خلال ساعة وربع أكون وصلت إلى حدود سويسرا من فرنسا باستراسبورغ أمرّ على أربع مدن صغيرة للغاية وساحات من الخضرة الساحرة حتى نصل بازل أول المدن السويسرية في طريقي إلى بيرن العاصمة السويسرية.

لا تعرف الحدود أين انتهت بالضبط لكن تغيير القطار وتغيير المحطة كفيلان بجعلك تشعر أنك بدأت رحلتك على الطريقة السويسرية.

المحطة أكثر أناقة والقطار أيضا.. بدأت ملامح الحياة السويسرية أمامك من اللغة الألمانية التي بدأت تظهر إلى الدقة السويسرية المعتادة في كل شيء.. من حساب الوقت بالدقيقة إلى وضع المقاعد!

علاقة سويسرا بالدقة تجلّت بشكل أساسي بصناعة الساعات الشهيرة وقلت في نفسي: عليّ أن أنتهي من كتابة نظرية الأرصفة لأبدأ بنظرية الساعات – هذا مهم -.

نحن في الشرق الأوسط الجميل علاقتنا بالوقت معدومة تماما، قياسنا للزمن يجعلنا في تخلّف مستمر.

الياباني مثلا، وبعده الصيني، في نظري، لم يبدأ تقدّمه بسبب الديمقراطية فقط أو النظرية الرأسمالية أو الاشتراكية ولكن بدأ مع احترامه لعقارب الساعة.

هم لديهم عقارب الساعة ونحن لدينا عقارب وثعابين مسمومة تنهش.

تأمّلوا حياتكم العربية ستجدون أننا الأمة الوحيدة التي تضع ساعات ضخمة بالحائط ومتوقّفة!

لماذا ساعة متوقّفة في جدراننا؟ لأننا باختصار لا نضعها من أجل الوقت فهو لا يعنينا.. نحن نضعها من أجل الزينة لا أكثر!

أوقاتنا نعرفها بعدم الدقة ونقول مثلا اللقاء بعد الظهر أو في المساء أو عند الصباح.. هكذا مفتوح إلى ساعات لا نهاية لها!

وزمان كان القروي عندنا يفرح بساعة اليد إلى حد الوله ولا يهمه على أي توقيت تعمل أو أنها مضبوطة أو غيره فهو يحملها للمنظر لا أكثر!

ونحن الأمة الوحيدة التي نؤرّخ فيها للأحداث بكلمة “تقريبا” فنقول “وفاة فلان أو ولادة فلان في عام كذا تقريبا!”، “وتلك الحادثة حدثت بعام كذا تقريبا !”

لا دقة لدينا ووصلت عملية التدهور بعدم الدقة إلى كل شيء بما فيها مساحة الأرض أو عدد السكان.

أتحدّى ستة وعشرين مليون يمني مثلا يقولون كم هي مساحة بلادهم بالضبط؟ أو عدد السكان؟ سنجد أمام الرقم مكتوب الجملة الأزلية 26 مليون تقريبا!

ونفس الشيء بأرقام الميزانية العامة والعجز في الموازنة أو عدد الطلاب أو بداية الدول القديمة أو عدد الشهداء وغيره كله  نقول عنه – تقريبا !-

وعندما أردنا أن نحترم الساعة ونجعلها لغير الزينة جعلناها في عالمنا العربي الأصيل برنامجا كوميديا اسمه – ساعة لقلبك!.. ثم جاء فريد الاطرش وأكملها بلحن كله بكاء ونواح وبقي يصرخ فينا “ساعة بقرب الحبيب أجمل أمل في الحياة”!

لهذا عندما قدّس الصيني أو الكوري وقبلهما الياباني الوقت وجعلوا الساعة لضبط كل شيء وليس للزينة نهضوا بشعوبهم وتقدمت دولهم كما نراها الآن.

صدّقوني الساعات أوّلا.

نحن فقط ننتظر الساعة التي هي بقاموسنا العربي الإسلامي – القيامة – فكل أمل الناس الآن قيام الساعة لتأخذ معها كل هذا التخلف والنظام العربي.

وعلى رأي النكتة العربية فإنّ احترام حقوق الانسان بالوطن العربي ستكون قبل قيام الساعة بساعة !

عزالدين سعيد الأصبحي
7 ماي 2014

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version