العميان الصغار

نفط الخليج يدمر سورية تحت ذريعة دعم ثوارها البواسل و نصرة أهلها العزل، و يمول مذبحة ”السيسي” في مصر بذريعة دعم دولة شقيقة كما لم يفعل معها من قبل. و يتخلف هذا المال و أصحابه عن ليبيا و هي تتهاوى يوما بعد الآخر لما دون نظام القبائل المتناحرة التي يغير بعضها على بعض كلما سنحت السوانح. و لم تهتد دولارات صحراء الجزيرة إلى تونس الخضراء، و لم تفرج كربها الاقتصادية التي لازمت المخاض الديمقراطي بعد فرار الطاغية و حاشيته، بل إن هذا الطاغية فُتحت له أبواب مهد و مهجر رسول الله و كأنه مستضعف فر من بطش التوانسة إلى بلاد بها ملك لا يظلم فيها ديكتاتور.

هذا النفط و هذه البحبوحة المالية التي يحبر فيها أمراء بني الأحمر في الخليج بفضل دعوة سيدنا إبراهيم تبذر شرقا و غربا، شمالا و جنوبا، و المسلمين في شتى أصقاع العالم في مسيس الحاجة إليها، وكأن عمائم الخليج التي عميت عن معاناتهم و عقولهم المعقولة لم تعد تعقل لتميز بين الواجب و المحرم.

لم يحدث أن تحولت نعمة إلى نقمة إلا عند العرب، هذه الأمة التي ضحكت من واقعها الأمم. فنفط الخليج استحال نقمة. كيف ذلك؟ لكم أن تقرؤوا حال المسلمين راهنا أو تستقرئوه بعد حين من الزمن، فمصر أعيدت صاغرة إلى الحظيرة الصهيونية و بيت الطاعة الأبيض الأمريكاني، و ليبيا خرجت من التاريخ و هي على مشارف الخروج من الجغرافية، تماما كما صنع نفط الخليج بالعراق، و العمل على تخريب عمران سورية و إطالة الأزمة بها لاستنزاف دماء السوريين بأيدي ”شبيحة” الأسد في وقت يعمل فيه نفط الخليج على استنزاف القوة العسكرية السورية التي قدر لها أن تكون بيد الطاغية النصيري. و لن تنتهي هذه الأزمة إلا بعد تحطم درع و سيف عربيين آخرين على الهوى الأمريكي و المشيئة الصهيونية التي تستعين في هذه المهمة بنفط عربان الخليج وفق نظرية “العميان الصغار” التي وردت في كتاب بروتوكولات “خبثاء صهيون”.

هذا هو دور المال الخليجي في هذه البلاد التي يرفع بها الآذان و يوحد فيها الله تبارك و تعالى، وببلاد أخرى من أرض المسلمين يطحنون بلا رحمة في “هولوكوستات” لو قدر لــ”هتلر” أن رآها لكان قد أعلن الحرب على الجناة، و لم يكتف بإنكارها و التنديد بها – و مع الأسف – حكمنا البواسل من أصحاب الجلالات و الفخامات و السمو لم يقو أقواهم حتى على استنكار مجازر البوذية الوثنية في حق “الروهينغيا” الموحدين ولا مجازر الروس الملاحدة في حق الشيشان.

جزيرة قطر… قطر الجزيرة

لا أذيع سرا إن كنت الآن أقر أنا الموقع أعلاه أنني كنت مهوسا بكل الإنتاج الفني المصري الذي أبدع فيه جحافل الزناة والداعرين، وكنت في كل مرة تستوقفني كلمة أو عبارة “اللي ماعندوش كبير يشتري له كبير”. الحقيقة أن الفن المصري هو قاطرة ما يسمى الفن في بلاد العرب – إن وجد- حتى أصبح الفن المصري مدلولا للفن العربي. ولم يستفد منه في هذه المسألة أو الأطروحة التي تضمنتها هذه الكلمة إلا “حمد” وصاحبته وبنيه وفصيلته الحاكمة التي تأويه، بدليل أن هذه الدويلة المجهرية التي ليس بها أو لها أو فيها ما تفخر به أي “لا كبير لها”- ربما إلا كبر سن “حمد” ومع ذلك تنازل عن العرش لوليه قبل أن يليه بانقلاب كالذي قاده هو نفسه ضد والده- فراح حكامها يفكرون – إن جاز أن نقرن التفكير بالحاكم العربي- فاهتدوا – والهداية هنا لا أظنها توافق الدين وإن وافقت الدنيا- إلى شراء “كبير” بل كبير جدا” هي قناة الجزيرة.

لقد استفادت قطر أيما استفادة من صنوتها الكويت وما حدث لها في صائفة 1990 عندما استفاق الكويتيون “الأنانيش” على شوارع تموج بأكثر من 144 ألف جندي عراقي، يوم قرر صدام تصحيح التاريخ والجغرافيا، وحول الكويت إلى مقاطعة رقم 19 في دولة العراق. وظل ذلك الشبح يقض مضاجع حكام دويلات الخليج الواقعة بين سندان إيران الأعجمية ومطرقة العراق العربي، أيام كان بالخليج وطن قوي مهاب الركن اسمه العراق. ولم يفاضل أمراء الخليج بين “قورش” و”نمرود” بل فضلوا عليهما سام “الكوبوي” الذي سلموه لحاهم وأعقلة رؤوسهم و أشياء أخرى مما تعرفون ولا تعرفون.

تاريخ قطر سطرين وجغرافيتها شارعين و سكانها لن ينوء ملعب “بوثلاثة” الأولمبي بحملهم، وعمرها أقل من عمر كاتب هذه الخربشة فبما تفخر، بل بما تحصن نفسها من عاديات الزمن وبطش الأعادي؟ كل شيء فيها صغير فراحت تبحث لها عن كبير وكان كبيرها، بل كبيرتها “قناة الجزيرة ” تلك العلامة المسجلة باسم قطرو التي لها مفعول سحري وصفها حسني “باراك” بأنها علبة كبريت “ولعت” الدنيا. لابد من الإقرار بأنها أعظم انجاز بشري عربي في العصر الحديث بعد ثورة نوفمبر الجزائرية وحرب أكتوبر العربية، وبها أصبحت للدوحة كلمة وموقف يحسب حسابه وانتشرت برغم ضآلتها لتسجل حضورها في كل مناحي الحياة العامة في جهات المعمورة الثمانية.

اقتحمت قطر الرياضة بتنظيم كبريات المنافسات واستقطاب نجوم الكرة في دوريها المحلي واحتكرت حقوق بث النشاطات الرياضية الدولية وأصبحت مصدر المعلومة الأدق الأصح السباق عن طريق تلك المعجزة المسماة “قناة الجزيرة” ولواحقها، حتى أصبح عتاة الديكتاتوريين العرب المتألهين يطلبون ود الدوحة ويهرولون لنيل رضاها، إنها جزيرة قطر أو قل عنها قطر الجزيرة فهما وجهان لعملة واحدة تكمل كل منها الآخرى.

إن أكبر خوف هو أن تتحول هذه القناة إلى آلية أخرى لخدمة أعداء الأمة في حال خرجت من التخندق في خندق الشعوب العربية المطحونة وانخرطت في جحافل خدم وحشم الصهيوصليبية، وقد شاهدنا منها بعض الشطحات والردحات التي زادت مخاوفنا كعرب إلى أن جاء انقلاب السيسي الذي – وإن لم يكن له محمود- إلا أنه أعاد الجزيرة إلى الشعب وأعاد الشعبية إليها، تماما كما أسقط آخر أوراق التوت عن عورات قناة العربية التي حولها تصفيقها للباطل وثناءها على القتلة إلى قناة “عبرية” الروح عربية اللسان.

عبد الله الرافعي
28 أكتوبر 2013

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version