رغم مشقة طول ساعات الصيام والموسم الكروي الاوروبي، جاليتنا المسلمة في الغرب، تعتني بالشباب من مؤدي الخدمة العسكرية وطلبة وافدين وسجناء.

ترى أحدنا يشمر ويجتهد أوله ويتراخى ويفتر آخره، ومن ثم يأتي الندم، وبعد ذلك تمني النفس هواها لرمضان التالي وكيف أنها يجب أن تجتهد،  وإذا كان رمضان هذا الشهرُ الكريم، يمرُّ على كثيرٍ من الناس في عالمنا الإسلامي هذه السنوات الأخيرة وهم عنه غافلون، لأن أمتنا تواجهُ من الأخطار والتحدّيات، خاصة ما يجري في بعض بلداننا العربية ما يستهدفُ أبناءَها في عقيدتهم ومقدّساتهم وأرضهم وثرَواتهم على أصعدة شتى و في أمصار عدة، فإن حَمَلَةَ رسالةِ الإسلام في بلاد الغرب خاصة، يُدركون فضلَ شهر رمضان، ودورَه في حياة الأمة، فيهيّئون أنفسَهم لاستقباله كما يليقُ به، ليكونَ لهم مَوسِمَ خيرٍ وعطاء، وفرصةً للتقويم والارتقاء، ومُنطَلَقاً للنهوض والبناء، وزاداً يستعينون به على وعثاء السفر ومشقة الطريق، فهو بحق مناسبةً لتجديد العهد مع الله.. أو كما يحلو لشيخنا العلامة المرحوم محمود بوزوزو، تكراره كل سنة مع إشراقة كل هلال رمضان جديد، قوله شارحا أبعاد حديث بليغ من أحاديث الرسول المصطفى ( صلى الله عليه وسلم):” أتاكم رمضانُ شهرُ بركة، يَغشاكم الله فيه، فيُنزِلُ الرحمةَ، ويَحُطّ الخطايا، ويستجيبُ فيه الدعاء، ينظرُ الله تعالى إلى تنافُسِكم فيه، ويُباهي بكم ملائكتَه، فأرُوا الله من أنفسِكم خيراً، فإنّ الشقيّ من حُرِمَ فيه رحمةَ الله عز وجل” مقرا بقوله لنا :” إن رمضانَ مدرسةٌ متعدّدةُ الفصول، متنوعةُ الدروس، عظيمةُ الفوائد، ولكلّ فردٍ منا حظُّه من هذا الخير العميم، بمقدارِ استعداده واجتهاده وتوفيقِ الله عزّ وجلّ إيّاه، فلنغتنم أوقاتَه، ونتعرّضَ لنفَحاتِه” لنستدركَ ما فاتنا من تقصير، فنجدّدَ في قلوبنا معانيَ الإيمانِ بالله تعالى، والإخلاص له، والإنابة إليه، ونتقرّبَ إليه بالتوبة والاستغفار، والإقلاع عن الذنوب، وحُسنِ أداء العبادات.. “ندعوه تضرّعاً وخُفيَة، ونبتهِلُ إليه خوفاً وطمعا، نتلو كتابَ الله متدبّرين، بقلوبٍ خاشعةٍ، وعيونٍ دامعة، نسألُ اللهَ الجنة، ونستعيذُه من النار، مستشعرين فضلَ الله علينا وعلى الناس جميعا في ديار غرب مضيافة” أو كما قال، رحمه الله

رمضانَ مدرسةٌ متعدّدةُ الفصول، متنوعةُ الدروس، عظيمةُ الفوائد

و لكي لا تضيع أيام رمضان على شبابنا في الغرب، خاصة ونحن في وقت مناسبة كروية كبرى في أوروبا “الأورو” وخاصة الخاصة  بالنسبة للذين  يعيشون غربة على غربة ، كالطلبة والسجناء والمجبرين على أداء خدمتهم العسكرية في ثكنات غربية، لا تعرف لرمضان طعم و لا لذة، .. وجب التنويه هنا بمجهودات مجالس الائمة و الوعاظ في بعض الدول الأوروبية، الذين خططوا برنامجا خاصا بهذه الفئة المعوزة،  عملا بنصيحة الشيخ  فيصل مولوي و قبله عمر التلمساني، رحمهم الله جميعا، التي يقولون فيها” إن أكثر ما يضيع على شبابنا الشهر ونحن نعد أيامه تهرب أمامنا سريعة هو عدم وجود خطة وبرنامج معد مسبقاً لهذا الشهر الفضيل لهذه الفئات تحديدا”، لأن شهراً بوزن شهر رمضان لهو بحاجة إلى تخطيط، لا بل إلى استثمار، “ذلك الاستثمار الخلودي الذي قد يعتق أحدنا من عذاب النار إلى نعيم الجنة الأبدي الخالد”.. فإذا كان الفرد صادق النية قوي العزيمة على التخطيط لهذا الشهر و لهذه الفئة، مهما كان موضعه ووضعه، فإنه “من الحزم أن يكتب كل أفكاره ويرسمها على الورق؛ كي لا يكون كلامه أمنيات عابرة غير حقيقية” أو أن يكون ممن يريد أن يتخلص من الشعور باللوم الدائم من النفس والعتاب الذاتي عن التقصير، فتراه يخطط أحلاما ويبني أوهاماً ذهنية، ويبقى يؤجل ويُسوّف إلى أن ينتهي به الشهر دونما عمل واحد يرجو به النجاة من النار..

توزيع التمور والكتب والمصاحف على السجناء وبعض ثكنات الخدمة العسكرية للشباب المسلم

بهذه العزيمة  الأكيدة  والإخلاص المتفاني دعت مساجد وجمعيات إسلامية في أوروبا، لبرمجت أعمال الخير لهذه الفئة الشبانية، إضافة للدعم المادي على قلته أحيانا، كتوزيع التمورر مثلا في بداية رمضان و الكتب والمصاحف بلغات شتى على جل السجون السويسرية و بعض ثكنات الخدمة العسكرية للشباب المسلم.. بل وزعت التمور حتى على غير المسلمين في بعض السجون، لإشعارهم  بفضل شهر رمضان و روحانيته

ورافق هذا البرنامج حضور وتجند  ثلة من الأئمة و الدعاة المتطوعين المرخص لهم على قلة عددهم، لتحفيز  شباب المسلمين للاستفادة من أوقات رمضان وعدم تضييعها أمام التلفاز أو على شبكة الانترنت وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، لأن بعض الناس يرى أن أفضل ما يفعله في نهار رمضان هو “قتل الوقت”، وينسى ذلك المسكين أن من قتل وقته فكأنما قتل نفسه؛ لأن الوقت هو الحياة، خاصة لشباب في مقتبل العمر أمثالهم..

و كما لاحظ الجميع أخيرا خصوصية هذه السنة  و السنة  التي سبقتها من حرارة فصل الصيف والفارق الزمني الكبير إلى مواقيت الامساك والافطار في أوروبا بحيث أصبح تقريبا معدل ساعات الصيام يفوق 19 ساعة يوميا بل يصل في بعضها إلى 22 ساعة وأكثر في دول شمال أوروبا، و هو أمر يحتاج بالإضافة إلى صبر و جلد ، يحتاج قبل ذلك إلى استعداد نفسي و إلى “خطة صيام” إن صح هذا التعبير..

بعض المراكز الاسلامية تستغني عن إحضار أئمة من الخارج

وحتى بالنسبة لمراكزنا الاسلامية بأوروبا  بات أداء نشاطها الليلي المعهود بعد التراويح شبه منعدم، بل ذهبت بعض المراكز الاسلامية للاستغناء عن إحضار أئمة صلاة التراويح ومحاضرين ومقرئين من دولنا العربية والإسلامية لأن ساعة الافطار تكون متأخرة في حدود الـ11  ليلا  و النصف أو تزيد، وفي بعض الدول الأخرى صلاة التراويح تتعد منتصف الليل، علما أن الإمساك يكون بعد ساعتين في حدود الساعة الثانية والنصف صباحا.. وحتى لا يضيع فضل ختم القرآن فإن المشرفين على المراكز الاسلامية اجتهدوا هذه السنة بالنسبة لصلاة التراويح (القيام) لتصلى فيها على قسمين؛ 8 ركعات بعد صلاة العشاء يُقرأ فيها حزب من القرآن، ومثلها قبل صلاة الفجر ويقرأ خلالها حزب أيضا، أو بدأ جزء قبل صلاة العشاء بنصف ساعة و جزء بعد صلاة العشاء.  

لكن يبقى من الأنشطة اللافتة للمساجد في هذا الشهر الكريم، تنظيمها لموائد إفطار جماعية تقريبا يومية، يستفيد من خدماتها آلاف المحتاجين من أبناء الأقليات المسلمة، خصوصا الطلبة والمقيمين بطريقة غير قانونية و المهاجرين الجدد، فضلا عن بعض المشردين من غير المسلمين، من بينهم عدد من القادمين من دول أوروبا الشرقية ..

ولكي لا تضيع فرصة التعلم والتفقه في هذا الشهر الفضيل، جراء هذا التوقيت ” المجحف ” في حق جاليتنا في الغرب، فضل  المشرفون برمجة بعض أنشطتهم المعتادة من ندوات ومحاضرات أيام السبت والأحد بعد صلاة العصر.

محمد مصطفى حابس
15 جوان 2016

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version