يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُواۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَالآية 8 المائدة

عندما أتابع حجم ومدى الحقد والحرب الهوجاء التي يشنها البعض ضد السيد محمد العربي زيتوت واتهامهم له بأشياء يعلم أعداؤه قبل أصدقائه أنها نسيج من الافتراء ونكران الحقائق، أتساءل هل لهؤلاء بصيص من النزاهة والأمانة في قول الحق لا أكثر، والاعتراف للذي يأكلون لحمه ليل نهار، أنه لم يتوقف عن محاربة، بما يملك من كلمة فحسب، عصابات الدولة العميقة وجنرالات الدم، عندما كان الجميع تقريبًا ترتعد فرائسه لمجر ذكر اسم من أطلق على نفسه اسم “رب دزاير”، وكان هو أوّل من رفع صورته على الملأ ليعرفه العالم، لما كان الكثير يشكون في وجود هذا البعبع أصلا ويعتبرونه مجرّد شبح، أو في أحسن الأحوال يعتبرون هيمنته مجرد أسطورة وتضخيم. في تلكم الفترة، كان السيد زيتوت يتحدى المخاطر مضحيا بنفسه وماله وأهله  وشوقه إلى بلده الذي حُرِم منه، ومضحيا بمنصبه الذي ناله عن استحقاق وليس منًّا من أحد أو متاجرة بمبادئه، في وقت كان مثل ذلك المنصب يُسيل لعاب الكثير، بل هناك من باع ضميره مقابل فتات قدمته له العصابات، بعد تجنيده للمساهمة في حربها التضليلية والتثبيطية ضد الشعب.

لقد خاض السيد زيتوت حربًا شرسة بكل ثقة وعزم وتفانٍ، في وقت كان يعزّ فيها المناصرون ناهيك عن المشاركين في مثل تلك الحرب المكلفة. أتحدث هنا عن العشرات فحسب وليس المئات، ومع ذلك، لن تفتر همته ولم تهن عزيمته ولم ييأس. أين كانوا هم؟ فليسأل كلٌ نفسه بصدق وأمانة، يوم كان الكثير منهم يؤثر “السلامة” ولا يستطيع مجرد الهمس وذكر اسم “رب دزاير”ببنت شفاه. ألا يستحون، وهم يرمونه اليوم، دون حياء أو وخز ضمير، بكل الجرائم، وكأنه هو من حكم الجزائر وخرّبها، وهو من أوصلها إلى ما هي عليه اليوم، وكأنه هو من نهب أموالها، وأنه هو من سفك دماء الآلاف من العُزّل، واستباح عرضها، وليس هو من استقال من منصبه تحديدًا (ليكسب قوت أسرته من عرق جبينه) لرفض تلك الجرائم وكشف المجرمين معرضًا حياته لخطر؟ حقا إنه إجحاف حتى لا نقول عيب وجريمة، أن يناصب هؤلاء مثل هذا العداء، والحقد، لرجل أفنى أعز سنوات من حياته من أجل بلده دون أن يطلب من أحد جزاءً أو شكورًا.

هل ارتكب السيد زيتوت أخطاء. بالتأكيد، ومَن لا يخطئ؟ فهو إنسان، ولا عصمة للإنسان، وهو نفسه لم يدّع ذلك.ثم هو يمارس السياسة طيلة ربع قرن، وفقط من لا يفعل شيء لا يخطئ، هذه سنة الكون. لكن، هل ارتكب جرائم مثلما يتهمه الخصوم، من إخوانه ناهيك عن أعدائه؟ أبدًا، بل هو يخوض كفاحًا مريرًا لكن بثبات ويقين، منذ 25 سنة لمحاربة أرباب الجريمة المنظمين في عصابات الحكم المتعاقبة. أمّا الذين يعتبرون خطاباته محرّضة وتدفع البلد إلى المجهول ومخاطر العنف، باعتبار أن السلطة قد تسلّط فيالق الموت وتكرّر العشرية الدامية، فهذا اعتراف منهم، بأننا نُحكم من قبل عصابات إجرامية. لكن، الخلاف بين زيتوت ومن يسير على دربه وبين هؤلاء، أنّ الفريق الأوّل يؤمن بالمقاومة السلمية ويعمل في إطار معركة الوعي وإقامة دولة القانون، على شحن الهمم لمقاومة هذه العصابات سلميًا، وهي معركة يقوم بها الكثير من الشرفاء، ومن بينهم حركة رشاد، منذ نشأتها، قبل أكثر من 13 سنة، بتبنيها منهجًا مقاومًا سلميًا يسحب من العصابة عذر المواجهة، ويعريها أمام العالم، مثلما تشعر به اليوم هذه العصابة بعد مرور 40 أسبوعًا دون أن ينحرف حراك الشعب عن مساره المسالم، الثابت الصارم والمصمم.

أما الفريق الثاني، فبحجة خشية الانزلاق واستعمال السلطة للعنف، يريدون من الحراك أن يتوقّف، “حقنا للدماء” كما يقولون. أليس هذا بالذات ما تريده العصابة وتعمل جاهدة لنفثه في نفوس المواطنين، بما يمكننا تشبيهه بأكل الثوم على أضراس هؤلاء الذين يخوّفون الشعب من مخاطر مواجهة العصابة سلميا، وينصحون لجماهير بالانسحاب والتزام البيوت، بحجة التهديدات المحدقة من قِبل السلطة الحاكمة؟ ألم يسهم هؤلاء في تحقيق ما عجزت عنه هذه العصابة، من خلال نيلها ما تريده دون افتضاح أمر احتمال استعمالها للعنف؟ أليس هذا ما روّجت له السلطة الانقلابية طيلة عشرين سنة بعد الانقلاب، ودائما بتلويحها ببعبع عودة الإرهاب، فقضت على كل إرادات التغيير، ثم فعلته غداة ثورات الشعوب العربية في 2011، فهدّدت الشعب الجزائري بانتقال النموذج السوري والليبي واليمني إلى الجزائر؟ ثم كرّره أويحيى وأمثاله عند انطلاقة حراك 22 فبراير، مخوفا من نفس السيناريو؟ ألا ينتهج من يتّهم السيد زيتوت وإخوانه بالتحريض، نفس خطاب التخويف؟ وهل يريدون من الشعب، أن يرضى بالسكون وقبول تصميم العصابات لمسرحيات لا تنطلي على أحد، وهم أوّل من يدرك، ويعترفون أن السلطة لن تتخلى عن الحكم، فكيف إذن نطالب الشعب الجزائري بقبول استدامة الاستبداد دون مقاومته سلميا؟ هل نرضى بذلك، وبدل مقاومة العصابات، خاصة وأنّ الفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضى، وقد بلغ وعي الشعب وإرادته ذروتها وقدرًا هائلا من التحفّز والاستعداد لمواجهة هذه العصابات سلميًا؟ فبدل ذلك، يعمد هؤلاء على الطعن في الشرفاء واتهامهم بأنهم محرّضون ويزجّون البلاد في أتون حرب مدمرة أخرى، وهل يجهلون أن الذي أدخل البلد حربًا منذ 30 سنة هم من يدّعون اليوم العمل على عافيتها في مسرحيات نتنة تنبعث منها رائحة احتقار الشعب والازدراء لوعيه وفطنته؟

هل من الوطنية والبطولة تسخير كل القوى والجهد لأكل لحم الشرفاء من أمثال السيد زيتوت وغيره، الذين يحبون وطنهم وأثبتوا ذلك، ولن ينفي حبهم لوطنهم إلا جاحد أو من يفعل ذلك لأمر في نفسه،بدلًا من توجيه خطابه وقلمه في فضح ومحاربة المجرمين الذين فتكوا بالبلد والعباد، ولا زالوا يراوغون ويناورون، من أجل تمديد حكمهم عبر واجهات كارتونية وظيفية وانتخابات مفروضة فرضا؟هؤلاء في الواقع، ينفذون من حيث يدرون أو لا يعلمون، حربًا بالوكالة، نيابة عن من يفترض ويزعمون أنهم يحاربونهم.

هذه العصابة الحاكمة، التي أقضّ مضجعها السيد زيتوت وإخوانه من الأحرار، خاصة وأنهم اكتسبوا ثقة واسعة وسط المواطنين، بالنظر إلى مسارهم النظيف والشريف، وجدت في هذه الأصوات التي سخرت نفسها للنيل من تضحية وشرف السيد زيتوت، خير من يضطلع بهذه المهمة القذرة، بعد أن فقدت السلطة وأبواقها كل تأثير على المواطنين، بعد أن أصبحت عنوانًا لكل الفجور، وأفقدها الثقة في كل ما تزعمه، فلجأت إلى غيرها، لتحقيق مطامعها. لكن مع كل ذلك، ورغم كل ذلك، أو بفضل ذلك، يبقى الجبل شامخًا، مؤمنًا بقضيته وراضيًا بما يتلقاه من سهام الأصدقاء والأعداء، صابرًا محتسبًا، لأنه يخوض حربًا ضد عصابة يعلم أنها مستعدة لحرق البلد لتبقى، ولن تتأخّر في استخدام كافة الوسائل القذرة واستنزاف أموال خزينة الشعب لإسكات كل الأصوات الحرة التي تعري مخططاتها.كل ذلك لم يفاجئنا، لكن ما يدمي القلب، ويحزننا، أن نجد من لم نكن نتوقع منه أن يطعن ظهر من ضحى بنفسه من أجل وطنه، ويعلم العدو قبل الصديق نظافة يده، لم يبن فيلات، لم يدّخر أموالًا في البنوك، لم يبع ذمته لأحد، لم يتواطأ مع الأعداء عربًا كانوا أو عجمًا، ذنبه الوحيد أنه رفض أن يأكل من فتات وأوهام الدجل، أو يصدّق سحرتهم. لكن عزاؤنا أو لنقل فخرنا، ويزيدنا يقينًا وعزيمة، أن هذا الكمّ من العداء والمكائد المتطايرة ضد الأحرار، من جملتهم، السيد زيتوت، لأكبر دليل على أن المسار صحيح، خاصة بالنظر إلى حجم الدمار والهلع وسط العصابة، ومبشّر خير على درجة الوعي والأمل الذي يشعر به المواطنون، بفضل وتضحية ما يقوم به أبناء الجزائر البررة. شكرًا أخي محمّد العربي، واصل فلن تنال منك إساءة القريب، مثلما لم يثنِ عزيمتك من قبل سرطان توفيق وأذرعه المتناثرة.

أما الغمز باتجاهه كونه يحرض من الخارج، فهذا غمز غير أخلاقي وغير أمين، لأن أصحابه لا يجهلون أنه محروم من بلده وأهله بسبب مواقفه وعقابًا له، لا اختيارا منه، وهو محروم، مثله مثل الآلاف من إخوانه، المنتشرين في القارات الخمس. فكيف يُتَهم منْ هو محروم من بلده، وكأن حرمانه من حق من حقوقه الأساسية، جريمة تنتقص من شأنه وتسقط عنه حقه في التعبير؟ وهل تواجده خارج الوطن ينزع عنه وطنيته وحبه لبلده ويخدش في اهتمامه بشؤونه، ويحظر عنه العمل من أجل وطنه؟ هل موقعه مقتلعًا من دفئ وطنه، يحول دون حقه في الحديث عن وطنه؟ في الحقيقة، مثل هذا القول ينمّ عن نفوس أقلّ ما يمكن قوله عنها أنها تحتاج إلى مراجعة ومصارحة وتوبة.

4 تعليقات

  1. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ” حديث صحيح .

    • رفيق م. بتاريخ

      أول مرة شاهدته (مند سنين) أقنعتني تحاليله وكانت تنسجم مع منطقي وعقلي وبديهتي الفطرية، كوني مختص في العلوم التقنية وبعيدا عن العلوم السياسية والإدارية، لم يمنعني من متابعته واكتشافه ومعرفته يوما بعد يوم، لم أشك يوما في صدقه ونيته الحسنة وإخلاصه وحبه لوطنه، عندما أقرأ على الذين يوجهون له النقد و التهم أحس بتناقض بين حقيقة ما أعرفه عنه وما بصرح به، وما يلفقونه له، إنه مجرد حقد وعداء قلبي…وفقه الله وحفظه من كل سوء، ورزقه الثبات و الصبر الجميل والإخلاص لله، والنصر القريب على هؤلاء العصابات المتشيطنة التي عاثت في البلاد فسادا. آمين.— رفيق م.

  2. Malek Bennabi بتاريخ

    من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا
    … Merci Rachid pour ce téoignage et cette mise au point

  3. رفيق م. بتاريخ

    أول مرة شاهدته (مند سنين) أقنعتني تحاليله وكانت تنسجم مع منطقي وعقلي وبديهتي الفطرية، كوني مختص في العلوم التقنية وبعيدا عن العلوم السياسية والإدارية، لم يمنعني من متابعته واكتشافه ومعرفته يوما بعد يوم، لم أشك يوما في صدقه ونيته الحسنة وإخلاصه وحبه لوطنه، عندما أقرأ على الذين يوجهون له النقد و التهم أحس بتناقض بين حقيقة ما أعرفه عنه وما بصرح به، وما يلفقونه له، إنه مجرد حقد وعداء قلبي…وفقه الله وحفظه من كل سوء، ورزقه الثبات و الصبر الجميل والإخلاص لله، والنصر القريب على هؤلاء العصابات المتشيطنة التي عاثت في البلاد فسادا. آمين.— رفيق م.

Exit mobile version