البارحة ( تسعينات القرن الماضي)، نفخوا في “الخطر الإسلامي” وضخموه وشيطنوه، من خلال توظيف أقلية، نافذة ومُمَكنة، من الشعب، ضد غالية الجزائريين، فزجوا بالجيش الوطني ليخوض حربا قذرة، ضد الخطر الإسلامي على حد زعمهم، بينما كانت الحرب في واقع الأمر ضد الشعب، ولم يشيطنوا “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” فحسب بل شيطنوا المجتمع ككل، لأنهم اعتبروه معتوها وغير مؤهلا، كونه لم يحسن الاختيار، ومن ثم يستحق ما تعرض له من تنكيل، ومارسوا ضده نوعا متعاليا من العنصرية الاجتماعية، والآن، ندرك حجم الخديعة وما تمخض عنها، ولم يعد يخفى على أحد أن الغرض الأساسي من الانقلاب، كان لمنع إحداث انتقال ديمقراطية سلمي عبر انتخابات نزيهة يحقق فيها الشعب خياره ويفرض إرادته وينهي حكم العصابات.
واليوم نشهد مرة أخرى، تضخيم من نوع آخر، للغرض ذاته، “بعدو” آخر، واستخدام أقلية أخرى. أصبحنا منذ انطلاق هبة الشعب المطالبة بالتغيير، نشهد تهويلا (وتحريضا) ضد “خطر الزواف”، ونسمع قرع طبول الحرب تشبه أجواء بداية التسعينات، وغرض اليوم لا يختلف عن غرض البارحة: رفض الساسة الانتقال الديمقراطي والمرور من نظام فاسد متهرئ إلى نظام ديمقراطي حقيقي ينبثق عنه دولة مدنية ذات سياسة، وتحقيقا لذلك، يتم ككل مرة النفخ إعلاميا في أكثر العناصر تطرقا (ضمن هذه الفئة) لتخويف الشعب، وتقديم في الواجهة، استفزازات وخطابات “الماك” العنصرية والتركيز حصريا عليها، مع تعمد الخلط بينها وبين أهل منطقة القبائل كلهان وكأنها تحمل نفس التوجه الانفصالي المتطرف، بل وتنمي لهذا التنظيم المارق.
وهنا وجب التوضيح، هل المتطرفون البربريست غير موجودين ومجرد وهم وصنيعة خيالية؟ كلا هم فعلا موجودون ويطالبون فعلا بانفصال جزء من البلاد عن باقي تراب الوطن الأم، وهم متورطون مع أطراف أجنبية، خاصة جهات فرنسية وحتى مع الكيان الصهيوني، دون أن يخفوا ذلك بل يتفاخرون به، لكن هل يمثلون غالبية الأشقاء القبائل؟ كلا، وادعاء ذلك كذب وافتراء وتحامل ضد إخواننا، يوظفه الماسكون بالحكم لتحقيق مراميهم. ومثلما كان يوجد في التسعينات متطرفون “إسلاميون” يؤمون بأحادية التوجه ويرفضون كل مخالف لأفكارهم، لم يكونوا يومها يمثلون التوجه العام، لكنهم تم استخدامهم والتضخيم في حجمهم والتركيز إعلاميا على خطاباتهم النارية لتخويف الشعب منهم، وتبرير الحملات التي تمت ضد الشعب وحرمانه من حريته وحقوقه بحجة مكافحة الإرهاب الإسلامي وضمان الأمن والاستقرار والحفاظ على الجمهورية وإنقاذها من خطر الإرهاب الإسلامي.
هل ندفن أعيننا اليوم في التراب، ونرفض الاتعاظ لتجنب تكرار التجربة المريرة، ونزج بأطراف من الشعب في حرب قذرة ضد أطراف أخرى، من خلال تضخيم حجم أقلية لتبرير حرب مجهولة العواقب؟ إذا أمعنا النظر، نجد أن نفس الفئات التي كانت تمسك بخيوط “اللعبة القذرة” من وراء الستار وتدير رحى الحرب ضد الشعب في التسعينات، تقف اليوم لتعاود الكرة، من أجل نفس الغرض، حرف مسار انتفاضة الشعب ضد منظومة الفساد، وإجهاض الانتقال السلس والسلمي للحكم من دولة الفساد والعصابات إلى دولة مدنية يعود الكلمة الأخيرة فيها لصاحب السيادة، المواطن. وما رفضهم المرحلة الانتقالية السيادية، وإطلاق العنان للأبواق الإعلامية المرتزقة وبعض السياسيين والمثقفين، مدفوعي الأجر، للنفخ في خطر الزواف، إلا دليل على سوء نواياهم وعدم قبولهم تسليم السيادة إلى الشعب، من خلال التخويف والتهويل من مخاطر مزعومة، لأنهم يدركون أن المرحلة الانتقالية أو التغيير الوحيد الذي يقبلونه بل ويفرضونه، هو مرحلة تخضع لسيطرتهم، ومن تنظيمهم وهم من يدعون لهان ويحددون جدول أعمالها، دون أن يتركوا لغيرهم اي مجال لطرح بديل يخالف وصفتهم الجاهزة. ما يطرحونه هو مونولوغ ولبس حوار. يريدون أن يحاورا أنفسهم من خلال امتداداتهم التي شكلت على الدوام الواجهة السياسية طيلة عقود، وهي تحديدا التي خرج الشعب مطالبا فإسقاطها تحت شعار “تتنحاو قع”. 
هل نتعظ ونحل مشاكلنا واختلافاتنا في جو من الحرية والتفاهم والشفافية بعيدا عن الإقصاء؟ أم نعيد الكرة وندخل في حرب أخرى تهلك ما تبقى، ليبقى المجرمون يتحكمون في رقاب الجميع؟ وهل نريد أن نكون جزء ولبنة في صرح جزائر الوحدة والعدالة والكرامة، أم نكون، من حيث ندري أو لا ندري، معول من معاول الهدم وتعميق الشرخ وتدمير البلاد لا قدر الله؟

5 تعليقات

  1. مشكلتنا تكمن في ضعف ذاكرتنا التاريخية و الحضارية ، التي تجعل من الواحد كألف ، و من الألف كأف . و من كون الرجل الواحد أمة ، و من كون الكثرة ، أحيانا كثيرة ، غثاء كغثاء السيل . هذا جزء مهم من مشكلتنا ، يا أستاذ رشيد ، حياك الله ، و بياك ، و أحسن حالك . لقد وضعت يدك على مكمن الداء ، العصابة ذات الطبيعة الأخطبوطية ، تحاول استرجاع أنفاسها ، و استبدال أذرعها المتساقطة وسط القدر الهائل من الهلع ، هدفها الانقلاب على حركة الشعب و ثورته ، ولا فائدة الآن من التوقف عند سؤال المصطلحات ، الهدف ذاته من نفس طبيعة و روح انقلاب ١٩٩٢ على اختيار الجزائريين . لذلك و لذلك فقط وجب أن نقف مليا عند سؤال تساقط الكثرة الغثاء و اندهاشها على مقربة من مائدة السلطة ، و سؤال البرجوازيات الصغيرة التي ولدت ، للأسف الشديد من رحم الاستبداد و الفساد ، و التي باتت تخاف على ( مكاسبها ) ضمن ما حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه و سلم من تنافس الدنيا الذي يفوق خطره الشرك ، و الله أعلم . و ضمن هذه الدوائر ، و من صميم هذا الغثاء يربض بعض أصحاب الشهادات من صنف ” دكتوراه ” التي تحصلوا عليها مثل من تحصلوا على أموال و مشاريع و امتيازات بدون وجه حق ، خصوص على طريقة التعليم الجامعي المتواصل ، أو الجامعة الليلية، إذا صح التعبير ، و المثال على ذلك ، ليس حصرا ، أحمد مراني الذي قدمته قبل شهور قناة العربية الفضائية باسم الدكتور المفكر أحمد مراني ، و هناك الألاف من نفس الصنف الذين استفادوا ضمن سياسة التمييع و التعويم لكل ما هو نظام و منظومة ، و كان غرض العصابة ، الذين عانوا كثيرا من عقدة تجاه إطارات الجزائر أصحاب الشهادات العالمية بامتياز ، هو تمييع و تعويم ساحة الكفاءة بالرداءة من أجل إطالة عمر أخطبوط الظلام . أخي الدكتور زياني ، الكلام ذو شجون ، و المقام لا يسمح بالأسترسال ، نحن أمام ، ما يمكن ، التعبير عنه ، وفق الطريقة التي عبر عنها السيد (يزيد رمرم ) ذات يوم من أيام ثمانينات القرن الماضي ، بأزمة فكر الأزمة . السلام .

    • Rachid Ziani Cherifi بتاريخ

      تحياتي أخي بشير، أجل شداد الآفاق يحاولون عبثا نشر اللا وعي ومحو الذاكرة، لكن بحمد الله وعونه وجهود الصادقين من هذا الشعب الابي، باءات كل محاولاتهم بالفشل وقد برهن لهم الشعب أنه وإن بدا “مستقلال” ومنوما، إلا أنه كان ذلك فقط استراحة المقاوم حتى باغثهم واصابهم في مقتل

  2. و شعبنا الأبي المتطلع إلى الحرية و الكرامة ، يزداد الثقل على كاهله، و لأجل ذلك يحتاج من النخبة الجزائرية المتفردة اليوم تاريخا و أخلاقا أن تبرهن على حضورها من خلال مبادرات عابرة لكل ما هو وثنية و عوائق و إكراهات ، و ليس ذلك على إخواننا المتميزين في حركة رشاد بعزيز ، الله الله في الأحرار أحفاد مالك و الإبراهيمي و عبد الحميد و ابن مهيدي ، هذا هو زمنهم ليقولوا كلمتهم و يقفوا موقفهم من أجل هدم صنم الاستبداد و الفساد ، و بالله التوفيق .

  3. محمد جاب الله بتاريخ

    تحياتي وسلامي الحار لك اخي رشيد اسال ان يمدك بالصحة وان يعيدك سالما غانما لاهلك واحبتك وجزاك الله عن كل ما تقدم ولكن ارى انك منذ ايام تثير موضوع الزواف وكانه حصان طروادة للبعض من اجل الالتفاف على ثورة الشعب وهذا غير صحيح في نظري، لقد اعطيتم الموضوع انت وبعض الاخوان في الخارج اكثر من حقه وهو غير جديد بل قي نضر البعض اصبحتم من حيث لا تدرون تغذونه ؛ ولقد كان سبب تقاذف بين متطرفين طرفي نقيض على وسائل التواصل الاجتماعي زمن حكم العصاية ؛ كذلك قولك ” وما رفضهم المرحلة الانتقالية السيادية، وإطلاق العنان للأبواق الإعلامية المرتزقة وبعض السياسيين والمثقفين، مدفوعي الأجر، للنفخ في خطر الزواف، ” ارى فيه مبالغة وتجن ، ليس كل من يرفض المرحلة الانتقالية بوق للنضام كما أأكد لك اني لم اسمع يوما كلمة زواف من طرف سياسيين او مثقفين او محللين على القنوات الجزائرية. اما عن مقارنتك بين ما يحدث اليوم وما وقع سنة 91/92 فالفرق شاسع فالذين شيطنوا الاسلام حينها كانوا حينها ولا يزالون لهم اذرع ونفوذ في مفاصل السلطة وكانوا يقولون صراحة وعلى المباشر للاسلاميين لن نتروككم تستلموا الحكم وعندما فاز الاسلاميون في الانتخاب ,- وانت منهم -قاموا يهيجون الشعب ضدهم تحت شعار “لا لدولة عسكرية ولا لدولة تيوقراطية ” وثبت انهم كانوا متآمرين مع ضباط فرنسا الذين استولوا غلى قيادة الجيش واطاحوا بالديمقراطية الناشئة وهم من كانوا يصدعوننا بالانتساب لها ويدعون المعارضة.

Exit mobile version