من دون ريب، لا يمكن التنبؤ بما يمكن تسميته مجازا بالكم الهائل من ضحايا الدعاية الإعلامية، من منكم يجهل الدور الذي تؤديه السلطة الرابعة؟ لقد اهتم المراقبون كثيرا بموقف الحراك الشعبي داخل حدود أكثر من بلد، من السلطة، فاقتصر النظر على السلطة التنفيذية، وأقل من ذلك على السلطة التشريعية، ليمر الغالبية مرور الكرام عن الأثر الذي تتركه سلطة دوائر الإعلام.

ماذا تقصد بالقولبة الإعلامية؟

هي نهج دعائي يهدف إلى صب حدث من الأحداث ضمن قوالب نمطية انطلاقا من أفكار محددة، و بناء على أهداف مسطرة، بشكل تبسيطي تارة، ومركب تارة أخرى، بنية التشويه والتدليس والازدراء.

إعلام الحراك؟

كم هي القنوات الفضائية، داخل حدود الجزائر، التي تقف إلى جانب الشعب؟ في الظاهر، كل القنوات، وكأن الخطر الداهم الذي يهدد استقرار البلد هو كيان غريب عن العباد والبلاد، اسمه “السلطة”، وحين تسأل إعلاميي هذه القنوات، عن علاقتهم بهذه السلطة المتهمة، يكاد يقسم الجميع أنهم أبرياء، وإذا خطر ببالك سؤال: من يتربص اليوم بأمن الجزائريين، سيرد الجميع : نحن أبرياء، أما بخصوص من يقف مع الجزائر، ومن يقف ضدها، فكثير من إعلاميينا يكاد يتفق على أن لا أحد يقف ضد الجزائر، بمعنى أن البلاد في منأى عن كل الأخطار، وهي الآن بين أيدي أبنائها في أمان، وأن الكل بات قاب قوسين أو أدنى من تجاوز الخطر. هذا هو تقريبا فحوى النقاش الدائر على مستوى منابر قنواتنا (الحرة) . وإذا تأملت المشهد بضميرك، سوف تجد القنوات التي تدعي الاستقلالية، كلها تقريبا تزايد بدرجات متفاوتة على حراك الشعب، وتساهم في تشويه موقفه وتمييع مطالبه والرهان على عامل الزمن من أجل تمرير اليأس إلى نفوس الناس.

إليكم قليلا من التدليس والازدراء:

تسوق بعض الفضائيات أنها عانت من تضييق النظام، وهي اليوم، حسب زعمها باتت ضحية، وأن لا ناقة لها و لا جمل في ما دار من صراع بين أجنحة السلطة، و أن ساحتها نظيفة من كل اتهام يمكن أن يطال الأذرع الإعلامية التي خدمت هذا الجناح أو ذاك طويلا، و تسوق بالكلمة و الصورة أن الشعب يساندها، والملايين مستعدون لدعمها، لأنها ببساطة هي الوحيدة التي تقف في وجه السلطة، وهي وحدها التي يثق فيها الشعب، وأنها هي صوت الشعب، ولمن لم تخنه الذاكرة، فإن هذه القنوات، روجت كثيرا لفكرة مبيتة، ظاهرها ليس كباطنها “ليس لأي كان أن يتحدث باسم الشعب” وذلك من خلال بعض الوجوه التي تستضيفها، على أنها من صميم الحراك الوطني.

هل ستصمد طويلا؟

لا يمكن أن تذهب بعيدا في خلط الأوراق، لأنها ببساطة محكومة بالسير وفق أجندة الجهة التي تخدمها، وبكل وضوح وفق خطة السلطة التي أوجدتها، لن يدوم طويلا ودها المغلف تجاه حراك الشعب، ووقتها سوف تكون أول من يتباكى على مصلحة الشعب، والخوف عليه من المتربصين به، وتحذيره من مغبة المندسين في صفوفه، ولا بأس بعدها من التحذير من التدخل الأجنبي، ليتغير الخطاب جذريا، خصوصا بعد انتهاء العهدة الرئاسية، و حينما ينكشف أمرها ليس بعيدا أن تتذرع بشكل أو بآخر، من أجل تغليط الرأي العام. و سوف تهيئ المشهد لاستغلال طيبة بعض التنظيمات الطلابية والمهنية، طلبة، أطباء، محامين، قضاة، عاطلين عن العمل، من أجل تحويل الأنظار عن المطلب الرئيسي للحراك الوطني، الذي هو مطلب كرامة و حرية و وفاء.

البديل: الحراك الوطني أمام تحديات، من بينها، الحاجة إلى قيادة جماعية ناطقة باسمها، تكون في مستوى أمال الشعب بكل فئاته، وعلى جميع المستويات، وليكن المطلب الأساسي هو بناء دولة المواطنة الديمقراطية كما نص عليها بيان أول نوفمبر، حيث يمكنها أن تفوت الفرصة على كل المغرضين، وتكون قادرة على إسكات الأصوات المشبوهة، والسير بسلمية الحراك بعيدا، والحراك لا يملك من الوقت لعمل تنظيمي تأسيسي يبدأ من القواعد، فهو مطالب بحسم سؤال الحاجة إلى إعلان السيد مصطفى بوشاشي عن قائمة باسم شخصيات كفؤة ونظيفة ومتوازنة في رؤيتها نابعة من صميم الحراك، بعيدا عن تلك الوجوه التي أثبتت فشلها في دوائرها الحزبية، أو المحسوبة، أو كانت محسوبة على طرف أو آخر من السلطة الفعلية، إن الذي فشل في بلورة الحس الديمقراطي ضمن الحيز الضيق للحزب، لا يمكنه أن يكون كذلك بأناه المريض، و رؤيته الضيقة، محل ثقة و ترحيب من هذا الحراك المبارك الذي تعيشه الجزائر.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version