فرضًا أنك التقيت بشخصين، أحدهما  أصبحت تحبّه والاخر لا،  في فترات مختلفة، وقد ساهم كلّ منهما في تغيير مزاجك.

شخصُُ ذكّرك بحدث سعيد ، و الآخر ذكّرك بحدث مؤلم…فكيف أصبح شعورك يا ترى تلك اللحظة مع الشخص الذي اصبحت تحبه؟ ومع الشخص الذي أصبحت لا تطيق النظر اليه؟

من الطبيعي جدّا أنك ستفرح للشخص الذي أصبحت تحبّ، ولكن  غير الطبيعي أن تعيش جوّا مشحونا بالغضب  والاحباط  والنمطية كلما رأيت ذلك الشخص الذي ذكّرك بالحادث المأساوي!

فما مردّ ذلك الشعور والكره للشخص الذي لم يؤذيك؟ وما مردّ الحب للآخر حتى لو كان لا يريد لك الخير؟ ولماذا كلّما حدث لك نفس الشيء مع آخرين تغير مزاجك وشعورك؟

 لاشك أنك  تجهل بعض الاجابات حول تساؤلات معينة، فإليك الجواب:

باستخدام  الخبرة التي قدمتها لك مستخدما  ما تعلمته من علم الادراك في قراءة الشعور الذي انتابك في الحالتين. اعتمدت على أن الذاكرة كمخزن للأحداث  وهذا شيء أقرّه العلماء والدارسون.

واعادة فتح  الذاكرة  لا يتم دائما بطريقة إرادية  كما قد تتخيل فأحيانا يتم فتحها بطريقة لا ارادية منك.

فبمجرد أن ترى صورة أو شبها يتغير مزاجك ويؤثر ذلك عليك لان بذاكرتك ما يشبهه ولان عملية التعرف والقراءة والتحليل تجرك قبل المعرفة على البحث.

وأعطيك مثالا: كم  صادفت من شخص في حياتك سواء هو من بدأ بالاتصال أو أنت الذي اتصلت به…؟

بمجرد الحديث معه اكتشفت أنك لا تعرفه أو هو لا يعرفك، ولكن هناك شبه؟ هل تدري أين يوجد هذا الشبه؟ إنها صورة مخزنة في ذاكرتك تمكنك من التعرف عليه من بين ملايين البشر.

فالحزن الذي ينتابك لحظة لقاء شخص أو رؤية مشهد مؤثر هو ذلك المشهد  المُحزن المُخَزّنُ بذاكرتك  قد طفا  الى السطح من جديد وقت تذكيرك به…  وإذا  لم تكن قد عالجت الأمر من الناحية النفسية سواء بايجاد أجوبة مقنعة، أو عالجت نفسيا من تلك الصدمة لتجاوزها فإن وضعك سيصبح نمطيا.

كل منا عاش تجارب مختلفة في حياته  وكل هذه التجارب محفوظة في ذاكرة الانسان، ومتراكمة الى حد ما  سواء فرديا أو جماعيا ولا أحد منا يستطيع أن يمحوها، سواء تعلق الأمر با لأفراح أو الأحزان…

فاذا أردنا أن نستخدم تراكمات الافراح فبمجرد استعادة ذكرى جميلة  سننعش جو الفرح وإذا ما استخدمنا جانب الاحزان فإننا سنخلق جوا محزنا  ونحن لا ندري.

وعادة الناس أنهم يحبون الفرح ويكرهون الحزن. وقد تجد أشخاصا يثيرون بعض المسائل ولا يحسنون اختيار الوقت المناسب، فيساهمون في تعكير الجوّ دون قصد منهم  فيقلبون عرسا الى جنازة وجنازة الى عرس… وقد تجد شخصا محبطا ومتشائما لا نه يعيش مع المحبطات…ولا نه لم يعالج تلك التراكمات النفسية  السلبية التي تجلب له الأحزان.

في الجزائر: عاش الشعب الجزائري فترة الاستعمار لأكثر من قرن و30 سنة رعبا لامثيل له، من خلال تدمير ممنهج تعرض له،  ومع ذلك لم تعالج تداعيات ذلك الغزو البربري  من كل النواحي…وقد أعقب ذلك الاحتلال نشوء صراعات حول الحكم بين الاخوة الأعداء من أول أيام الاستقلال   لم نتخلص منه  بعد ….وقد حصلت فتنة عمياء  عظيمة بعد الاستقلال  راح ضحيتها أكثر من 200 ألف قتيل وأكثر من 20 ألف مختطف في غياب احصاءات رسمية، ناهيك عن الخسائر المادية والمعنوية ولا نزال الى اليوم لم نعالج ملف الازمة ولا تداعياتها.

استغل النظام الحاكم المأساة الجزائرية  ووظفها  لصالحه بالتشبث في الحكم  واقصاء من لا يسير في خطه،  وأصبح يخوف الشعب لمنعه من النهوض والتغيير، ولترويض الأحزاب والشخصيات… وكذا اتهام المعارضين باأشنع الألقاب واحتكار موارد الدولة وحتى الوطنية.

وهاهو يستغل مايقع في سوريا وفي ليبيا واليمن لمنع أي تغيير.

فكل من نادى بمعالجة المأساة أو بمعرفة الحقيقة  أو تغيير الأوضاع الى الأحسن  أخافوه  باستخدام الصور المرعبة والحزينة  والمجازر،  باستخدام  وسائل الاعلام وتقنياتها،  لتوجيه الرأي العام  الوجهة التي يريدونها  ولإرعاب الناس ومنعهم من الالتفاف حول كل قضية تبعدهم من الحكم…

ولم يعد هذا حكرا على النظام الجزائري بل أصبح هذا التخويف يطال الدول العظمى التي ترفع شعار الديمقراطية وحقوق الانسان للتواطؤ مع الأنظمة المستبدة. ويكفي ما يحدث من استغلال لأحداث سبتمبر وغيرها  وتوظيفها لاستهداف شخصيات أو فئات من المجمتع  قصد تشويهها وقصد توجيه الرأي العام  لمنع كل من يسعى لتوعية الناس ومعرفة ما يجري من سرقة للثروات وتحريف للتاريخ متهمينه بأوصاف نمطية استعملوها وروجوا لها بإحكام .

نورالدين خبابة
26 أكتوبر 2016

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version