عندما ترتاح “إسرائيل” لسيطرة تنظيم جبهة النصرة على معبر القنيطرة الحدودي بين سوريا والجولان المحتل، ولا يُكلف الكيان الصهيوني نفسه عناء تعزيز قواته لدرء أي خطر قد تشكله جبهة النصرة عليه، بل وأكثر من ذلك كلّه، عندما نعلم أن الكيان الصهيوني دعّم هذا التنظيم الإرهابي بشكل مُباشر عبر قصف مواقع الجيش السوري تزامنا وهجوم الإرهابيين على معبر القنيطرة، وتكفُّله في السابق وفي الوقت الراهن بعلاج جرحى الإرهابيين في مستشفياته، قُلت عندما ترتاح “إسرائيل”، فهذا معناه أنها ربحت حليفا لها في مواجهة سوريا والعرب، والأحرى أن نقول أنها صنّعت هذا الحليف بالتعاون مع أمريكا وأوروبا، وأدواتهما من إمارات ومشيخات ومملكات الخيانة العربية.

حليف الصهاينة وأعني به “التنظيمات الإرهابية”، وكما يعرف الجميع ذلك، تمّ تسمينه بأموال أمراء المشيخات والمماليك الجُدد، وبقدرة قادر، تمّ غسله بشتى “المنظفات”، لتخليصه من رائحة تنظيم “القاعدة”، وتمّ إلباسه رداء “الثورة”، و”الربيع العربي”، و”الحرية”، و”الإسلام”… لتمكينه في البداية من إختراق جميع الشرائح والطوائف، قبل أن ينقلب عليها ويُبيد البعض منها، كما هو حاصل اليوم في العراق بالتحديد.

قد يطول الحديث عن الطرق والوسائل التي اتّبعت من قبل مخابر الشرّ الأمريكي والصهيوني، لتصنيع هذا الحليف، الذي يستند على الإسلام، لتدمير الإسلام والمسلمين، وترسيخ هيمنة الكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط، فهذا الحليف لا يعتبر الصهاينة أعداء له، بعكس حركات المقاومة الإسلامية وغيرها، التي أذاقته شتى أنواع الهزيمة، وأسّست بحق لمنهج جديد في المقاومة، سيبدأ معه العدّ التنازلي لزوال كيان الإحتلال الصهيوني.. قلت قد يطول الحديث، لكن الخلاصة الحتمية التي نصل إليها هي أنّ الحليف المُصنّع، والذي هو من سلالة تنظيم القاعدة، الذي صنّعته أمريكا وموّلته بالأساس المملكة السعودية، بات اليوم يغرف وبسخاء من خزائن العديد من الدول والدُّويلات، كقطر وتركيا، وحتى عبر بيع النفط لدول أوروبية كما هو الحال اليوم مع جناح هذا الحليف في ليبيا، والذي بات يُحضّر لإعلان إمارة “داعش” في منطقة المغرب العربي، وهي الإمارة التي ستكون وَبالا على القصر الملكي المغربي، الذي دعّم بيادق وأدوات تنفيذ مُؤامرة “الربيع العربي”، بل وفسح المجال لوصول الإسلاميين إلى السلطة في المغرب، لمُحاصرة الجزائر، التي باتت مُسيجة بالتنظيمات الإرهابية من جهة تونس وليبيا ومالي، والظاهر أنّ القصر الملكي المغربي، وأمام انقلاب موازين القِوى، واستشعار آل سعود الخطر الداهم من قبل تنظيم داعش، سارع هو الآخر إلى البدء في تنفيذ الإنقلاب على إسلامِييه، وهو ما برز بجلاء في تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال ضد غريمه رئيس الحكومة الإسلامي عبد الإله بن كيران، تحت قبة البرلمان المغربي، حيث إتهمه بدعم تنظيم داعش والنُّصرة، والعمالة لجهاز المخابرات الصهيونية الموساد، هذا الإنقلاب على الإسلاميين في المغرب، وبهذا الشكل العنيف، إنما يؤكد أنّ الأنظمة العربية العميلة والمُقاوِلة للأمريكيين والصهاينة، قد دَبّ الرعب إليها، وأصبحت رُبما على قناعة بأنّها هي الأخرى ضمن مُخطّط التدمير والتفكيك والتجزيئ، الذي أعلنت عنه “كونداليزا رايس” من بيروت، وفي أوج العدوان الصهيوني على لبنان في حرب تموز 2006، عندما كانت وزيرة للخارجية الأمريكية، فقد قالتها صراحة، إننا نعيش ولادة شرق أوسط جديد، سيكون نتاجا للفوضى الخلاقة، وتوهم البعض أن المخطط الصهيوأمريكي سيعتمد فقط على إثارة النزعات الطائفية والمذهبية لتفكيك الوطن العربي والإسلامي، إلا أن المخطط ارتكز بالأساس على تفجير الكُلّ وبإسم الإسلام والحُرية، فاستقدم بذلك عشرات الآلاف من الإرهابيين من كلّ أنحاء المعمورة، لمُقاتلة أنظمة عربية بعينها، وطمأن في الوقت نفسه المملكات والمشيخات وإمارات العار، بأن نار الفوضى الخلاّقة لن تحرقَها، شريطة أن تُسهم في التمويل والتسليح والتحريض، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات، بدأ اللهب يتهدّد قصور ملوك وأمراء الخيانة بالدرجة الأولى، وبدأنا نسمع تصريحات كبار القادة الأمريكيين والأوروبيين، التي تُحذّر من خطر تنظيم داعش عليها، بل إن بعض هذه الدّول هدّدت بسحب الجنسية من مواطنيها المتورطين مع تنظيم “داعش”.

هذا الرُّعب الأوروبي تجاه “داعش”، يشكل برأيي أهم حلقة في تنفيذ مخطط تدمير الوطن العربي بالأساس، لأنّ الرعب، من الواجب أن يليه ردّ الفعل الوقائي، وهو ما أصبحنا نُعايش تفاصيله اليوم، فأمريكا اليوم تشنّ الغارات على “داعش” في العراق و”شباب المجاهدين” في الصومال، وسيلحق بها حلف الناتو، بعد تشكيل تحالف دولي ل”مُحاربة” داعش، والمُحصِّلة في الختام، هي أن أمريكا عادت وتحت غطاء مُحاربة الإرهاب للهيمنة من جديد على منطقة الشرق الأوسط، وحتى على منطقة المغرب العربي، عِلما هنا أنّها هي من صنّعت الإرهاب أصلا، وهذا ما يدعو إلى التوقف والتفكير بعُمق، في ما سيترتب من نتائج على المنطقة العربية ككل، في حال الإنخراط مع أمريكا في مُخطّط “مُحاربة” إرهابها؟

الأكيد والمُؤكد برأيي، أنّ العقل العربي قد وصل إلى مراحله المُتقدّمة من الجهل والغباء، وانساق بعمى تام نحو المقصلة، التي تمّ تزيينها بديكور أمريكي صهيوني، حوّلها إلى مدخل ل “جنّة العرب”، فهل يُعقل أن نستعين لحامي الكيان الصهيوني المُتحالف مع التنظيمات الإرهابية، لنُخلّص أنفسنا من الإرهاب؟

وهل يُعقل كذلك أن نستخف بقُدرات الشعوب العربية، وحركاتها المُقاومة التي مرّغت وجه الصهاينة في التّراب في العُدوان الأخير على أشقائنا في غزّة، ونضع أنفسنا رهائن للإرادة والمخططات الصهيوأمريكية، لتخليصنا من ورم خبيث، بإمكان الشعوب العربية أن تَدُكّه وتقضي عليه بالعِصي وليس بالبنادق، فهذا الإرهاب المُتحالف مع الصهاينة، لن يكون أكثر خطورة من أسياده ومُشغليه، وأعني بهم “الصهاينة” الذين لا يزالون يجرّون أذيال الهزيمة، فالإرهاب مجرد فيروس يكفي فقط أن نواجهه بالمَصل الفعال، والمصل لن يكون سوى “المُقاومة الشعبية”، لأنّ عديد الأنظمة العربية، كانت ولا تزال تُمثّل أهم حاضنة لرعاية وتسمين الإرهاب، والحال كذلك، يتوجب أن تنطلق عملية مُحاربة الإرهاب في الشرق الأوسط بالأساس، بالتوازي مع مُحاربة “الكيان الصهيوني” والأنظمة العربية الراعية للإرهاب، أمّا تنظيم “داعش”، فما هو إلا بيدق في لعبة شطرنج، لن تنتهي إلا بالقضاء على “الملك”، وسأختم مقالي حتى لا أطيل على القارئ، بالقول، “إسرائيل “عانقت” الإسلام يا عرب.. ليس حُبّا فيه، ولا حُبّا في العرب، وإنّما.. للتّلذّذ بتفاصيل مشهد قتل العربي للعربي، والمسلم للمسلم.. يا عرب”.

زكرياء حبيبي  
2 سبتمبر 2014

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version