دولار العار العاري
 
الحروب يعلنها الساسة عندما تفشل سياستهم في حل الخلافات، وعادة ما تكون الخلافات السياسية على خلفيات أو لأسباب منفعية، فهي (الحرب) مهما تعددت صيغ أسبابها فإنها في مجملها لا ينفك ارتباطها عن المصلحة الإقتصادية أيا كان وجه الإقتصاد، إقتصاد دولة رسمي أو اقتصاد “مافيا” وفساد وموازي وطالما تجر قاطرة الإقتصاد الأمريكي بقية اقتصاديات العالم بآليات وإجراءات كثر يظل مكمن الخطر المحدق بالعالم بأسره مرتبط بهذه الهيمنة  الأمريكية التي تجرها قاطرة “سام” إلى أزمة تلو الأخرى وبخاصة مع التمادي في تداول عملة الدولار. تلك العملة “الفرية”، فالدولار الأمريكي هو العملة الوحيدة العارية من المكافيء من المعدن النفيس.عري لا يعكس النصب والاحتيال فحسب، بل يلف البشرية قاطبة بسدال أسود هو وجه قاتم من أقبح أوجه الاستعمار الاستغلالي البغيض.

لو لم نر أن الأوروبيين صكوا لأنفسهم عملة خاصة أول ما اتحدوا- إن لم يكونوا قد اتحدوا لأجلها أصلا- لكان كل ما سبق ذكره مجرد افتراء ومبالغة ليس لها ما يسندها. فعندما تتنازل ألمانيا عن “ماركها” وتتبنى “الأورو” كعملة تساويها بإسبانيا واليونان سواء بسواء فثمة أمر جلل. و المراد من خلفها أكبر من مجرد تضامن أوروبي أوروبي، لا بل هو سيادة ومنعة واعتزاز ورفض لهيمنة الدولار، وعندما نرى أولئك الأعراب الذين يهرولون لكنز عائدات نفط الجزيرة العربية في بنوك أمريكا ويعقلون أسباب نهضتهم وطاقاتهم وثرواتهم بعقال كالذي يعقلون به عقولهم قبل عمائمهم نفهم خطر الدولار على مستقبل البشرية.

لقد وضع الخليجيون كل بيضهم في سلة عمهم “سام” وبنوا إقتصادا خدماتيا لا ينتج، كأنه مجرد ديكور جمالي لا يختلف عن ذلك التطاول في العمران متناسبين أنهم مرتبطون باقتصاد استغلالي أمريكي عار تماما من أي حصانة ضد الهزات بحيث تبقى اقتصاديات مجلس التعاون الخليجي معرضة لكل الأزمات المتلاحقة التي لا تكاد تنفرج إحداهما حتى تطفو الأخرى. وفي كل مرة يدفعون وحدهم ثمن سوء التقدير الأمريكي تارة والاستغلال الاستعماري تارة أخرى أو النهب الممنهج تارة ثالثة.

إنها أمريكا، حضارة العهر والعري والسلب والنهب والبطش والإرهاب فلابد أن تكون عملتها عارية لا من مكافئها الذهبي فحسب، بل عارية من كل القيم. وهي التي ستجر العالم إلى ويلات ونكبات تحت غطاء الاقتصاد المعولم دونها مآسي وويلات مكافحة الإرهاب المعولمة المزعومة.

إن الاقتصادات النامية والفتية التي تركب رأسها بحمق وتنجر صاغرة خلف أمريكا محكوم عليها بالانسياق إلى حتفها وسيعريها الدولار العاري وينتف ريشها ريشة ريشة.

النكسة

من أكثر طبائع الاستبداد ابتذالا تلك “البروباغوندا” السمجة التي يروج لها أبواق المستبدين الذين يألهون سيدهم و يخلعون عليه صفات الله تبارك و تعالى من الخوارق و عظائم الأمور. فالديكتاتور في لسان حال أبواقه “ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام” و “يعز من يشاء و يذل من يشاء” و “بيده ملكوت كل شيئ”… و لكن في تحديهم الوقح هذا يأتي رد الله عليهم عمليا من أبسط مخلوقاته.

ترجمان ما ذكر كان جليا أبصره العميان قبل المبصرين في اللقاء الفاصل بين غانا و مصر، و كأن تصفيات كأس العالم هذه تبرق لنا بالدروس تلو الدروس.

فلئن كانت  مصر الكنانة منذ عقود ليس لها ما تفخر به إلا الجلد المنفوخ، فإن زبانية “السيسي” علقوا على مواجهتهم لـ”غانا” أمالا عريضة لعل في نتيجة ما يمنحهم خانة بيضاء في صفائح و صحائف الانقلاب السوداء. و اقتضت حكمة المولى تبارك و تعالى غير ذلك، فكان مخسف “السيسي” فيما كان يراهن عليه و يعول، تماما كما صنع بفرعون حينما هزمه وسحرته فيما كانوا فيه يبرعون. و جاءت الضربة الساحقة الماحقة بأرجل النجوم السود الغانيين، انتقاما  من “السيسي” و أزلامه بسداسية، ليتها تذكرهم ببطش رب العالمين بعملاء النجمة السداسية.

هكذا هي مشيئة الله وهذا غيض من فيض انتقامه، وهو الذي ينتقم من الجبابرة بأضأل مخلوقاته وأصغر جنده ، كما فعلت الطير الأبابيل بأبرهة و الباعوضة بالنمرود، و الأرضة بصناديد قريش. و لأن التاريخ كتاب طويت صفحاته و جف حبره، ما من بياض فيه، فلا شك أنه يعيد نفسه مرة بعد مرة، و كره تلو الأخرى. فكما انتقم الله لضحايا عبد الناصر و في طليعتهم سيد قطب الذي اغتاله تحت غطاء الحكم بالاعدام قبل أن يطوي العام أيامه بنكسة مدوية في جوان 1967، انتقم مرة أخرى لضحايا “السيسي” قبل أن يغادرنا عام “رابعة العدوية” بسداسية أبكت المنافقين الذين لم يذرفوا دمعة واحدة لستة ألاف شهيد في هولوكست الانقلابيين. والفضائح تترى و النكبات تتوالى “و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”.

إعلام المسيخ الدجال الذي سب شهداء الجزائر بالأمس و يسب شهداء مصر اليوم، انتكس، و دعاة جهنم أفلت نجومهم على الفضائيات، وصرح الانقلاب المنشود دب فيه الفشل، و بنيان الباطل رجته  سداسية غانا رجا واجل هده هدا دنى، و ماهي إلا مسألة وقت و يقضي الله أمرا كان مقضيا بعز عزيز أو بذل ذليل.

اللاعدل أساس التخلف

الهدف الثالث لمنتخب “فولطا العليا” أمسية أول أمس في شباك مبولحي لم يكن ليعلي شأنها ولا ليحرق آمال الجزائريين في بلوغ مونديال البرازيل بقدر ما عزز طبعا سيء الصيت يسمت كل أولئك القائمين على الشؤون العامة في بلاد كثيرة تسمى العالم الثالث.

في هذا العالم الأخيرة كل شيء موجود بوفرة. دموغرافية، جغرافية، جيوليوجية ..  ولكن كل هذه النعم إذا دخل عليها “اللاعدل” كان مفعوله كمفعول العنصر “الماص” في الرياضيات. وهذا الطرح ليس اكتشافا أو سبقا نستحق عليه الثناء والتقدير، بل سبقنا إليه عرب وعجم. وخير ما قيل فيه بعد الذي جاء في كتاب الله وسنة نبيه “العدل أساس الملك “.إن مشكلة الحضارة في هذه البلاد المتخلفة متعلقة أساسا بغياب العدل، ولأن أضعف الخلق يكمن فيه سر الله، عزز لدينا أمس هذا الطرح حكم التماس في مباراة الجزائر وبوركينا فاسو. فقد كان كعنصر ماص عصف بكل القيم الحميدة لتلك المباراة المفتوحة بلعبها الجميل حينما سولت له نفسه أن ينهيها على وقع فضيحة مدوية وفرية مجلجلة متمثلة في ضربة جزاء خيالية، غالبا لاتفيد مسجلها ولا منتخبه شيئا. لكنها ذبحت شرف التحكيم الافريقي ومستقبل الحكم التحكيمي. أمور مثل هذه تؤكد أن الأفارقة يعانون من داء فقدان العدالة النزيهة أكثر من معاناتهم من أمراض المفقودات الأخرى وفي طليعتها فقدان المناعة وفقدان الغذاء. ولذلك ظلوا مكبلين بقيود المستعمر الذي يتحكم فيهم من وراء البحار ويستأثر بثوراتهم لنفسه.

من غير المعقول أن تنجب إفريقيا ماجر، أبو تريكة، إيتو ميلا وويا و دروغبا وغيرهم من أساطين الكرة العالمية وحكما من أمثال حكم التماس في لقاء الجزائر وبوركينا فاسو.

إن مصيبة الأفارقة الكبرى هي التحكيم بكل مشتقاته وامتداده كالتخلف، الجهل، المرض الرق، العبودية، الحرمان، الذل، الهوان والرق، و ما هي إلا إفرازات طبيعية جدا لوضع غير طبيعي جدا، بل وضع شاذ هو “اللاعدل”. ولذلك فإن “ونستن تشرتشيل” قال لوزرائه وهو يتفقد منشآت ومرافق لندن الخربة بعد القصف النازي أنه ما دام جهاز العدالة بخير فسنعيد إعمار البلاد ونزيل آثار العدوان. هكذا يعمر العدل بلادا منكوبة وينكب “اللاعدل” بلادا عامرة، بل قارة شاسعة واسعة ثرية ويدق الأسافين بين أبناءها والعصي في دواليب نهضتها.

عبد الله الرافعي
21 أكتوبر 2013

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version