لا تتعجبوا بداية من عنوان هذا المقال، فالكلمة التي سقتها هي دارجة جزائرية، يُردّدها الآلاف من الجزائريين والآتية من رحم اللغة الفرنسية التي هيمنت على المدرسة في الجزائر ردحا من الزمن. ولعلّكم سمعتم أن وزيرة التربية في الآونة الأخيرة “بن غبريط” تودّ أن تُدرّس هذه اللجهة الهجينة لتلاميذ الابتدائي وما عليكم إذن الاّ أن تتحملوا هذه الإساءة اللغوية المتعمّدة.

كثر الحديث عن العربية وعن العرب في المدة الأخيرة الى درجة أنّ التخلف أصبح حسب البعض أصله عربيا… لقد استغل أعداء العربية والإسلام التقليديين ما يحدث في الوطن العربي من مآسي وباتوا يصيحون في كل واد: أخطونا يالعرب… ويلصقون كل الارهاب بالعربية…

والحقيقة في الجزائر التي لا يعرفها الكثير من شباب اليوم، أنه لولا القرآن ورعاية إلهية تدخّلت ما بقي للعربية حرف واحد يُنطق.

إنّ المدرسة الجزائرية دُمّرت أثناء فترة الاحتلال، وبعد الاستقلال كانت تفتقر إلى المعلمين والأساتذة… وكانت نسبة الأمية متفشية بشكل رهيب. ومن كانوا يقرأون اللغة العربية، هم من درسوا في الكتاتيب والزوايا أو من سافروا الى دول عربية …

وقد اضطر الرئيس هواري بومدين رحمه الله إلى الإتيان بمعلمين وأساتذة من الوطن العربي الكبير… وتم تعريب بعض المواد… وسار بالعربية هو والفريق الذي كان يعمل معه إلى وضع بناء أسس جديدة للمدرسة الجزائرية الحديثة…

ولعلكم استمعتم خطابه الشهير وهو يُردّد: نحن لنا طموح ليس أن نعرب فقط ولا أن تبقى لغتنا لغة شعر وغراميات ونحيب… بل نريد أن تُصبح لغتنا لغة تخاطب في مصانع الغاز والبترول…

مباشرة بعد وفاته اللغز، تراجعت المدرسة الجزائرية وكثير من القطاعات وتمّ تجميد استعمال اللغة العربية في بداية التسعينيات، بعدما أعطي الغطاء للحرب القذرة التي خاضها التيار التغريبي ضد الهُوية ووضعت في الثلاجة المجمدة أو الكونجيلاتور “Congélateur” وها نحن اليوم نشهد بعد التخلّص من الفيس بنهج غبرطة المدرسة من وزيرة استثناقية يقودها أبو العتاريس الذي لا يفرق بين بيت شعري وبين آية قرآنية.

إنّ الدراسات الحديثة التي أجريت على أطفال في علم اللغات توصّلت الى أن التلميذ الأوربي في سن مبكرة قبل دخوله المدرسة له رصيد من الكلمات يفوق 15000 ألف كلمة تجعله يعبّر بطلاقة في سنواته الأولى من التعليم الابتدائي، بينما الطفل العربي الذي لا يتعلّم لغة القرآن في المسجد سيكون محدود اللغة ويتلعثم في كلامه ولا يتعدّى رصيد كلماته بالدارجة 3000 كلمة… وهذا ما يجعله محدود الفكر والأفق والتصور…

وإذا نظرنا بعين الواقع الى الجزائر طرحنا الأسئلة التالية: أين يوجد معهد اللغة الدارجة وأين توجد الكتب المدرسية ومن يشرف عنها وأين هي قواميس الدارجة وهل جرب هؤلاء الدارجة واكتشفوا أنهم سيخرجون التلميذ الجزائري بها من تخلّفه؟

إنّ الطفل تفوق ذاكرة حفظه كبار السن، والدليل في ذلك قدرة استيعابه… ويمكن لمن يشكّك في كلامي أن يجرّب مقارنة بين طفل يعطيه هاتف نقال أو جهاز كمبيوتر بالتوازي مع دكتور متخرّج من جامعة كمبرج وسيرى النتيجة ماثلة أمامه بعد الامتحان… وأنا أعلم أن من بين من يقرأ كلامي يستعين بأبنائه لمساعدته للدخول وتصفح الانترنت…

يا من تتهمون اللغة العربية بالتخلّف، كيف للغة مُجمّدة أن تتهم بالتخلف؟ كيف للغة يُعاقب المتحدّثون بها والمنتمون ثقافيا إليها، تتّهم بهذه الاتهامات السخيفة؟ إنّ من يتّهمون العربية المُجمّدة كمن يتّهم سجينًا مُكبّل اليدين معصوم العينين مُكمّم الفم… بأنه لا ينتج. أطلقوا سراح اللغة العربية وأطلقوا سراح المبدعين وضعوا الثقة في الأطفال… وساعتها يحقّ لكم أن تتّهموا اللغة العربية.

إنّ ما تقومون به من مسخ للعربية وتدمير للهُوية هو نفسه ما كان يقوم به الاحتلال، اللهم الاّ إذا كنتم حركى فهنا وجب على الشعب الجزائري أن يُطهر المؤسسات من رجسكم وساعتها تعود اللغة العربية إلى حالتها الطبيعية وتخرج من حالة التجميد التي وضعتموها فيها غدرًا وحقدًا.

نور الدين خبابة
7 أوت 2015

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version