عندما طرح “صامويل هينتنغتون” نظريته العنصرية “صراع الحضارات” لم يكن يقصد مدلول ما توحي به بقدر ما ترجمته هذه النظرية التي كان لا بد أن تمهد لها نظرية “صهيوصليبية” سبقتها تهدف إلى تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ في الشرق الأوسط، بل في عموم العالم العربي الإسلامي. صاحبها هو ” بيرنارد لويس” اليهودي الأمريكي، وعلى ذكر الترابط بين فكر الصهيونية وآليات التنفيذ الصليبية لا يفوتنا هنا التذكير بيهودي فرنسي آخر هو “هنري ليفي” الذي أراد حرف الثورات العربية لتصب في صالح “الصهيوصليبية” وتحويلها من نعمة إلى نقمة.

هذه العقول الشيطانية المدبرة لم تكن وحدها التي تخطط وتحيك بل كانت تؤدي مهاما جزئية لبلوغ تجسيد نظرية أخرى لرجل يمثل ترابطا آخر طرفاه الوثنية البوذية و”الصهيوصليبية” الأمريكية، هو “فوكوياما” صاحب نظرية “نهاية التاريخ”. وقد تبدو للوهلة الأولى تعني شيئا من النبوة الدجلية التي يغذيها زخم تراث آسيا الشعبي الروحي، لكنها في واقع الأمر فكرة فرز عنصري مقيت تستهدف القضاء على الجنس الإسلامي (و لا أقول العربي)، وإخضاع ما بقي منه بإذابة فريق منه في فضاء أي حضارة غير الحضارة العربية الإسلامية، وتجنيد الفريق الثاني ليكون آلية تافهة في خدمة الأهداف الكبرى لهذه النظريات العنصرية من خلال تحويل هذا الفريق الثاني الى جنس بشري هجين أخلاقيا تحركه العمالة والعبودية كدين بديل عن الإسلام يقوم على هاتين القائمتين.

لكن ألا تبدو كل هذه النظريات والتخطيطات من “الصهيوصليبية” ووفق ما يخدمها دون سواها من العالمين؟ فما محل حضارات أخرى، أو لنقل قوى دولية أخرى كروسيا والصين مثلا من كل هذا؟ هذا السؤال يكون جوابه معروفا من تراثنا الاسلامي منذ 15 قرنا من الزمن ” الكفر ملة واحدة”.

المعركة بين الإسلام وخصومه هي معركة بين الحق والباطل، وهي معركة وجود. إذ لا حرب بين حقين. ولأن الحق ينتصر دائما والباطل يزهق ولو بعد حين. فإن أمريكا وعلى الرغم من أن الصراعات وقود استمراريتها والعداء مقوم وجودها، إلا أنها تعمل على إعادة “سيناريو” استيطان الأجداد من الرجال البيض على جماجم السكان الأصليين في العالم الجديد. وهم الذين أبادوا أكثر من 12 مليون هندي أحمر لبناء هذه القوة المدنية الهجينة الجبارة الباهرة. إنها مدنية جبارة من غير أي مقوم حضاري تتحرج أيما حرج من أي كيان له حضارة، بينما لا تريد أن يقاسمها في الوجود من له حضارة مرتبطة بالسماء (الإسلام). وهذه هي الفكرة الرئيسية التي تتوارى بنفاق “صهيوصليبي” وتقية مجوسية خلف أهداف وبين ثنايا مصطلحات العولمة الفضفاضة الرنانة.

فباقي الحضارات التي تمثل العمق الإنساني هنا وهناك فلا تضر بأمريكا لأنها باطل ضد باطل. ويمكن لصراع الباطل ضد الباطل أن يتخذ أشكالا عدة، وأن يحل بالباطل. لأن للحق وجه واحد وللباطل أكثر من وجه. فالحق الإسلامي جوهر وأباطيل غيره مظاهر تتغير تبعا للمصلحة ولا يمكن للقيمة أن تتعايش مع المصلحة.

والإسلام منظومة دينية ودنيوية تسمو وترقى بالمسلم إلى أعلى درجات الكمال البشري المقدور، فتخرجه من حياة البهائمية الحيوانية الى درجة الإنسان الصالح وترقى بنفس العبد إلى الصلاح المضبوط في علاقته بالخالق والمخلوق. أما عولمة أمريكا وباقي الحضارات التي تتحالف معها سرا وضمنا، وإن أبدت خلاف ذلك علنا وجهرا من حين لأخر، فترمي بالإنسان إلى مستنقع الحياة الحيوانية المادية وتغرق نفسه وعقله في الأتون الشيطاني. والدليل أن أمريكا صعدت بالإنسان إلى سطح القمر وهوت بالإنسانية إلى ما تحت الثرى. فالمدنية النفعية المادية الأمريكية تقوم على عقائد وسلوكات الانحراف اليهودي النصراني الذي عبر عنه القرآن الكريم في شأن اليهود في قوله تعالى على ألسنتهم لسيدنا موسى “لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها”، وعلى نهجهم سار حواري سيدنا عيسى القائلين”هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء …” وذلك هو الفرق بين حضارة الإسلام ومدينة غيره، أو قل حقيقة الإسلام وأباطيل أعدائه.

عبد الله الرافعي
كاتب صحفي ومحلل سياسي جزائري
26 أوت 2013

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version