المعضلة في العقلية العسكرية لا  في شخص العسكري، وهي أعمق من هذا القائد أو الجنرال او غيره، ولم تبدأ بالقيادة الحالية ولا حتى التي سبقتها (ومن تسميهم اليوم القيادة الحالية بالعصابة) ولا في عهد الشادلي بن جديد او بومدين أو بن بلا، بل تعود ِلما قبل ذلك، وتجد جذورها في الذهنية العسكرية التي تخوّل نفسها التحكم في رقاب الناس و”تؤمن” جازمة أنها مفوضة بحكم سموي، حكمٌ لا يحق لغيرها ولاسيما المدنيين، أن يناقشوها في طريقة تسيير الأمور ناهيك عن منازعتهم لها ذلك الحكم ( تفيد إحدى الشهادات أن الجنرال محَمد العماري، قائد الأركان سابقا، صرخ يوما بغضب بعد انتفاضة الشعب، قائلا: كيف يجرؤ الشعب على رفع رأسه أمام العسكري، لا بد أن نعيده إلى موضعه للركوع أمامنا)، هذه الذهنية المتعالية هي التي تجعلهم يضعون أنفسهم فوق المسائلة، هم وحدهم من يسأل ويمنح ويمن ويمنع، وليس لأحد سواهم الحق أن يسائلهم ناهيك عن محاسبتهم. ولهذا السبب نراهم يرفضون رفضا مطلقا التخلي عن مرتبة “الفئة المؤيدة بحق السماء” وتقديم الحسابات أمام البرلمان المنتخب من قبل الشعب (لا برلمان شهود الزور آكلي السحت) وهو أيضا سبب حنقهم وهلعهم، أمام مطلب دولة مدنية واتهام كل من يرفعه، بالعمالة لليد الخارجية. وفي هذا السياق، من الجدير الإشارة إلى أن هذه العقلية الاستعلائية التي تزدري الغير، سابقة حتى لمرحلة استقلال البلاد، مثلما يقول المرحوم فرحات عباس في شهادته عن صرخة الشهيد العقيد لطفي، صاحب الرؤية الثاقبة المتبصرة، قبل أكثر من  60 سنة، يقول السيد فرحات عباس رحمه الله:

 [جاءني العقيد لطفي ذات يوم لزيارتي في غرفة بالفندق في القاهرة، كان يشعر بخيبة أمل من مؤامرات بعض زملائه، ورغم كونه هو أيضا عقيدا في جيش التحرير، إلا أنه كان يرفض أن تكون الثورة رهينة للبعض. وكان يحاول بطريقته الخاصة أن يدق ناقوس الخطر، لكن رغم  شجاعته، أسر إلي (فرحات عباس) بنبرة يغلب عليها الشعور باليأس قائلا “مصير جزائرنا سيقع بين أيدي العقداء…لقد لاحظت، لدى معظمهم، نزعة إلى الأساليب الفاشية، ويراود جميعهم حلم بأن يكونوا “سلاطين” يملكون السلطة المطلقة”، ثم يضيف أن وراء شجارهم (العقداء) “أتحسس خطراً كبيراً على الجزائر المستقلة. ليس لديهم أي فكرة عن الديمقراطية والحرية والمساواة بين المواطنين. وسوف يحتفظون من مناصب القيادية، طعم السلطة والسلطوية. كيف  ستصبح الجزائر بين أيديهم؟ يجب أن تفعل شيئًا ما دام الوقت لا زال يسمح بذلك. إن شعبنا مهدد بالخطر”.]

لقد أدى واجبه رحمه الله، وشهادته كفيلة لوحدها لتجعلنا نتجنب ما وقع فيه “الساكتون” ونستميت في رفض دولة عسكرية، أيا كان الشخص على رأسها، لأن هذه المؤسسة ليست مخوّلة ولا من مهامها ولا تكوينها، أن تدير شؤون الدولة، وكل تبرير ليس سوى تربيع الدائرة والتغطية على وضع قد ندفع جميعا ثمنه الباهظ، مما يفرض على الجميع مواصلة النضال السلمي المتحضر لمنع سياسة الأمر الواقع المفروض على الناس بالتضليل والترهيب، ولا بد من الصبر والرباط لإنقاذ البلاد قبل أن  لا يتركوا لنا وللأجيال القادمة ما يمكن إنقاذه.

3 تعليقات

  1. جيد جدا أن نشخص طبيعة العقلية أو الذهنية العسكرية ، ليست خلقا ، بل هي صناعة توارثتها أجيال للأسف الشديد و صارت ثقلا جاثما على صدر جزائرنا الحبيبة المتعطش شعبها إلى الحرية و الكرامة ، سبق و أن أرسلت إلى هذا المنبر الحر مقالين مختصرين ، الأول تحت عنوان : الحوار مع الجيش كلمة حق يراد بها باطل ، و الثاني تحت عنوان : شاهد زور ، لم ينشرا بطبيعة الحال ، فلربما المشرفون لهم مبررهم . المهم أخي زياني أن نجتهد في الرفع من الوعي بخصوص معضلة الخدمة التي يقدمها بعض الحزبيين و المتثيقفين ، هذه الأيام ، لقيادة الأركان ، خصوصا الذين وضعوا أيديهم في أيدي جماعة كريم يونس التي نصبتها قيادة الأركان نكاية في البلاد و العباد ، فلم يكفها ما ألحقته العصابة من خراب و فساد لم يصدقه القريب و البعيد على السواء ، و لم يجدوا ، بالرغم من المبادرات التي قدمها أحرار الجزائر سوى هذه المسرحية الباهتة تحت إشراف هذه الكائنات الكاسدة خاوية العقل و الروح ! إنني لا أعجب من تخبط الجنرالات بقدر ما أعجب من بعض الشخصيات المحسوبة على خبراء القانون والاقتصاد و السياسة التي سلمت بالأمر الواقع و تريد من الشعب أن يسلم ، و لم يكفها موقفها ، فراحت تعيب مواقف بعض أحرار هذا الوطن العزيز من أمثال الإبراهيمي ، يحي عبد النور ، بن يلس ، كريم طابو ، مصطفى بوشاشي ،…، أخي زياني من المهم أن لا نراهن على وجوب قطف الثمار في غير وقتها، العقداء أمثال شعباني و لطفي ، لم يكونوا طلاب سلطة و لا من الطامعين في الغنيمة ، مثلهم مثل فرحات عباس ، بن يوسف بن خدة ، و كل الأحرار ، كانت قضيتهم هي حرية و كرامة الجزائريين كل الجزائريين ، و على هذا الدرب يجب أن نكمل المسير ، الله الله في الصابرين المتفائلين بمسار السلمية من أجل قضية كل الجزائريين .

    • زياني الشريف بتاريخ

      أشكرك أخي بشير على تعليقك، ولا أخفي عليك، أنني لا افهم كيف يمكن للبعض ممن كنا نحسبهم الأكثر وعيا بتحليل الوضع وسنن رقي الشعوب والأمم (أنا لا أحدث عن العوام) كيف لهم أن يضعوا أنفسهم أدوات بين أيدي العسكر، ويعتقدون أنهم سيخلصونهم من العصابات، ,انهم حقا المنقذ للبلاد؟ هل فاتهم أن العقلية العسكرية لا تعرف سوى التوظيف والعملاء، وأنها لا ترى في الشعوب سوى رعايا بل وذميين مثلما وصفتهم في المقالة؟ عجبا، بالنسبة لمقلاتك السابقة حول هذا لموضوع، لما لا تعيد بعثها، ربما تجد طريقها للنشر، حياكم الله اخي الفاضل

  2. ” قالت الأعراب آمنا …” المقصود هنا ليس العرق ، ولا أهل الحضر أو أهل البادية ، المقصود هم الذين يفشلون يوم الامتحان ، الثبات أمان ، والادعاء هوان . الذين حسبتهم أكثر وعيا بخصوص تحليل مشكلاتنا ، هم أدعياء ، لذلك لم يختاروا طريق رجل الشعب ، بل اختاروا طريق رجل السلطة طمعا و جشعا و جزعا و منعا ، و على هذا الأساس يمكن أن نشهد من الحزبيين من دون تمثيل ، و المتثيقفين من دون دليل ، أكثر مما رأيناه أيام ثمانينات القرن الماضي ، زمن الصحوة التي وقفوا في طريقها بشعاراتهم ادعاء ، فحرموها من فرص البناء ، و أيام الانقلاب ارتماء في أحضان الدوائر الاستخباراتية، و بالرغم من الدروس العظام ، نصطدم اليوم بجيل جديد يصطف على طريق الأجيال المتهالكة ، لا ذاكرة لهم ، يجترون رداء القابلية للموت البطيء . أخي شريف زياني لا تحزن ولا تذهب نفسك و إخوانك الأحرار على مثل هذه الكائنات حسرات ، طريق الحرية و الكرامة هو طريق الأحرار ، أما العبيد فلا يفضلون سوى رنين نعال ( الأسياد ) .

Exit mobile version