المحن: أن الإنسان يحب من كان سببا في تنبيهه من غفلته، فلولا أن الله سخره لبقى التراب على السطح ولظل المعدن مدفوناً في الشوائب، و كما جاء في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب فوجدها تزفزف (يعني تضطرب وترتعش من الحمى) فقال لها:” ما لك تزفزفين؟ قالت إنها الحمى لا بارك الله ف

يها، فقال صلى الله عليه وسلم: “لا تسبي الحمى فإنها تنفي ذنوب ابن آدم”.

 وختاماً يعجبني دعاء للشيخ الشعراوي، فيه معان طيبة في هذه الظروف الصحية الصعبة، حيث يقول رحمه الله:” أحمدك ربي على كل قضائك، وجميع قدرك، حمد الرضا لحكمك لليقين بحكمتك“. والحمد لله أولاً وآخراً وهو حسبنا ونعم الوكيل.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version