عقد بمعهد ابن سينا للعلوم الإنسانية في مدينة ليل الفرنسية بالتعاون مع وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية ومجموعة من المنظمات والهيئات الإسلامية والدولية نهاية الأسبوع المنصرم، ندوة دولية حول موضوع “التناول الإعلامي للرموز الدينية في ضوء القانون الدولي” بمدرسة تكوين الصحافيين بمدينة ليل، نشطها خبراء ومتخصصون في القانون الدولي وحقوق الإنسان وقانون الإعلام وممثلو منظمات المجتمع المدني المهتمة بحقوق الأقليات ممثلون عن 16 دولة أوروبية وبعض الدول العربية.

وتهدف الندوة إلى أن تكون إضافة نوعية للجهود الإقليمية والدولية المبذولة من أجل تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والتعايش بين الشعوب من أجل مواجهة الحركات والتيارات التي تلجأ للعنف والإرهاب باسم الدين وتهدد الأمن والسلم العالميين. كما تسعى الندوة إلى إبراز أن الإساءة إلى الأديان بواسطة مختلف وسائل الإعلام، أمر مخالف لما تتضمنه قواعد القانون الدولي على المستويين العالمي والقاري من مبادئ تحرم الإساءة إلى الأديان وتؤكد على التسامح وتنبذ مختلف صور التمييز، سواء أكان عرقيا أو إثنيا أو دينيا، استنادا إلى مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات والمواثيق المنبثقة عنه.

فبعد تقديم موجز لبرنامج يومي السبت والأحد من طرف رئيس المؤتمر أخونا الدكتور محمد بشاري، عميد معهد ابن سينا للعلوم الإنسانية، أحيلت كلمات الافتتاح لكل من :

· الأستاذ محمد سالم ولد بوك بوكه، الموريتاني، المدير العام لاتحاد الإذاعات الإسلامية، الذي نوّه بدور اتحاد الاذاعات الإسلامية ومقره جدة.

· كلمة الشيخ عبد المجيد العمري،  عن وزارة الأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، ليذكر بدور السعودية في العمل الإسلامي عموما وحرية التعبير مكفولة، شريطة حرمة الاستهزاء بالدين والرسل، مصداقا لقوله تعالى: “وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ”.

· كلمة  السيد  عماد الفلوجي، وزير الاتصالات الفلسطيني السابق، مدير مركز آدم  لحوار الحضارات، مذكرا بما يقوم به الإرهاب الصهيوني العالمي من تعدي على مقدسات فلسطينية، فالإرهاب واحد في أرض بيت المقدس.

· كلمة الدكتور إسماعيل شاهين، نائب الأمين العام رابطة الجامعات الإسلامية، من مصر، طالب فيه بالخروج من المؤتمر بتوصية “قانون يجرم من يشتم الدين الإسلامي، و يقدم للبرلمان الأوروبي”.

· كلمة  السيد جيل بارنيو، نائب رئيس البرلمان الأوروبي، كانت كلمته مطولة أحصى فيها بعض إنجازات أحزاب اليسار الأوروبية ضد الاسلاموفوبيا، فقال “أحصينا عام 2014، 133 حادث ضد المسلمين في فرنسا، علما أن الدين الإسلامي له حضور في كل أوروبا، واللغة العربية هي ثاني لغة في فرنسا بعد الفرنسية” وختم كلمته مذكرا بإيجابيات مجهودات مجموعته في البرلمان الأوروبي ، آخرها “مصادقة البرلمان الأوروبي على الاعتراف بفلسطين، رغم الضغوطات الإسرائيلية”.

بعدها رفعت الجلسة الصباحية، لعرض ومناقشة عدد من البحوث في إطار ثلاثة محاور رئيسية هي (حرية الرأي و التعبير بين قانون الإعلام ومبادئ حقوق الإنسان) و(الصور النمطية المتبادلة والكراهية والتعصب : المخاطر وطرق المعالجة)  و(سبل التوفيق بين حرية الرأي والتعبير واحترام حقوق الإنسان في التناول الإعلامي للإسلام والمسلمين ورموزهم الدينية).

و انطلقت اشغال المساء بمحاضرة أولى تحت عنوان ” القانون الدولي وآليات الحماية الدينية: المنجزات والتحديات” للدكتور علي كريمي، خبير مغربي دولي في قانون الاعلام و حقوق الانسان، بحيث كانت دراسة قيمة للغاية أثنى عليها كثير من المعقبين، تلته محاضرة الدكتور فرانك زردومي، الفرنسي، من جامعة ليل الفرنسية، تحت عنوان:” كيفية التوفيق بين حرية التعبير واحترام حقوق الانسان والتغطية الإعلامية عن الإسلام و المسلمين والرموز الدينية” وما إن أنهى المحاضر كلمته حتى انهالت عليه العديد من التعقيبات المحرجة، لأن المحاضر الفرنسي اكتفى بمراجع محلية فرنسية وأحيانا  مغرضة.

وكانت كلمة كاتب هذه السطور، بعنوان ” تعايش المسلم مع غيره في بلاد الغرب: سويسرا نموذجا” بحيث تمحورت المحاضرة حول ضرورة “بناء جسور لا جدران بين مواطني البلد الواحد من أجل التعايش متساوون و مختلفون” متساوون في الحقوق والواجبات و مختلفون في المعتقدات والثقافات، قصد إرساء مبادئ العدل والاخوة الإنسانية وتعزيز قيم التسامح في الوطن الواحد، مع ضرورة التأكيد على أهمية احترام الأديان والرموز الدينية وعدم الإساءة لها.

بعدها توالت التدخلات وفق البرنامج المسطر للمحاضرات التالية عناوينها:

· وسائل الإعلام المعاصرة بين المعايير الدينية وممارسات لمهنة الإعلام

· التفاعل الحضاري المتسامح بين الشرق والغرب وأخلاقيات الحوار

· الإسلام في  الاعلام الهولندي

· قراءة في واقع مسلمي السويد: مسلمون خارج نطاق التغطية

· الرموز الدينية في السينما والتلفزيون

· التعاطي الاسلامي والمواجهة الإعلامية نحو تفهم متبادل

· شبح الاسلاموفوبيا والانتلجنسيا العربية

· الرموز الدينية في الروايات العربية والغربية

· أثر  العلمانية على وسائل الإعلام  في فرنسا

ورفعت جلسات العمل الأربع التي ترأسها تباعا، كل من:

الدكتور علي السرطاوي، وزير العدل الفلسطيني السابق

الدكتور زايد الدكان، امين عام مؤتمر وزراء الاوقاف والشؤون الاسلامية بالعالم الاسلامي

الدكتور المحجوب بنسعيد، باحث في مجال الاتصال والصور النمطية

الدكتور محمد علي حسن زينهم، رئيس الجمعية الدولي  للحضارة والفنون الاسلامية

رفعت الندوة بتوزيع شهادات تقدير للمحاضرين، و تلاوة البيان الختامي، بحيث دعت فيه إلى تكوين فريق عمل من الخبراء لمتابعة تنفيذ توصيات نداء ليل من أجل احترام الأديان ومنع الإساءة إليها لإيجاد الآليات المناسبة لتفعيل القرار الأممي رقم 224/65 من خلال تعزيز الشراكة العربية الأوروبية، و من أجل احترام الأديان وعدم الإساءة إليها ونشر ثقافة حقوق الإنسان، كما نصت التوصيات على مطالبة الأمم المتحدة وكل المنظمات الإقليمية والدولية بالعمل على تعزيز الجهود الدولية لمكافحة الإفلات من العقاب نتيجة ارتكاب الإساءة إلى الأديان، ودعوة مجلس حقوق الإنسان للقيام بشجب ومنع حالات التعصب والتمييز والتحريض على كراهية معتنقي أي دين .

ودعت الحكومات في الدول الأوروبية إلى مواصلة إصدار قوانين تقيد الخطابات المحرضة للأديان ولأتباعها، وتحرم الدعوة إلى العنصرية والكراهية الدينية انسجاماً مع ما التزمت به من قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان.

والتأكيد على أن التوفيق بين حقوق الإنسان وبين حرية الرأي والتعبير وبالخصوص الحرية الدينية أمر صعب جداً ولا يمكن تحقيقه، إن لم يتم وضع قانون يحمي هذه من تلك.

وحث المجتمعون المواطنين المسلمين في الدول الغربية، التي تسيء وسائل إعلامها إلى الإسلام والمسلمين، باللجوء إلى القضاء الوطني من أجل مقاضاة هذه المنابر الإعلامية، تحت مبرر الدعوة إلى الكراهية الدينية، اعتمادا على القوانين الوطنية لتلك الدول، وعلى قواعد القانون الدولي التي تحرم ذلك، وعلى التصدي لهذه الهجمات من خلال العمل مع المنظمات المحلية والعالمية لتشكيل قوة للضغط على وسائل الإعلام التي تقوم بهذه الهجمات.

وأقر المجتمعون إدانة العمليات الإرهابية التي تنشر الرعب والدمار وتقتل الأرواح البريئة باسم الدين، وأن الإرهاب ليس له دين، ولا لغة، ولا قومية، والتأكيد على أنه فعل إجراميٌّ يستهدف سلامة الإنسان وأمنَه، ويهدد حياته وحياة المجتمعات الإنسانية، ودعوة المجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود من أجل استئصاله والقضاء عليه من خلال اعتماد مقاربة مندمجة ومتكاملة تشمل المجالات التربوية والثقافية والإعلامية والاقتصادية والأمنية والتعاون الإقليمي والدولي، وإدانة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على قيامها باقتحام المسجد الأقصى المبارك، ومناشدة المجتمع الدولي لحماية المقدسات الإسلامية وحرية العبادة في القدس الشريف، ودعوة المنظمات الدولية إلى تفعيل المواثيق والقوانين المبينة للحدود الفاصلة بين حرية الرأي والتعبير، وبين التجاوزات الناتجة عن التعسف في استغلال هذه الحرية من أجل الإساءة إلى الأديان، مع التأكيد على أنه ليس من حرية التعبير، ولا من حرية الإعلام، ولا من حرية الرأي، انتهاك حرمة الأديان؛ لأن ذلك يعد مساسا بحقوق الإنسان، ويتسبب في إثارة القلاقل والفوضى، ويتناقض مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

وحث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على تفعيل القرارات الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان، وعن المفوضية السامية للأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان، وعن الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخاصة بمنع الإساءة إلى الأديان، وبالخصوص قرار الجمعية العامة لسنة 2011م، وأنه لا يجوز استغلال حرية التعبير كحق من حقوق الإنسان، للإساءة أو الازدراء أو الفتنة أو الافتراء من قِبلِ بعض أهل الأديان على بعض، أو من اللادينيين والعلمانيين على أهل الأديان.

محمد مصطفى حابس
4 أوت 2015

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version