نشر موقع موندأفريك يوم 26 ماي 2016 مقالا تحت عنوان “عندما كان الدياراس يجري محاكمات شبيهة بنظيرتها في موسكو”، تطرق المقال إلى المحاكمات التي كان يحبكها الدياراس، وتشبه “محاكم موسكو” في عهد جدار برلين، عبر تلفيق ملفات رشوة وفساد وجرائم ذات الصلة بالإرهاب، لتصفية الخصوم، مشيرا في هذا الصدد إلى محكمة تيزي وزو التي ستنظر قريبا (جوان المقبل) في “قضية ميناء الجزائر” لكشف أساليب الترهيب الوحشية التي استخدمها ضباط دائرة الاستعلام والأمن في التسعينات. وأفاد الموقع أن عدد الملفات الملفقة من قبل هذا الجهاز تراوحت بين 4000 و6000 (في حدود 40000 حسب بعض التقديرات)، كان جميعهم ضحايا ملفات مفبركة، تستند فقط إلى تقارير مزيفة من جهاز الجنرال توفيق (مديرية الاستعلام والأمن) خلال العشرية الدموية. يعتبر مقال موندأفريك أن محاكمة تيزي وزو في قضية ميناء الجزائر تُعَد حدثا تاريخيا، لأنها المرة الأولى التي تشهد فيها الساحة الجزائرية عملية إعادة الاعتبار لأشخاص تم سجنهم بناء على ملفات ملفقة من قبل ضباط في جهاز DRS، خاصة بعد  اعتراف المحكمة العليا بالعاصمة، رسميا بأن الوقائع الموجهة إلى الضحايا في هذه القضية لا تستند إلى أي دليل ملموس.

هذه الاعترافات ليست جديدة، حيث كان أمين عام حزب جبهة التحرير، عمار سعداني، أول الرسميين، من داخل صفوف النظام، من دشن موسم التهجم الصريح والثقيل ضد الدياراس ورئيسه الجنرال مدين المدعو توفيق، بعد عقدين من سكوتهم على سطو وهيمنة مطلقة مارسها هذا الأخير بعلمهم وتزكيتهم قبل أن يتفطنوا قبل أشهر لاتهامه اليوم بتلغيم الساحة الجزائرية على كافة المستويات، السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والأمنية، واحتكاره السلطة الفعلية، منها تخويل نفسه سلطة تعيين الرؤساء والوزراء والسفراء باعتراف سعداني وغيره بعد أن نفوا ذلك عقودا عندما كان غيرهم يحذرون من تغوّل هذا الجهاز.  تصريحات سعداني تبعتها بعد ذلك تصريحات ذراع السلطة الإعلامي “المستقل” على لسان مدير النهار المدعو أنيس رحماني، دون أن ننسى تصريحات نائب رئيس البرلمان، بهاء الدين طليبة، من جملة أطراف رسمية اكتشفت فجأة شجاعة خيالية بحق بعبع طالما سوقوه على أنه حامي حمى البلاد.

في ضوء هذه الاعترافات والتصريحات المتلاطمة ثمة أسئلة ملحة تطرح نفسها، وتبحث لها عن أجوبة، وبما أن أصحاب الاعترافات آثروا عدم ذكرها وفضلوا التوقف نصف الطريق عند الحد “المسموح” به دون تجاوزه، أقاسمهم العناء وأطرح البعض منها بدلهم:

– بما أن هناك اعتراف صريح ورسمي من قبل المحكمة العليا مؤداه أن جهاز التوفيق كان وراء تلفيق الملفات للزج بالأبرياء في السجون وان هذه القضايا ليست استثناءات بل بالآلاف، هل ستبلغ القضية مداها ويتم النظر في كل الملفات التي حبكتها مديرية الاستعلام والأمن وتشمل الآلاف غيرهم من المتهمين ظلما بالإرهاب، الذين لا زالوا يرزحون في السجون، أم أن الاعتراف يراد له أن يقف نصف الطريق، خشية أن ينجم عن معرفة الحقيقة كلها تبعات لا تريد هذه السلطة وهؤلاء الساسة أن يعرفها المواطن؟

– عندما يعترف هؤلاء بأن الدياراس كان يلفق الملفات منذ التسعينات، لماذا يتعمدون حصرها في ملفات بعينها (الأطر المسجونين)، وفي الوقت نفسه يفرضون طوقا حديديا عن غيرها من الملفات التي تفوق مأساة الأطر، منها آلاف حالات الاختطاف، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القضاء وملف إعدام حسين عبد الرحيم ورفاقه في قضية تفجير مطار هواري بومدين، ومجازر بن طلحة وبني مسوس والرمكة وغيرها، ومجزرة سجني سركاجي والبرواقية وكل الملفات الملفقة عقب انقلاب يناير مباشرة؟ ألم يكن هذا الجهاز هو الحاكم المهمين نفسه؟ أم يُعتبر ما قام به الدياراس في هذه الملفات أمرا مقبولا، لأن هناك ضحايا يستحقون إعادة الاعتبار وآخرون لا يستحقون؟

– سؤال بسيط أخر أوجه إلى أصحاب هذه الاعترافات الذين لطالما اتهموا وجرموا كل من كان يشير إلى تغوّل هذا الجهاز وتحكمه المطلق في البلاد، وهو من عيّن باعترافهم كل الرؤساء منذ التسعينات (بمن فيهم بوتفليقة)، أليس معنى باعترافهم أن كل الحكومات والرؤساء منذ انقلاب 92 وتاريخ تولي التوفيق رئاسة الجهاز، هم من صنعه ومن ثم فاقدون للشرعية؟

– إذا كان “الإرهاب” قد توقف مباشرة بعد تفكيك هذا الجهاز مثلما صرح به الكثير من داخل أجهزة السلطة، ليؤكدوا أن الإرهاب كان من وحي وتدبير وصنع هذا الجهاز، أليس هذا معناه أن الإرهاب كان من صنع استراتيجية السلطة لتبرير الانقلاب وفرضه على المواطنين تحت تهديد السلاح، ثم ألا يعني ذلك أن ما روج له، أي أن السلم والمصالحة كان من عبقرية وإنجاز بوتفليقة وسنم شرعيته للحكم، ألا يعني ذلك أن هذا الإنجاز مجرد فرية، بما أن الإرهاب قد توقف باعترافهم مباشرة بعد تفكيك الدياراس؟ ثم ألم يؤكد الجنرال بن حديد هذا الأمر عندما صرح بأن الجنرالات كان لهم “أمراؤهم” في الجبال على غرار سماعين العمري الذي كان ينسق مع “الأمير” قادة بن شيحة في غرب الوطن، فضلا عن اعتقال الجنرال حسن بتهمة تهريب الأسلحة إلى “إرهابيين في الجبال”؟

– وبما أنه يتم الآن مراجعة هذه الأحكام وإعادة الاعتبار للمتضررين باعتبار أنها ملفات مفبركة من قبل الدياراس، لماذا لا يتم النظر بشكل شامل في كل ضحايا هذا التلفيق وإعادة الاعتبار لهم؟ أم أن رد الاعتبار لصنف “محدد” من الضحايا لا يخدم مخططات المعنيين ولا يدخل في إطار حرب الأجنحة وتصفية الحسابات، بل قد يكشف عورة القوم وينسف مبررات بقائهم في السلطة المغتصبة التي اكتسبوها أصلا بفضل… الدياراس المغضوب عليه حاليا؟

– أخير وليس آخرا، بما أن الساسة يعترفون بأن الدياراس يحكم البلاد منذ التسعينات، وكان صاحب اليد العليا في كل صغيرة وكبيرة، منها التعيين للوظائف السامية، واعتماد الأحزاب وتوظيفها لأغراض محددة مثلما أخبرنا به مدير النهار بخصوص حزب لويزة حنون مثلا وتكليفها بمهمة التجسس على أحزاب المعارضة في لقاء روما في عام 1995، أليس معنى ذلك أنهم هم أيضا نتاج هذا الجهاز ومن تعيننه ومباركته لهم؟  

مهما تطرف أصحاب هذه الاعترافات في اتهاماتهم للدياراس، لن يستطيعوا خداع إلا ضعفاء النفوس، لأن اعترافاتهم لم تأت إلا بعد أن بعدت الشقة بين العصب، وراح كل منهما يستل خنجره للنيل من الآخر، فكانت الغلبة لمن عرف كيف يتغذى بخصمه قبل أن يتعش به، لكن إلى متى؟ أما هذا السؤال فلا أملك الجواب عنه.

رشيد زياني-شريف
عضو المجلس الوطني لحركة رشاد
31 ماي 2016

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version