مقدمة

لم ينتظر الجزائريون و الجزائريات طويلا، وبالرغم من سياسة النسيان التي مورست في حق ذاكرة الشعوب، خصوصا على محور طنجة – جاكرتا، من أجل تثبيت أقدام الاستبداد وتفعيل بؤر الفساد؛ و الآثار التي خلفتها أحداث البوسنة، و سوريا الشام، واليمن السعيد، وليبيا عمر المختار ، و ضحايا ميانمار؛ و نهب المال العام بطريقة هي الأغرب على الإطلاق في هذا الزمان! انتفض الأحرار عن بكرة أبيهم من جميع الأعمار دون سابق إنذار؛ وهم من هم فقد قاربوا تسعينيات القرن الماضي عمليات الانتخاب والاختيار، والانقلاب على الشرعية في وضح النهار، على مسمع و مرأى من أدعياء الحرية وحقوق الإنسان في أمريكا و أوروبا، و أرض العروبة و الإسلام . و شهدوا على وأد و قبر الديمقراطية برلمانا، حكومة، و رئاسة جمهورية، يوم نصب العرب والعجم دكتاتورا، اشتقوا له إسما من السياسة، وشحنوه بأطنان الدناءة و الخساسة، وألبسوه من ثياب العقوق والخيانة ، ظانين أن مصر الكنانة ستقبل الإهانة ! 

و من دون أن يهمل شبابنا ثورة البوعزيزي التونسي التي شقت طريقها بسلام . عاد أحفاد بن مهيدي ومالك بن نبي ليفاجئوا العالم في فصل الربيع من جديد، فعبروا عن ثورتهم أيما تعبير، حتى بهت الأعراب والأغراب، واستبشر الأحباب والأصحاب، وزلزلت أيما زلزال بيوت الفساد و الاستبداد .

* الدولة العميقة : 

الدولة العميقة على مستوى الاستبداديات التي خلفها المحتل الغاصب البغيض من أجل قهر أهالي المستعمرات والتحكم في مصيرهم عن بعد هي صناعة فرنسية – بريطانية بامتياز، وما التسهيلات التي قدمتها هاتان الأمبراطوريتان للكيان الصهيوني إبان أربعينيات القرن الماضي إلا جزءا من تلك الصناعة التي ساهم في بحث تفاصيلها خبراء و مستشرقون، ونفذها ساسة و عسكريون بارعون . ومن هذا المنطلق يمكننا الإحاطة بدلالة عبارة ” مؤامرة ” ، إن المؤامرة ولدت تحديدا و بطريقة قيصرية نتيجة استحالة إخضاع الشعوب المستعمرة بالقوة، فكان لزاما التآمر عليها بطريقة أو بأخرى، وهو ما دفع تلك القوى الظالمة إلى اعتماد العمل من وراء قناع، خصوصا أن خبرتها بخصوص الصراع الفكري لا يستهان، ويجب أن لا نستهين بها، إذ أمكنها توظيف الجانب العقائدي والثقافي بشكل أو بآخر، كان ذلك و ما زال على مستوى بعض وجوه الطرقية وما شابهها، فلم يسلم من خبثها و تمرسها إلا القليل . و تطورت تلك الأساليب من خلال بناء شبكات غير متجانسة في مكوناتها، العامل المشترك فيما بينها جميعا هو  الولاء القهري، والقصد بالولاء القهري هو أن العنصر المستخدم، يعتمدون في التحكم في حركته ومصيره بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بالشكل والصورة التي تجعل منه كائنا مرغما على الانقياد. لذلك و لذلك فقد صدق من قال أن عمل تلك العناصر، سواء سميت بالدولة العميقة، أو مجتمع داخل مجتمع، أو داخل غرفة أو غرف مظلمة، هو عمل متماسك من دون وجود كيانات. و السر في عدم حاجتها إلى هياكل معلومة أو معلن عنها، هو اعتمادها على هياكل مجتمع الأهالي، إذا جاز التعبير. وليست عمليات تسريب بعض تلك العناصر غير المتجانسة إلى داخل جسم الجيش أو المؤسسات العسكرية، إلا أمارة من أماراتها، ودليلا على فحوى ما تمت الإشارة إليه. وما يقال بخصوص المؤسسة العسكرية، يقال عن الإدارة و غيرها .

أما تهمة ” حزب فرنسا ” فهي بمثابة سيف ذي حدين، أو عملة من وجهين، تعمل عملها في اتجاهين، من جهة تبقي على الشكوك بين الأهالي، ومن جهة أخرى تستعمل عند الاقتضاء من طرف تلك العناصر العميلة المقنعة ضد خصومها. وعلى هذا الأساس يصعب تحديد وضبط المتهمين أو العملاء الحقيقيين. وما عمليات التعويم التي طالت جسم الأسرة الثورية ( المجاهدين المزيفين ) إلا من أجل ضرب مصداقية المجاهدين الحقيقيين وشلّ حركتهم ضد العملاء الحقيقيين ( الاستهداف من الداخل).
اليوم وفي ظل ثورة الشعب السلمية وجب الحيطة من استخدام الشعارات، مهما كانت طبيعتها، إن كلمة السر هي ذهاب العصابة بكل أذرعها، ولن يكون ذلك إلا بالصبر على طول الطريق وإسقاط الأقنعة بداية بتجاوز مسرحية الانتخابات التي بات يراهن عليها المتآمرون الفعليون الذين أسروا إلى العصابة بوجوب تمرير قانون المحروقات من أجل خلط الأوراق و جلب مزيد من الدعم من أصحاب كبريات الشركات التي يجب، وفق تقديرهم، دعم ورقة الانتخابات لصالح العصابات .

* من صميم ضحايا الغزو الفكري على مذبح الدولة العميقة 

لفت نظري رجل يتكلم في السياسة من باب الحامل لدبلوم في علوم السياسة، ولا يهم من يكون، إذ من الممكن أن يشاطره رأيه الكثيرون، وأتمنى أن يكون صاحب رأي، قال فيما قال: ” لماذا لم يحمل شباب الحراك شعار: حزب فرنسا ديقاج ” ! وسبق للأكاديمي المحترم أن أشاد بقوة الحراك في أيامه الأولى، لكنه أنسي – بضم أول الفعل – شعار الشباب الثائر أيامها : ” ما كانش خامسة يا أولاد فرنسا ” . فمن نلوم يا ترى، الأستاذ المحاضر أم الشباب الحاضر !؟
لمن يريد أن يتذكر، ويتدبر، ويأخذ قليلا من العبرة، فإن الرئيس الثائر يوسف بن خدة ترك لنا كلمات لها وزنها وأهميتها لمن يريد أن يبحث في أدبيات الحركة الوطنية من باب؛ ” و شهد شاهد من أهلها” . قال سي بن خدة رحمه الله : ” ليس لنا من إيفيان إلا البند الأول” . والبند الأول هو : اعتراف فرنسا باستقلال الجزائر . فكأن بن خدة يريد أن يخبرنا جيلا بعد جيل أن الذين تفاوضوا أو فوضوا – بضم الفاء – للحديث باسم الشعب الجزائري مع المحتل الفرنسي، كانوا على أقل تقدير غير مؤمنين باستقلال الجزائر! ولربما هي ذات الحالة أو الرأي الذي صرح به أستاذ العلوم السياسية وهو يلوم شباب الحراك: لماذا لم ترفعوا شعار (فرنسا ديقاج) ، و نسي أو أنسي أن الذين بات الحراك الوطني يطالب اليوم برحيلهم، هم أنفسهم الذين حرسوا قبل ٢٢فيفري ٢٠١٩ على العهدة الخامسة، وهم من يسهر اليوم من خلال المؤسسات غير الدستورية، حكومة و برلمانا، على تمرير قانون المحروقات !
سؤال بسيط بساطة شعارات الحراك الخالدة المخلدة لمواقف الأحرار: هل تستطيعون، أنتم المقنعون بباديسيتنا و نوفمبريتنا وإيفياننا، أن تقولوا لفرنسا وحزبها، لا ، فتمنعوها من إملاء شروطها بخصوص ثروتنا و مستقبل أبنائنا، وأنتم حل من أي اتفافية معها بعد انقضاء عقود ثلاثة على اتفاق العصابة معها، وتتركوا ممثلي الشعب وحدهم يقررون مصيركم و مصيرنا بعيدا عن أي وصاية! ؟ لا أظنكم فاعلين، لأن الفاعل اليوم هو حزب فرنسا الذي يسابق الزمن من أجل انتخابات على مقاس كبريات الشركات التي تطمع في اتفاق جديد يرهن دمنا وخبزنا وكرامتنا جميعا .

* بخصوص قانون المحروقات 

كما كان اتفاق أو اتفاقيات إيفيان، اتفاق إذعان ( القبول بالأمر الواقع ) بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فإن اتفاق الشراكة بين الجزائر وأوربا، وتحديدا بين الجزائر وفرنسا، على أساس أن الدول الأوربية الاستعمارية المعروفة، خصوصا بريطانيا و إيطاليا، تعترف بكون الجزائر منطقة نفوذ فرنسية، ليس هذا بالجديد. اتفاق الشراكة – فلنسيا ٢٠٠٢ – أيام حكم بوتفليقة كان بمثابة اتفاق إذعان من بوتفليقة وحاشيته وسحرته وحراس المعبد وقتها، لشروط فرنسا، والذي يقضي بإعطاء امتيازات لفرنسا بخصوص وارداتها إلى الجزائر دون منافس يذكر، في مقابل دعم فرنسا ومن ورائها أوربا لرئيس الجزائريين في كل عهداته حتى الخامسة. اليوم ومن بعد استنفاذ اتفاق الشراكة مدته، بات واجبا حسب فرنسا ومن ورائها الشركاء الأوربيين تجديد الاتفاق، و في مقدمته قانون المحروقات، ولكم أن تسألوا المتحمسين للانتخابات عن غرفة التجارة الجزائرية الفرنسية ( الغرفة المشتركة) ، و نادي روتاري  rotari club ) ، وغيرها، وكذلك عن حكومة بدوي وعلاقتها بذلك !؟ و عليه فإن وتيرة الإذعان لفرنسا لم تتوقف في يوم من الأيام، بل المقابل الذي تتبجح به فرنسا في السر، كونها داعمة للعصابة مهما كلفها الثمن، وأنها الضامن لموقف أوربي متوازن، الهدف بطبيعة الحال، كما كان بالأمس القريب: الوقوف مع الجزائر في مكافحة الإرهاب، فإنه اليوم الوقوف مع الجزائر في مواجهة عصابات الفساد، و لو كان ذلك تحت مسمى وضع حد لحزب فرنسا ! 
*بين الداي حسين و القايد صالح 

بين الداي والقايد مسافات ومساحات، اختزلتها حكايات وحكايات، وملأتها أحداث وأزمات، وحاول المحتل الغاصب الانفراد بالمآلات والنهايات، واختارنا نحن الإخوة و الأخوات أن نكون في أحسن الأحوال متنزهين ومتنزهات، وكأننا بتنا عشاق أفلام و مسلسلات كتلك التي قتلت أوقات المصريين والمصريات حتى باتوا بالملايين محل سخرية على يد أخبث و أنذل الجنرالات .
بسرعة البرق و دون سابق إنذار خيب شعب الجزائر ظن صناع المسرحيات، بسلميته التي فاقت في رونقها و نظارتها كل الأبهات.
من ربيع إلى ربيع، وتحديدا خلال شهر مارس البديع، يعتلي حكم الجزائر الداي حسين في ١ مارس ١٨١٨، أما أحمد قايد صالح فقد حلم بالتربع على عرش الجزائر، وكان له ذلك في مارس ٢٠١٩
أي بعد قرنين بالتمام و الكمال .
كم كان عمر الداي؟ ٤٥ سنة ، وعمر القايد ؟ ٨٥ سنة .
كلاهما عسكري، أما الداي فقد كان قبل توليه الحكم إماما، و قبل ذلك مارس التجارة، مما أهله أن يتولى أيام حكم الداي عمر باشا منصب أمانة أملاك الدولة، أحبه السكان، وحزنوا كثيرا لما لحقه من جهة فرنسا المحتلة، وهو الذي حدثنا التاريخ عن صبره ووفائه إلى حين وفاته ١٨٣٨ في سن ال٦٥ .
أما القايد صالح فقد تولى السلطة بعد الإطاحة ببوتفليقة ومرتزقته الذين فاقوا السيسي في خيانته و خسته، ببساطة لأن السيسي تعرى من أول أيامه، أما هم فقد تقنعوا بثوب الوطنية والوئام والمصالحة المدنية !
لن أقدح في شخص أحمد قايد صالح، ولا يحق لي أن أفعل .
فقط سنحاول مد الجسور لمعرفة ماذا يدور في خلد فرنسا وأذنابها تحت غطاء ومن وراء قناع الشراكة الجزائرية الأوربية، وتحت رعاية نادي الروتاري الذي بات يراقب المشهد عن قرب !
الكثير منكم يذكر ذريعة الاحتلال الفرنسي الغاشم، بما عرف حينها بحادثة المروحة التي حاكوها ضد الداي حسين الذي اغتنم حضور قنصل فرنسا – بيار دوفال – يوم عيد الفطر المبارك لتهنئته، وكان ذلك في فصل الربيع ٢٩ أفريل ١٨٢٧م، فحدثه بخصوص ديون الجزائر المستحقة على فرنسا، فرد القنصل ردا غير لائق، فأمره الداي بالمغادرة ملوحا بمروحته، وهي الحادثة التي ضخمتها ونسجت على منوالها فرنسا تسريع عملية احتلال الجزائر .
أما اليوم فيساورني شعور، ما أذكر أن عرفته من قبل ، بخصوص ضمأ فرنسا وحرقتها وهي تفكر في خيرات الجزائر. ومن دون ريب فهي وحراس المعبد باتوا متعطشين لفبركة ذريعة جديدة يكون ضحيتها القايد صالح بشكل أو بآخر، وربما سيكون الموعد ربيع ٢٠٢٠.
وللعلم فإن المحيطين بقائد الأركان نوعان. فئة المندهشين الذين يبيتون على رأي ويستيقظون على نقيضه، فلا يصحون إلا من بعد سبات طويل. و منهم من استهوته نشوة الانتخابات، ومجالس النبش في المذكرات، وتفسير أحلام المؤدبين والمؤدبات، وقراءة أبراج الإعلاميين والإعلاميات، الساهرين والساهرات، من أجل إسكات صوت الحراك.
و فئة شبت وشابت على المكر و الخداع، تتستر كثيرا، وتتربص بالقايد أيما تربص من أجل تنفيذ فصول الذريعة .
فهل يتفطن القايد للمكيدة، فينفض عنه الغبار ويسلم المشعل للأحرار على خط الغرباء فيسلم الجميع وتخسأ فرنسا إلى غير رجعة !؟

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version