هناك من يدفع من باب أن الأولوية لقيام مجلس تأسيسي يبت في سؤال الدستور، ذلك أن سؤال الدستور هو الأهم بخصوص عملية بناء دولة المواطنة التي يكون القانون فيها هو الفاصل والواصل في آن واحد، فاصلا بين كل المتخاصمين، وواصلا بين كل الجزائريين، في السراء والضراء، وما لم يكن الفاصل حاضرا وفاعلا، لن يكون هناك واصل. وهذا هو مرد تخوف الجزائريين على حراكهم، سواء بخصوص تأجيل البت في سؤال من يقود الحراك، أو بخصوص من يتمسك بالحل الدستوري، وفي كل الحالات، فإن البت يبقى، وينبغي أن يبقى من اختصاص الشعب عموما، والحراك الوطني على وجه الخصوص، لذلك فلا المتعجلون بوجوب المرور عبر مجلس تأسيسي يهتم بالبت في سؤال الدستور، ولا الذين يراهنون على الحل الدستوري للخروج من الأزمة، ولا المتعجلون بوجوب ظهور قيادة الحراك، يمكنهم تجاوز المطلب الحقيقي للحراك، وهو العبور في جو السلمية والهدوء إلى اختيار حر، لرئيس للعباد والبلاد يكفيهم شر الانقسام الذي لن يرضي سوى العصابة بكل أدواتها . 

* الموقف : المتمسكون بالحل الدستوري

ليس هناك من راهن على الحل الدستوري، سوى العصابة التي راهنت على العهدة الخامسة، وللأسف الشديد فإن قيادة الأركان، هي الأخرى، سلكت هذا المسلك، كان ذلك يوم قرر رئيس الأركان تفعيل المادة ١٠٢ من الدستور، والتي على إثرها استقال الرئيس، وللتاريخ فإن من أسقط الرئيس هو الحراك الشعبي الذي ضغط كثيرا، ولو لم يكن هناك حراك شعبي، ما كان الجميع في دائرة السلطة سيذكرون المادة الدستورية التي أهملوها رفقة النص الدستوري لأربع عهدات وزيادة، واليوم لم تبق جهة تتحدث عن الحل الدستوري سوى قيادة الأركان، ولو أجرينا استفتاء على مستوى مؤسستنا العسكرية عبر اقتراع سري نظيف، لكانت النتيجة في غير صالح قيادة الأركان، حتى وإن كان مثل هذا الاستفتاء بعيد المنال. أما والحال كذلك فإن العقبة التي باتت العائق الأكبر في طريق الحل هو ورقة التمسك بالحل الدستوري، ومثل هذا، لن يخدم سوى العصابة الأخطبوط . 

* الموقف ٢: الأولوية لقيام مجلس تأسيسي .

أصحاب هذا الموقف هم من يرون أن الحل الأنسب، من بعد تجاوز ورقة التمسك بالحل الدستوري بطبيعة الحال، والتي ستنتهي معها عقبة الباءات، هو قيام مجلس دستوري يبت في سؤال الدستور قبل أي استحقاق آخر. مثل هذا الطرح قرأناه في موقف السيد محسن بلعباس رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ، ومن دون شك فإن هؤلاء يتخوفون من إمكانية تجاوز أو تجاهل مطالبهم، التي سوف يتقدمون بها آجلا أو عاجلا، ويعملون الإقناع به، وذلك من صميم المطالب الثقافية والديمقراطية. وعلى هذا الأساس، ومن هذا المنطلق، يمكن التأكيد على أن مصدر المخاوف هو بسبب دوائر الفساد و الاستبداد التي خنقت الحريات أمدا طويلا. أما و الحال كذلك فإن أبجديات العمل الديمقراطي تقتضي أن يسلك الجميع في نطاق دولة المواطنة السلوك الحضاري المتشبع بروح السلمية، مما يفضي إلى التزام الجميع بالحد الإيجابي، و هو الحد الوسط الذي يعبر فعلا عن إرادة الإنسان الحر الذي يقف، أو يجب أن يقف حدا فاصلا بين نافية الأنا، و نافية الآخر . و هذا هو مبتغى الحراك الوطني المتفرد في سلميته. لكن، وبالرغم من أهمية الموقف، إلا أن شرائح واسعة ضمن جسد الحراك تتخوف من أن يتحوّل استحقاق المجلس التأسيسي إلى أهم مدخل يمكن أن تدخل من خلاله فلول العصابة، و قوى الثورة المضادة، فتعكر صفو كل الجزائريين، وتدفع بهم إلى ما لا يحمد عقباه، ومثل هذا يبقى ممكننا جدا، والدليل هو الاستماتة، اليوم، من أجل إفشال الحراك الوطني. و على هذا الأساس فإن أول استحقاق، من بعد تجاوز عقبات العصابة، هو قيام هيئة سياسية، و عبارة “سياسية”، لا تعني تشكيلة أحزاب سياسية، و إنما هي وظيفة الهيئة، التي يجب أن تقتصر على الجانب السياسي من أجل تهيئة المشهد لانتخابات رئاسية، و من دون شك فإن تشكيلة الهيئة، يجب أن تطمئن المتخوفين من كل جانب، بمن فيهم المتطلعون لمحاكمات عادلة. ولا شك في أن الرئيس المنتخب سيكون في مستوى تطلعات كل الجزائريين، الذين وجب من الآن أن يفهموا ويدركوا أن الجزائر تسعهم جميعا، محسنهم، مسيئهم، و زيادة . 

الموقف٣: المتعجلون بخصوص قيادة الحراك 

لا يختلف اثنان بخصوص أهمية عنصر القيادة، لكن، ومن بعد أن برهن الجزائريون عن خصوصيتهم في عالم المبادرة، خصوصا ما تعلق بتلقين المستبدين، والمارقين، الدروس العظام، ومن بعد أن أبهروا البعيد قبل القريب بسلميتهم المتفردة كثيرا، فإن عدم تسرع الحراك للإجابة على سؤال عنصر القيادة، كان في محله كثيرا، وأثبت جدواه كثيرا، ولعل صبر الجزائريين في حراكهم على ذلك، سيساعدهم من باب المفاجأة كذلك، على إعطاء الجواب الشافي بخصوص قيادة الحراك، في الوقت الذي يحدده الشعب، و ليس في الوقت الذي يريده المتمسكون بالحل الدستوري الذي راهنت عليه العصابة طويلا . 

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version