حضرت جلسة من جلسات التذكير بخصوص الحديث عن ثورة نوفمبر، و كان عنوان المحاضرة التي ألقاها الدكتور: “قيم نوفمبر “.

و من دون مقدمات تحدث الدكتور عن فرنسا و ما فعلته بالجزائريين أثناء الاحتلال. أي أن الحديث تركز حول أفعال فرنسا التي بات يذكرها و يرويها الجزائريون كل سنة. ثم أعطيت الكلمة لأحد الحاضرين ليتكلم عن أبيه الشهيد، مولده ودراسته ونضاله في صفوف حزب الشعب الجزائري، ثم التحاقه بالثورة، والمهام التي أسندت له، إلى غاية استشهاده وهو يحمل رتبة رائد. و ختم المنظمون الجلسة بدعاء كما تعودنا طويلا على ذلك. 

لكن شيخا تجاوز الستين، إن لم يكن في السبعين، همس في أذني قائلا: ماذا قال الدكتور بخصوص القيم ! ؟ فقلت له، هلا استفتيت قلبك ؟ فرد قائلا : و ما دخل القلوب يا بني ؟ قلت إن علاقة القلوب بالذاكرة كعلاقة الروح بالجسد . تنهد الشيخ وابتسم قليلا ثم قال: والله إنني فهمت كلام الدكتور، و أستطيع أن أروي لك الكثير مما فعلت فرنسا بالجزائريين، لكنني لم أتمكن من استخلاص القيم !

حينها قلت يا أبي : شهر نوفمبر هو شهر الأحياء، ونحن اعتقدناه شهرا للأموات، ثم تساءلت: هل الشهداء أحياء أم أموات؟ قال : هم أموات ، و منهم عمي و إخوتي . قلت : فلربما هذا الذي فهمه البعض من كلام الدكتور !  فقد تحدث كثيرا عن نوفمبر الماضي ولم يتحدث عن نوفمبر الحاضر، والغائب الحاضر هم الشهداء ، أما الحاضر الغائب فهم الأدعياء الذين خانوا عهد الشهداء. نعم الشهداء أحياء،  و لو كان العربي بن مهيدي أو مصطفى بن بولعيد أو عميروش بيننا لقالوا لنا : إن ثورة نوفمبر خالدة في القلوب، و إنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور .

و هذا هو الموت الحقيقي، لأنه يحدث في الحياة ! ولا يحدث بعد الممات. ببساطة إن أعظم قيمة وأعلى قيمة في سلم قيم نوفمبر هي أن نوفمبر للأحياء وليس للأموات، أو لم يقل الله سبحانه : “و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ” .

ثم أما علمت أن وصية الشهداء تمحْورت حول سؤال الحياة : ( إخواني لا تنساو الشهداء ) ! قال الشيخ : و ماذا كان يقصد الشهداء، خصوصا أننا جمعنا رفاتهم و دوّنا أسماءهم و أطلقناها على أهم الساحات والشوارع، وخصصنا لأراملهم الرواتب!

رفعت رأسي قليلا ثم قلت: و هل حفظنا عهد الشهداء؟ إن غاية الشهداء هو العهد الذي ربطوه في الأعناق، وعلى هذا الأساس وجب الاختيار: إما أحياء و إما أموات! والذي يطلبه منا نوفمبر اليوم هو أن نعتبر بما فعلته فرنسا، وما فعلناه نحن، بالجزائر بعد الاستقلال . 

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version