بسم الله الرحمـن الرحيم

من أخيكم ومحبكم مصطفى ابراهامي

إلى شيوخنا الكرام وإخوتنا وأخواتنا الأعزاء بـ

جمعية العلماء المسلمين بالجرائر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بحزن كبير وأسى عظيم اطلعنا على البلاغ الذي نشرتموه يوم  19سبتمبر 2019في صفحتكم على FBالقاضي بموافقة الجمعية أن تكون عضوا في السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات (هذا اسمها وادعائها) ولقاء الجمعية من قبل بلجنة الوساطة والحوار التي يرأسها كريم يونس. وكلتا اللجنتين من وحي وإيعاز وتركيب النظام العسكري وبالخصوص أركان الجيش الجزائري كما يلاحظه كل مُبصر.

وكل يعلم ويرى ـ اليوم أكثر مما مضى من الأيام والسنوات السابقة ـ أن قيادة الجيش هي المتحكمة فعلا في النظام في الجزائر منذ فجر الاستقلال وأنها سبب كل الأزمات السياسية والاقتصادية بالبلد. وأصبحالأمر جليا منذ بداية الحراك حيث يتحدث ويقرر قائد الأركان ما يشاء خرقا للدستور الذي يتحدث باسمه! فيأمر بإلقاء القبض على من يشاء وغلق أبواب العصمة. وخرقا للدستور يُنصّب لجنة الحوار وهذه السلطة للانتخابات وجَعل على رأسيهما رجال من النظام السابق!

كيف يمكن لنا أن نفهم موقف الجمعية والتي وضع فيها آلاف من الناس آمالهم من أجل أن يرجع للإسلام مكانته في جزائره الحرة الأبية؟ ما الذي تغيّر في الوضع الجزائري من قبل 8 أشهر حتى تنضم الجمعية بجانب النظام العسكري بالجزائر؟ إن الجمعية تلاحظ كما يلاحظ كل واحد وبدون عناء أن:

  • وسائل الاعلام لا تزال تحت الأوامر خادمة للنظام.
  • أحزاب النظام لا تزال تصول وتجول وتصوت في البرلمان.
  • نفس الشخصيات من وزراء ومدراء لا يزالون في المناصب أو تعطى لهم مناصب جديدة (مثل لجنة الحوار وهذه اللجنة للانتخابات)
  • نفس الأعمال الشنيعة للنظام باقية مثل توقيف الشخصيات المستقلة بدون سند قانوني سليم برغم سلمية الحراك الذي لم يتأذ منه بشر ولا شجر ولا حجر ولا حيوان.
  • نفس الجهاز القمعي والعدلي لا يزال يعمل تحت الأوامر. فلا استقلالية للعدالة.
  • الدستور تحت أقدام هؤلاء الذين ينادون باحترامه!

حقيقةً حدَث توقيف مجموعة من الرموز السابقة للنظام. ولكن تمَّ سجنهم لتزعزع الاستقرار داخل منظومة الحكم وكان يجب على طرف أن يزيح الطرف الثاني حتى يتمكن من البقاء والسيطرة الكاملة على الحكم ونهب أموال الأمة. ما سجنوهم لأنهم أساؤوا للجزائر أو أنهم أفسدوا أو أنهم ظلموا.وخير دليل أن الجزء الثاني من العصابة لا يزال زمام الأمور والقوة والفساد بين يديه. فما سجنوهم لتوقيف الحقرة فإنها لا تزال قائمة! وما سجنوهم لأنهم رهنوا مصالح البلاد تابعة لمصالح خارجية لأن التبعية لا تزال قائمة! وما سجنوهم لأنهم يحاربون الفساد فلا تزال شبكتهم المفسدة قائمة!

وأخطر من كل ذلك فإن النظام العسكري يحاول زرع الفتنة بين فئات الشعب ومكوناته بالحديث عن الزواف رسميا في التلفزة الوطنية! وما أخطرها وما ألعنها من خطوة تمزيق أمة على أسس الجاهلية.

أمام كل ذلك هل تريد جمعية العلماء أن تندفع مع هذا النظام؟ هل تريد أن تزكي مساعيه وممارساته؟ هل تريد الجمعية أن تبيِّض وجه النظام وتعطي له شرعية دينية؟ لعل الجمعية تقول أنها تريد الخير للبلاد والعباد لأنها تخاف على مستقبل البلاد! ولكن ليس هذا هو السبيل لأن الخير الحقيقي للبلاد والشعب الجزائري أن يصبح حرا في اختيار حكامه وسياساتهم فيقبل هذا ويرفض الآخر!

هل يمكن لعلماء المسلمين وأتباعهم أن يقبلوا الظلم والفساد وتقسيم البلاد وسجن الأبرياء وإهدار أموال الأمة ودس حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره؟

هل يمكن للجمعية أن تقولأنها تريد الخير للعباد والبلاد بدعم عصابة من ظلمة وفساد ونهابين؟ كيف يمكنها أن تقف بين يدي الرحمـن غدا يوم القيامة وأمام الشعب الجزائري وهي تقف في صف الظلم والجور والفساد؟ حشاكم أن تقفوا بمثل هذا الموقف، وحاشا للإسلام أن يكون يوما بجانب الظلم.

بأي صفة تريد الجمعية أن تُسجّل نفسها في التاريخ؟ وقد قام الشيوخ البشير الابراهيمي والعربي تبسي وجمعية علماء المسلمين بالوقوف المشرف مع الشعب الجزائري حين قامت الثورة ضد المستعمر الفرنسي رغم اختلافاتها الكثيرة مع حزب PPA-MTLD   وأنهم لم يعرفوا حينذاك هؤلاء الشباب الذين بدئوا الجهاد. فانضموا لصفّ الشعب الثائر بدون مناقشة لأنهم أدركوا الحقيقة. وكانوا محقين في موقفهم التاريخي هذا.

فإننا نعتبر ـ أنا وبعض الإخوة والأخوات ويعلم الله المكانة العزيزة لجمعية العلماء المسلمين في قلوبنا ومشاعرنا ـ أن هذا الموقف الأخير للجمعية خطوة خاطئة وليست موفقة لأنها تضفي شرعية للاشرعية ولقهر شعب بأكمله ولا يمكن للإسلام أن يضفي شرعية للظلم مهما كان ومهما كان مرتكبه. يريد الشعب الجزائري أن يخرج من نار العبودية ومن نار الظلم والفقر والحقرة. وإنكم على علم بالحديث الذي يروي أن الرسول الأكرم ﷺ أمّر رجلا على سرية وأمرهم بطاعته. وحدث أن غضب الأمير على المجموعة فأمرهم أن يجمعوا حطبا ثم أبرم فيه النار وأمرهم أن يدخلوا النار! وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ مِنَ النَّارِ. فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَال : « لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ، الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ.» (البخاري (4340) ، ومسلم (1840)

ويقول الله تعالى:

﴿ وَلاَتَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ﴾ [هود : 113]

قال الإمام ابن عاشور في تفسيره لهذه الآية بقوله : ” الركون : الميل والموافقة ، فبعد أن نهاهم عن الطغيان نهاهم عن التقارب من المشركين ، لئلاّ يضلّوهم ، ويزلّوهم عن الإسلام. وهذه الآية أصل في سدّ ذرائع الفساد المحقّقة أو المظنونة.” (التحرير والتنوير (11 / 341)

قَالَ الـمُحَقِّقُونَ: الرُّكُونُ المَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الرِّضَا بِمَا عَلَيْهِ الظَّلَمَةُ مِنَ الظُّلْمِ ، وَتَحْسِينُ تِلْكَ الطَّرِيقَةِ وَتَزْيِينُهَا عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ وَمُشَارَكَتُهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ.

ونعتقد أن الجمعية إذا أرادت أن تبقى وفية لمقاصدها النبيلة مقاصد الجمعية الأم جمعية الشيوخ ابن باديس والابراهيمي والعربي التبسي وأحمد سحنون وعبد اللطيف سلطاني والآخرين فإن الأمر يستوجب أن تتشرف بنفس المواقف والمبادئ : لا للظلم لا للفساد لا للحقرة نعم لاستقلال حقيقي للشعب الجزائري في اختيار حكامه.

لكل هذه الأسباب أطلب منكم مراجعة موقفكم وألا تعطوا شرعية لمن ليس له شرعية ولا تزكوا انتخابات ينظمها النظام الحالي المعروف بتزويره ومحاولة إعادة النظام بوجه آخر. ونطلب منكم أن تكونوا مع الشعب في مطالبه المشروعة الذي يعبر عنه الجمعات المتتالية وكل ثلاثاء بل الأجدر بالجمعية أن تكون في الصفوف الأولى رجالا ونساء طلابا وشيوخا.

وما موقفنا الناصح هذا بغريب لأنه ناتج من واجب النصيحة وهي مسؤولية ملقاة على عاتق كل واحد من:

عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺقَالَ : « الدِّينُ النَّصِيحَةُ.» قُلْنَا لِمَنْ ؟ قال : «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْـمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ.» (مسلم 55)

وموقفنا الناصح هذا انطلق كذلك من موقف تعلمناه من أستاذنا مالك بن نبي -وكان حينها طالبا بباريز-  حين تعجب لموقف جمعية العلماء في 1936  حينما زار وفد الجمعية بباريز وقد اتحدوا ضمن ما يسمى بالمؤتمر الإسلامي الجزائري مع الحزب الشيوعي الجزائري وقيادات أخرى مثل فرحات عباس وبن جلون وقد جاؤوا لباريز للمطالبة ببعض الحقوق الجزئية البسيطة للسلطات الاستعمارية الفرنسية. فغضب أستاذنا مالك وكتب مقالا قويا ذا كلمات مؤثرة بالغة ضد ذلك المسعى الهزيل والذي لم يكن يعبر عن الموقف الإسلامي الشامخ المبدئي والذي كان مناقضا لمبادئ الجمعية.  وقد راجعت الجمعية نفسها وموقفها بكل شجاعة قبل وأثناء حرب التحرير وكذلك بعد الاستقلال مع المواقف المشرفة لهم.

ونحن واثقون بأن تعدلوا موقفكم حتى يكون مع المطالب الشرعية والمشروعة للشعب الجزائري والمبادئ والمقاصد الكبرى للجمعية.

د. مصطفى ابراهامي

7 تعليقات

  1. جيد ، موقف نابع من وعي و إلمام بقضية الجزائريين ، كل الجزائريين الذين لا تنقصهم الثروات التي يزخر بها باطن أرض الشهداء ، و لا تنقصهم الأراضي الشاسعة التي كانت تشبع جياع أوربا عموما و فرنسا حصوصا بما تنتجه من قمح الهذبة و الرماني و أفخر الأنواع الأخرى ناهيك عن الخيرات التي يصهب وصفها و عدها ، فاللاهم بارك واحمها واحفظها للشعب الثائر الذي أنكر المنكر بكل قوة و وضوح ، و هل هناك منكر أكثر مما ثبت في حق العصابة ، العصابة التي غيرت جلدها و احتفظت بجوهرها ، مثلها مثل الاخطبوط الذي تخلص من بعض أذرعه واحتفظ بأخرى ، أما ما اعتاد فرزه من فساد فهو قائم ، و إلا ما الفرق بين سلال و بدوي ، و ولد عباس و شرفي؟ و القائمة طويلة و عريضة ، ماذا تغير منذ ٢٢ فبراير إلى اليوم ؟ الذي حدث و فقط هو أن قايد صالح استغل حركة الشعب الجزائري التي زلزلت عرش بوتفليقة الذي عاد للجزائر لينتقم بتشجيع من أعداء الجزائر ، فأطاح بخصومه ، و لما مالت إليه كفة القوة اغتر و راح يشتغل من أجل إهانة الشعب أكثر .
    أخي مصطفى ، طال غيابك ، لقد كنت من الفاعلين في الساحة الثقافية و الفكرية كثيرا ، اليوم يتضح أكثر أثر الغزو الفكري على العقول و حتى القلوب ، فالذي حدث مع بعض القائمين على جمعية العلماء سنة ١٩٣٦ ، واغتاض له الأستاذ مالك ، تكرر كثيرا ، ليس فقط من طرف المنتمين و القائمين اليوم على الجمعية ، و لكن كثيرا مع الأحزاب الإسلامية ، مسارها دال عليها ، و أثر ذلك بات قائما ، يمكنك أن تسأل الناس ، و تجصي الإنجازات ، لعل أهم ما بات يميزها أنها أصيبت بعدوى السلطة الفعلية في نظرتها إلى الشعب . المهم أن الذي حذرنا منه فيلسوف الحضارة و مهندس الثقافة بخصوص خطر الغزو الفكري ، يبقى قائما و حاضرا ، و إلا كيف نفسر موقف أحد قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ ( الصف الثاني ) مثلا ، السيد عبد القادر بوخمخم رفيق عباسي مدني رحمه الله و علي بن حاج داخل السجن ، ما الذي تغير بخصوص السلطة الفعلية حتى يعلنها صوتا و صورة في لقاء مع موقع الحوار الجزائرية ( الفيديو في متناول الجميع ) مساندا قيادة الأركان في خارطة طريقها ؟ أخي مصطفى مبرر هؤلاء و أولئك ما روجت له العصابة تحت طلب المخابر المعروفة بخلط الأوراق ، أن خط السلطة اليوم نوفمبري و باديسي ، و أنها ضد العلمانيين و الاستئصاليين ، و فات هؤلاء و أولئك أن ذات السلطة هي من كانت تحت طلب ذات المخابر تسوق و تدعم موضوع المعارك الوهمية بين إسلامي و علماني ، ذات المخابر التي أنتجت لنا داعش و ما شابهها . مشكلتنا فكرية و ستبقى فكرية ، و على هذا الأساس فثورة الشعب الجزائري تحتاج اليوم أكثر من ذي قبل إلى أهل العقول الراجحة و الأيدي النظيفة الطاهرة و النفوس الزكية الحية على طريق الغرباء .

  2. السؤال يتعلق بضحايا الغزو الفكري الذي تسهر على تفعيله ذات الدوائر المخبرية التي باتت تتحرك أكثر من وراء أكثر من قناع ، و زاد أكثر من ذي قبل غيضها و حقدها على الشعوب الثائرة العاشقة للحرية ، للأسف الضحايا يشبهون ضحايا نظام بورما العسكري من الروهينغا المساكين ، ليس في تفكيرهم و نضجهم ، و لكن في نظرة جلاديهم إليهم . سؤالي إلى عاشقي سلطة الأمر الواقع التي تتحرش بالشعب من خلال إجراءاتها بخصوص فرض الانتخابات على مقاسها و رغم أنف الجزائريين ، مثلما كان يتصرف المحتل الغاصب، سؤالي : هل تستطيعون إقناع قايد صالح وضع حد لحكومة بدوي ، ليس فقط ، لأن أيام الحكومة باتت معدود بهدف المغالطة و التدليس ، المطلوب الآتي ، ما داموا يسمون مسار السلطة بالنوفمبري الباديسي ، أن يكون على رأس الحكومة أحمد بن بيتور ، و على رأس وزارة التربية الرجل الحر علي بن محمد ، أما على رأس وزارة الثقافة الأكاديمي أحمد بن محمد ، لن أزيد ، لأن العصابة ، ولا تلك الدوائر المخبرية المتربصة ، لن يرضيها أن يكون على رأس وزارة الصحة عالم جزائري تستشيره اليوم أكثر من دولة أوربية محترمة في شؤون الصحة ، و لا على رأس وزارة التعليم العالي و البحث العلمي بروفسور و عالم جزائري تشهد له جامعات أمريكا و مراكز البحث في أوربا بتفوقه و إبداعه . بكل تأكيد هذا غير ممكن ، و الذي هو غير ممكن كذلك تماثل الضحايا في وقت قريب للشفاء ، نسأل الله العفو و العافية .

  3. كان الأجدر بجمعية علمائنا ، و زعماء أحزاب الموالات ، و تجاوزا ، أحزاب المعارضة ، خصوصا حمس و حزب عبد الله جاب الله و لخضر بن خلاف ، بعد ما اكتشفوا ألاعيب الوزير رحابي و من معه ، أن يأخذوا بعين الاعتبار ما جاء في مبادرة أحمد طالب الإبراهيمي ، علي يحي عبد النور ، و رشيد بن يلس ، فيقطعوا الطريق على الماكرين و المتربصين بالحراك الشعبي الوطني ، فيأخذ الشعب موقفهم بعين الاعتبار ، و تنظر إليهم السلطة بكثير من الاحترام ، حين كان يمكن الحديث عن حوار و مصالحة ، أما أن نتبع السلطة خطوة بخطوة إلى الحد ااذي آلت إليه سلطة قائد الأركان من استهتار بذاكرتنا جميعا ، فإن الشعب الجزائري لا يمكن أن يغفر لهؤلاء و أولئك ارتماءهم في أحضان سلطة الاستبداد و الفساد التي لن تتأخر هي ذاتها في إهانتهم مثلما أهانهم بوتفليقة عهدة بعد عهدة ، فلم يبق لهم من ماء الوجه شيئا .

  4. جاء في بيان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين :
    ” و بعد دراسة مشروع القانون العضوي للسلطة المستقلة من طرف المكتب الوطني للجمعية تبين أنه يستجيب لما طالبت به الجمعية و فعاليات الحراك من استقلالية تامة لهذه السلطة …”
    أولا : ما هي مطالب فعاليات الحراك بخصوص الانتخابات ؟ لا أحد يستطيع أن يزايد اليوم على الشعب الثائر ضد الاستبداد و الفساد فيأتينا بدليل واحد على أن مطلب الحراك الشعبي هو تنظيم انتخابات ، و كأن المشكلة تكمن في وجود فئة تمتهن التزوير ، المطلوب تجاوزها أو فك ارتباطها بمفاصل السلطة الحاكمة المستفيد الأول و الأخير منذ ١٩٦٢ من عمليات الاحتيال و التزوير . و على هذا الأساس وجب التفكير مليا فيما نقول و نكتب ، فحينما ندعي أن السلطة التي خرجت من رحم قيادة الأركان و سموها على بركة عبد القادر بن صالح ( اللجنة الوطنية المستقلة) هي ما كان ينقص الشعب و أنها استجابت لمطلب فعاليات الحراك ، يجب أن نأتي بالدليل و الحجة البينة التي تثبت ادعاءنا .
    ثانيا : ما هي أبسط الضمانات التي وقف عليها مكتب الجمعية ، يمكن توضيحها للشعب حتى يطمئن و يسير رفقة الجمعية التي رضيت و قبلت بأن تشارك في عضوية السلطة المستقلة للانتخابات ؟
    ثالثا : ورد في بيان الجمعية الخاص بموافقتها الانضمام لهذه السلطة : ” فإن الجمعية تعلن موافقتها الانضمام لهذه السلطة من أجل المساهمة في تجسيد اختيار الشعب الجزائري و المحافظة على أصواته و تحقيق مطالبه في الخروج من الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد من خلال انتخاب رئيس شرعي تسلم له مقاليد السلطة “.
    بيان الجمعية يؤكد أن الأزمة سياسية ، فأين هي الحل السياسي ، ما موقف جمعية العلماء من المبادرات السياسية التي قدمت للسلطة الفعلية ، و أهمها مبادرة أحمد طالب ، علي يحي ، و بن يلس ؟ ثم هل لجنة بن يونس هي هيئة سياسية تعبر عن مطالب الحراك ؟ من يكون بن يونس ، و ما علاقته بالحراك الشعبي و فعالياته؟
    رابعا : جاء في بيان الجمعية أيضا : ” … فإن الجمعية تؤكد على أنها تحتفظ بحق الانسحاب إن ثبت لديها أي إخلال بما هو وارد في القانون العضوي السالف الذكر ” . مثل هذا الكلام يؤكد أن لا ضمانات من طرف قيادة الأركان ، و أن الضمانة الوحيدة هي نص القانون العضوي الذي تقدمت به هيئة بن يونس و عينت على إثره السلطة المستقلة ، بمعنى أن القانون ولد قبل ميلاد السلطة المستقلة ، وهي فقط عينت لتنفيذ أوامر السلطة الفعلية ، و مصيرها و مصير جمعية العلماء سيكون في أحسن الأحوال الانسحاب و تبرير ذلك ببيان كما فعل للماس و آخرون .
    مما سبق عرضه يتضح أن القائمين رأسا على جمعيتنا المباركة ، و معهم بعض المتحزبين الذين سارعوا إلى سحب استمارات الترشح ، هم ضحية ألاعيب السلطة الفعلية التي لا يمكن أن تفي بأي وعد ناهيك عن العهود ، و المتتبع لمسار الحراك الوطني منذ ٢٢ فبراير سيدرك أن رد السلطة الفعلية تلخص في خطابات قرأها قايد صالح، لا أكثر ولا أقل . عند هذا الحد يمكننا عرض بيان الجمعية على الحراك ، ماذا إذا كان من خلال استفتاء شعبي ، أو طلابي ، مثل هذا صعب المنال ، فقط يمكننا عرضه من جديد على مكتب الجمعية ، لعلهم يأتون لنا بالجديد ! ؟

  5. تمر الجزائر بفترة عصيبة ، تشبه إلى حد بعيد مخاض أم تواجه خطرا مزدوجا على حياتها و جنينها ، وهي متأثرة كثيرا بلا مبالات أبنائها الذين لم يحضروا بالرغم من خطورة حالتها ، لم تطلب منهم مالا اكتنزوه أو عقارا ادخروه ، كل الذي جمعوه واستأثروا به واستأثر بهم غير مبالية به ، فهي التي حملتهم وهنا على وهن ، وكابرت من أجل أمنهم و أمانهم ، ولا تفكر اليوم سوى في مستقبلهم ، مستعدة لتحمل مزيد من الأعباء ، و قبل ذلك تريد منهم أن يحضروا إليها و يجلسوا بين يديها فيستمعوا إلى وصيتها . و بمجرد وصول البنات راحت تسألهم عن البنين و تتقصى أخبارهم ، فلربما حال دونهم مكروه أو شغلهم شاغل . و لحسن الحظ ، فالأم من كثرة ترديدها لاسم الجلالة ، لم تنس أن تسأل بناتها الجالسات من حولها عن أميرة الجزائر جميلة بوحيرد ، و الإبن المكابر لخضر بورقعة ، لأن الأم من شدة الألم و طول الانتظار ، تريد أن تقول كلمتها لكل الجزائريين أن وصيتها هي ذات الوصية التي استلمتها بوحيرد و بورقعة مطلع ستينيات القرن الماضي ، فما فحوى الوصية ؟ هذا الذي يجب يراجعه الأستاذ مصطفى براهامي و يراجع فيه أحرار الجزائر الذين لم ينسوا الوصية ولم ينشغلوا و يشتغلوا على خط سلطة الأمر الواقع.

  6. كان الأجدر بالعلماء أن يدرسوا و يناقشوا في حوار هادئ سؤال الجزائريات و الجزائريين بخصوص موضوع المرحلة الانتقالية و يقلبوه على مختلف الأوجه ، فيستخرجوا جواهره و يمسحوا عنها ما لحق بها من أوحال ، ثم يبينوا من خلال ما أوتوا من علم و بصيرة مختلف العوائق و العوالق ، و يكشفوا عما يمكن أن يكون مبيتا من هنا و هناك بقصد النيل من تركيز الجزائريين المتطلعين إلى التخلص من الاستبداد و الفساد على خط الحرية و الكرامة . فيتقدموا برسالة قوية و واضحة تنهي تلاعب سلطة الأمر الواقع التي تناور تحت طائلة استحقاق الانتخابات الرئاسية مدعية أن الحراك بات يخافها و يخاف نتائج الصندوق ، و تخفي خلاف ما تبطن ، لأن الحاكم الفعلي اليوم و زبانيته يريدون باسم الانتخابات أن يفوتوا الفرصة على كل الجزائريين من أجل التحرر واستكمال الاستقلال ، همهم الوحيد هو فرض رئيس يأتمر بأوامرهم مثلما يأتمر اليوم بدوي و بن صالح و زغماتي و بن يونس و بن فليس ، و كل الطامعين . للأسف لم يلتفت علماء جمعيتنا إلى هذا المطلب ، و راحوا فقط يباركون مكتبهم موافقته غير المشروطة ليكونوا شاهدين على استخراج حي من ميت ، و هل تلد العصابة سوى كائن يكون في أحسن الأحوال عالقا و مكبلا بما خلفه بوتفليقة من خراب !؟

  7. يمكن أن يرفع الشعب الثائر في جمعته ال٣٢ و يوجه أكثر من رسالة ، و يثبت للقريب و البعيد أن الجزائر مقبلة على التعافي ، لأن أبناءها واعون بأهمية ذلك ، فحاجتهم هي حاجتها ، و مسعاهم هو مسعاها من أجل بناء دولة المواطنة على طريق الحكم الراشد الذي لن ينوء بحمل مفاتيحه سوى أبناء الجزائر الذين يتوفرون على الكفاءة العلمية و اليقظة الفكرية و طهارة اليدين و جلباب التواضع ، و مثل هذه العناصر لا تباع ولا تشترى ، و لا تعطى من قبل مستبد فاسد، ولا محتل غاصب . و أن الكلمة بخصوص أي استحقاق يجب أن تكون كلمة الشعب عبر الاستفتاء و الاختيار الحر بعيدا عن فرض الرأي تحت أي طائل ، من أي فئة مهما كانت و أينما كانت و كيفما كانت . فالهيئة المخولة بالنظر في أي مطلب شعبي ، يجب أن تنتخب ، بمعنى تختار من طرف الشعب ، فتمثله و تنوب عنه في صياغة الوثيقة التي يريد ، و المشروع الذي يحبذ ، و هي وحدها من تختار الكفاءات التي يمكن استشارتها في أي شأن عام . باختصار هذا هو مسار دولة المواطنة التي تسع الجميع بغض النظر عن العرق و الجنس و اللون ، و حتى المعتقد .

Exit mobile version