اُفتتحت مساء الجمعة الماضية، بالعاصمة البلجيكية بروكسل، الدورة الرابعة للمعرض الإسلامي الذي تنظمه رابطة مسلمي بلجيكا، بمشاركة عدد من علماء المسلمين والباحثين من الأوساط الأكاديمية والخبراء من دول أوروبية وإسلامية، منهم على سبيل المثال، الدكتور عصام البشير، والشيخ عبد الله المصلح، يحي ميشو، وعبد الله الصنعان غيرهم كثير.. ولم يتغيب هذه السنة إلا المفكر الإسلامي طارق رمضان والشيخ عمر عبد الكافي.

وقد تواصل المعرض كعادته مدة أربعة أيام  كاملة ، بحيث انطلقت أشغاله تحت شعار “الإسلام والإصلاحات”، يتضمن معرض بروكسل كباقي العواصم الأوروبية على فوائد وفعاليات اقتصادية وفكرية، وندوات وحفلات إنشاد إسلامي، وقد وصل عدد زواره ورواده – حسب منظميه – إلى أزيد من 20 ألف زائر جاءوا من بلجيكا البلد المنظم ومن مختلف المدن الأوروبية المجاورة كفرنسا وهولندا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا وسويسرا …

وتتضمن هذه التظاهرة التي تشكل أحد أبرز الأحداث الثقافية الاسلمية والتجارية في بلجيكا، معرضاً تجارياً يمتد على مساحة 12 ألف متر مربع، إلى جانب فعاليات أخرى عبارة عن أمسيات تشمل محاضرات وندوات وعروض وفعاليات ثقافية وفكرية.

وشهد المعرض الاسلامي تنظيم مجموعة ندوات فكرية عديدة تناولت موضوعات مختلفة؛ مثل أزمة اللاجئين في أوروبا، ومكانة الفكر الإسلامي في برامج التعليم في بلجيكا، وإصلاح الفكر الإسلامي بشكل عام، والاعتراف بحق المواطن المسلم في أداء شعائره الإسلامية في الغرب، وطرق العيش وتعايش الأسرة مسلمة مع الاخر.

وقد شارك بالمعرض في دورته الحالية، ما يزيد على مائتي عارض من مؤسسات إسلامية ذات بعد تجاري وتثقيفي وخيري وإنساني، ورغم حجم بلجيكا الصغير مساحة وسكانا مقارنة بفرنسا، ففيها يعيش اليوم زهاء الـ600 / 700 ألف مسلم أغلبهم من الأتراك والمغاربة والألبان، خاصة في العاصمة بروكسل التي تمتاز شوارعها وبعض احيائها بطابعها الإسلامي المغاربي من مطاعم بأكلات شرقية ومغاربية، ومجازر بيع اللحم الحلال وكذا انتشار اللباس الشرعي في صفوف البنات والنساء بشكل بارز للغاية في الشوارع والمؤسسات دون أي حرج يذكر للمارة والسكان، وحتى القميص والجلابة المغاربية في صفوف الرجال غزت العديد من المحلات و الشوارع، كما يسر ذلك اشتغال نسبة كبيرة من العارضين المغاربة والأتراك بقطاع التجارة والخدمات المالية ما يعطي للمعرض السنوي زخماً ونجاحاً جماهيرياً كبيرا.

كما شوهد حضور مقبول لجمعيات ووكالات اغاثة تقدم مساعدات لسوريا وقطاع غزة ومنظمات خاصة تهتم بتقديم المشورات الخاصة بالأغذية الحلال حيث أقامت أكشاكا صغيرة في أروقة المعرض.

كما لوحظ أيضا حضور كوكبة من دور النشر والمكتبات الاسلامية بالعربية ولغات أوروبية كدار (سنا) ومكتبة (غيدي) ومقرهما فرنسا، ومحلات أخرى لبيع ملابس نسائية كالأحجبة والمجوهرات ومستحضرات تجميل طبيعية وأكشاك بيع العسل الطبيعي والشاي المغربي و مرطبات شرقية .. كما خصصت خلف المعرض مساحة كبيرة مغطاة للمطاعم المتنوعة على مختلف الأذواق الشرقية والغربية، للزوار والعائلات.

كما نظمت لأول مرة، على هامش المعرض ولمدة 3 أيام كاملة ندوة هامة للغاية بعنوان “مشروع الدعوة إلى الله انطلاقا من حقائق الإعجاز العلمي في القرآن والسنة” في فندق “هوسة” بوسط مدينة بروكسل، نظم الندوة “الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة” بجدة بالمملكة العربية السعودية، بتعاون مع “المركز الأوروبي للتبادل العلمي” بفرنسا وحضور “الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية” بسويسرا، وجاءت هذه الدورة التكوينية حول مسألة الإعجاز العلمي، ليستفيد منها ما يربو عن 40 متدرب من أئمة ودعاة وباحثين وأكاديميين من دول أوروبية كـبلجيكا، هولندا، فرنسا، إسبانيا، إنجلترا، سويسرا، إيطاليا، ليكسمبورغ وبريطانيا. وقد أطر هذه الدورة التكوينية الداعية الكبير الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد العزيز المصلح أمين عام “الهيئة العالمية للإعجاز العلمي” والمعروف بدروسه التنويرية وفتاويه العلمية الواقعية في ببرنامجه الأسبوعي التلفزي على قناة “إقرأ” الخليجية. وقد تناول أثناء هذه الدورة فضيلته مختلف حقائق الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، التي سبق أن أثبتها قبل أكثر من أربعة عشر قرنا رسول الإسلام محمد(صلى الله عليه وعلى آله وسلم) بالدليل القرآني المحكم والسني القطعي الثبوت والدلالة، ليأتي العلم الحديث ليؤكدها بالعقل الراجح والتجربة الملموسة.

وقد أبهر فضيلة الشيخ الجليل د. عبد الله المصلح جمهور الحاضرين ولمدة ثلاثة أيام دون انقطاع، بقدرته الفائقة في الإلقاء السلس والإقناع العلمي المنطقي، دون حشو ولا تكرار ممل، بل بلياقة صحية شبابية دون فشل ولا تعب، مما جعل زميلي الديبلوماسي والامام الشيخ عصمت كوتشي من أصول ألبانيا يقول لي بدهشة كبيرة مازحا، “لست أدري أي مقويات يتناولها الشيخ أبو أسامة، ليبقى مركزا  كل هذا التركيز العجيب مدة سعات طوال في اليوم، رغم نزلة البرد التي حلت به منذ وصوله يوم الجمعة لبلجيكا !!”.. ثم اردف هامسا في أذني يقول:” لا تنسى أن الشيخ عبد الله، متزوج بثلاث زوجات وعمره فاق السبعين.. ونحن بزوجة واحدة يبدو علينا الخرف والهرم ومنا من هو في خمسينيات و أربعينيات اعمارنا !!”.

و قد نجح فعلا الشيخ عبد الله المصلح – حسب أراء جل الحضور- في تأطير وتكوين وتأهيل فريق من الكوادر الإسلامية المتمكنة والعاملة في مختلف المؤسسات الدينية والتربوية والإعلامية والاجتماعية في هذه الدول الأوروبية في مجال الإعجاز العلمي الواسع الرحب في وقت قياسي، على أن تعمل هذه النخبة المكونة هي بدورها كسفراء ومؤطرين لمادة الإعجاز العلمي بلغات بلدانهم ونقل ما تعلموه وتلقوه أثناء هذه الدورة التكوينية الهامة والمباركة إلى دولهم الأوروبية والتي هي في مجموعها مجتمعات يطغى على أهلها الرغبة في الدليل المادي الملموس والمحسوس، قبل أي كلام قد يبدو لوهلته الأولى نظريا جافا حتى لأهل العلم.

وقد أكد الشيخ المصلح، طيلة أيام الدورة، بأن مسألة الإعجاز العلمي أصبحت الآن أمانة في أعناق الجميع، لا سيما هذه الفئة التي تم تكوينها قصد تبليغ ما تعلموه بأمانة إلى مختلف شرائح المجتمعات الأوروبية المسلمة وغير المسلمة، حسب الشرائح المستهدفة من التكوين، معتمدة منهجية مدروسة بآليات وتكنولوجيا التواصل والإعلام الجديد الذي تزخر به جل مؤسساتنا..

وقد يقول قائل، وهو محق، أن حمل هذا العبء أخف وزنا على مؤسسات ومنظمات دون أخرى، كان لها السبق في أوروبا في ميدان الإعجاز العلمي في القرآن والسنة تحديدا،  كـ”المركز الأوروبي للتبادل العلمي” بفرنسا و”الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية” بسويسرا، هذه الأخيرة – الهيئة السويسرية- التي من أهدافها دعم ومساعدة المراكز الأوروبية وتزويدهم بالمدرسين والأئمة في مناسبات العطل وإبان الشهر الفضيل، و تسهيلات أخرى.. إلا أن المركز الأوروبي بفرنسا والذي تأسس منذ عام 2011، ومن خلال أهداف رسالته و مشاريعه، التي تعد في نظري غاية في الأهمية، يمكن لأغلب المؤسسات المهتمة بالإعجاز العلمي، العمل ببرامجها أو الاقتباس من بعضها، كما هو مدرج في أهداف هذه المؤسسة الفتية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

– الكشف عن الحقائق والمعجزات في القرآن والسنة.
– النشر والتعميم والتعريف بالإعجاز العلمي في الدوائر العامة و الخاصة.
– إدراج الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مناهج المدارس والجامعات الإسلامية أوروبا.
– تدريب الأئمة والدعاة وتوعيتهم بموضوع الإعجاز.
– إدراج الاعجاز وتنسيق الجهود بين المؤسسات الأوروبية والهيئة العالمية للإعجاز وباقي الفروع.

وغيرها من الأهداف قد يختلف النزر القليل منها حسب توفر الوسائل وتكوين أصحابها وتخصصاتهم ورغباتهم والظروف القانونية الخاصة بكل بلد.

وقد اختتمت هذه الدورة التكوينية بعروض من قبل ممثلي الدول المشاركة، إذ قدم كل فريق مداخلة حول قضية إعجازية معينة وخطة عمل تتضمن أهم المشاريع التي سوف يقوم بتنفيذها أثناء العام القادم بحول الله. وهو أمر قد يبدو صعب الانجاز مرحليا، خاصة على بعض الدول مثل سويسرا التي لها اربع لغات رسمية معتمدة و26 مقاطعة أي دويلة، مستقلة القرار في برامجها التكوينية والتعليمية والدينية، وأيضا لأن مثل هذا العمل يتطلب ترتيبا مسبقا، لأنه عموما في جل الدول الأوروبية تكون أغلب أجندات نشاطاتها الثقافية والتربوية الوطنية والمحلية وتواريخها قد برمجت مسبقا وقد حجزت القاعات الخاصة بمناشطها وتظاهراتها منذ أكثر من سنة..

ختاما، وبعد كلمة شكر من المنظمين للشيخ المصلح على ما تقدم به من جهد مضني، تم توزيع الشهادات على ما يقرب من 45 متدرب. والشهادات الرسمية الموزعة على المتدربين، هي في حقيقة الأمر إجازات خاصة بالإعجاز العلمي من عالم جليل مختص بل فريد من نوعه كالشيخ عبد الله المصلح وهو المشرف على هيئة عالمية متخصصة في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وعاملة في هذا المجال منذ عقود طويلة، وتنضوي تحتها العشرات من المؤسسات والكفاءات الدينية والعلمية والتربوية والفكرية عبر العالم.

كما وزع أيضا كتاب الشيخ عبد الله بن عبد العزيز المصلح (الإعجاز العلمي في القرآن والسنة) ليعتمده مع مراجع أخرى، كل من يرغب في الإبحار في هذا العلم الواسع الرحب، وتبليغه بالدليل الديني والبرهان التجريبي، وقصد تدريسه للمسلمين في مراكزنا الإسلامية أو حتى لغير المسلمين من أصحاب الاختصاصات الأخرى ذات الصلة، في المناسبات الثقافية والعلمية والتربوية أو حتى في ما بين الأديان كـ”أسبوع الديانات” في سويسرا، كما يمكن أيضا اعتماده في دورات تكوينية متعلقة بالإعجاز العلمي، لأطر وأئمة جاليتنا المسلمة، لقيمته الدينية والعلمية والمعرفية والأكاديمية المرغوبة جدا في دولنا الاوروبية.

عموما هذه مبادرة طيبة وجهد أطيب قام به الشيخ المصلح، بعد ندوة إسبانيا العام الماضي،  تحتاج إلى سواعد شابة لحمل مشروع تنويري لإصلاح وضعية جاليتنا المسلمة في الغرب، عملا بقوله تعالى ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾، وما ذلك على الله بعزيز، وهو يقول الحق ويهدي السبيل.

محمد مصطفى حابس
20 نوفمبر 2015

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version