* للذاكرة :

لم أعد أقبل أي مزايدة بخصوص ذاكرتنا الجماعية، لا أقصد بأي حال من الأحوال ما يكتب من مذكرات، علما أن العظماء على مستوى المعمورة لم يشتهروا بذلك، ولم يهتموا ! الذي أقصده هو طريقة تعاملنا مع ذاكرتنا التي يميل كثير من الناس إلى توظيفها سياسيا، إن تسييس التاريخ أكبر مصيبة بالنسبة لعمل العقول، الساسة والمفكرون والأدباء والمهندسون وحتى العسكريون، يمكنهم أن يستفيدوا إن اجتهدوا من التاريخ، لكنهم لن يستفيدوا شيئا إن استعاضوا عن التاريخ بالسياسة، ببساطة لأن التاريخ زاخر بالخبرات والمهارات والحكم ونماذج البناء، أما السياسة فهي آنية أقرب ما تكون إلى البحث عن المبررات بخصوص ما يطرح من مشكلات! الملاحظ عندنا على سبيل المثال، أن الكائن البشري حينما يتحول إلى دائرة السلطان، يصاب بنوع من النسيان، بمعنى يبتعد عن محيطه الطبيعي، فيبتعد عن الحد الوسط، وبدل الاعتدال، يتطرف، إما إيجابا، وإما سلبا. والغالب في هذه الحالة هو التطرف الإيجابي الذي يخدم السلطان، وعليه سرعان ما يبحث لنفسه عن مبررات، يبرر بها موقفه وتصرفه، فتكون علاقته بعالم السياسة علاقة تبريرية بحتة . 

و مما جلب انتباهي وآلمني نوعا ما، موقف باتجاه ذاكرتنا . و أنا أتابع أحد المتكلمين عبر واسط اليوتوب، يتحدث عن ثورة نوفمبر، أو إن شئت ذكرى أول نوفمبر، وتحديدا قوله، فيما معناه، أن مصالي الحاج ارتكب خطيئة، والسبب حسب المتكلم تأخر مصالي الحاج عن الموعد! يمكن أن يصدر مثل هذا الحكم من باحث اجتهد في جمع ما تيسر من شهادات مكتوبة أو مسموعة، أو بيانات، ثم راح يرتب أوراقه و يصدر ما شاء من أحكام . أما أن يصدر الحكم على الهواء من دون سياق ولا أهداف فإن مثل هذا يسيء إلى ذاكرتنا أكثر مما يفيد . 

* للتذكير : 

لن أتحدث بخصوص البطولات، ولن أذكر حتى الشخصيات التي ساهمت بفعالية في رسم المسارات التي استجابت لأخطر اللحظات التاريخية من عمر الجزائر . فقط وجب أن نستعيد الجانب النفسي على وجه الخصوص، الحالة التي كان عليها رفقاء السلاح، ومن جهة أخرى حالة الناس الذين عايشوا لأجيال حيل و خبث الاستدمار، من دون إهمال الآثار التي خلفتها أحداث ٨ ماي ١٩٤٥، أي بعد عشرية من الترقب و التأمل و الاختبار، بسرعة كانت الذاكرة حاضرة، لأن رواد أول نوفمبر لم ينطلقوا من فراغ، ولم يكونوا بموقفهم ليلحقوا أي ضرر بالذاكرة الجماعية ولا المساومة أو المتاجرة على حساب التاريخ . 

لم يكن هناك الكثير ممن استوعبوا مسار نوفمبر، ولا حتى من تفهموا أبعاد الصدمة التي أحدثتها شرارة الثورة . و هذه هي بطبيعة الحال خصوصية الطريق إلى الحرية .

اليوم و من بعد ٦٥ سنة بالتمام بقي سجل الحرية مفتوحا، وروح صناع نوفمبر حاضرة، وشعب نوفمبر أكثر وعي و حضورا. لكن العوائق والمثبطات أخذت منعرجا خطيرا، لا لشيء سوى لأن المعطيات و الأدوات تغيرت. فبينما كان العمل المسلح هو الحاضر بقوة كاختيار أقوى، من بعد استنفاذ كل الأدوات و فشل كل المساومات، زيادة على وضوح الموقف عقائديا، و هو ضرورة المجابهة و المواجهة بالسلاح تحت راية الجهاد. فإن مسار اليوم مختلف تماما، و هو ما ميز الهبة الشعبية المفاجئة والمباغتة التي حملت من أول يوم راية السلمية مما يدل على أن وعينا الجماعي قد قطع شوطا عظيما في استعادة روح المبادرة من أجل التأسيس لمسار الحرية من أجل الكرامة و الحكم الراشد . و بمعنى جلي فإن شعبنا بات مدركا و مقتنعا أن المواجهة واستخدام السلاح بين أبناء المجتمع الواحد غير مبرر بجميع المقاييس، وتحت أي مسمى . وذلك هو الأهم في مسيرتنا الوطنية وبعدنا الثقافي و الحضاري، بحيث بهت السحرة و المنجمون و حراس المعبد وكل القوى الشريرة التي راهنت عل طعم الإرهاب من أجل كسر شوكة شعوب محور طنجة – جاكرتا على وجه الخصوص . 

و على هذا الأساس نلاحظ أهمية تأكيد الأحرار على مستوى الحراك الوطني في الداخل وفي الخارج على بُعد السلمية الذي يتطلب قليلا من صبر سيدنا أيوب عليه السلام، وقليلا من رحابة صدر أمنا مريم عليها السلام، و قليلا من ثقة والدة سيدنا موسى عليه السلام، و قليلا من حلم رسولنا الأكرم محمد عليه الصلاة و السلام! 

إن شعبنا الثائر لم يفكر ليلة أول نوفمبر ٢٠١٩ فيما فكرت فيه العصابة، ولا كل المصطفين على خطها، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، ولا حتى المراقبين الدوليين، الشعب بات والحمد لله على قلب رجل واحد، يبيت الجميع مثلما يبيت الرجل المتميز و الشيخ الوقور  عمي لخضر بورقعة في سجنه يسترجع الذكريات من دون أن يسمح لنفسه بالتجرؤ على ذاكرتنا الجماعية، ولا على لحمتنا الوطنية، ولا على أمن أطفالنا و حرائرنا، بالرغم من كل الاحتمالات التي بات يناور على أساسها عشاق انتخابات، لم يفكر أصحابها في عواقبها الوخيمة التي لن تكون سوى في صالح العصابة التي يخدمها الغموض و فقدان الأمل، إن الانتخابات المرتقبة ليست سوى عملية إقصاء لصوت الغالبية، حتى أولئك الماسكين في صمت على ما يشبه الجمر خوفا من أي انزلاق يمكن أن تتسبب فيه العصابة، و الإقصاء كما تعلمون يمكن أن يولد مزيدا من الكراهية، ولا قدر الله، مزيدا من وقود التطرف و العنف. 

* للعبرة :  إذا كنتم غير مبالين، فاعتبروا قليلا بمصير الأحياء و الأموات ممن اصطفوا على خط العصابات،  وباركوا كل الخطوات،  وسبحوا بحمد الجنرالات، وراهنوا على نهب الثروات. ومنهم من بات غارقا في الأوهام مثلهم مثل أولئك الذين راهنوا يومها على الاستعمار، الذي راهن هو الآخر على تحريف مسار الثوار على طريق الاستقلال

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version