لا يمكن أن ترى بين الناس من يغوص في قاع “الشوفينية” والابتذال تفاخرا ببلده كبعض النخب المصرية. وهاته الكائنات الطفيلية إلهها البطن الفرج، في سبيلهما تبيع كل شيء بدءا بالدين ونهاية بالوطن، مرورا بشرفهم ودم وشرف إخوانهم. وقد رأينا وسمعنا منهم – نحن الجزائريون – ما لم يقله مالك في الخمر أيام فتنة تصفيات مونديال 2010، حينما فجروا قنبلة دخانية هائلة بين الشعبين، لولا لطف الله ثم جهود العقلاء لاستوطن بينهما عداء دونه عداء الشعبين للكيان الصهيوني، وهو ما قصدوه فعلا. وفي كل تلك الفتنة ما كانوا في واقع الأمر إلا ظاهرة صوتية تقوم بحملة دعائية قذرة لتمرير مشروع التوريث لفائدة الفاسد العميل بن الفاسد العميل تميدا لمشروع ترقية الفساد والعمالة.

المصيبة أن طريق هؤلاء إلى العمالة وخدمة المصالح “الصهيوصليبية” كانت تمر عبر مطية الشعارات الوطنية والمآثر التاريخية والإنسانية المصرية واستحضارها في غير مقامها وتوظيفها لتحيق ما يناقضها. وبعد انهيار مشروع التوريث في ميدان التحرير على وقع هتافات “الشعب يريد إسقاط النظام”، بدلت الأفاعي جلودها لتذيق ألوان العذاب للشعب المصري. ولم يكتف هؤلاء المتحولون بأن ترجع مصر العظيمة إلى أيدي من اشتروها في 1978 من السادات بمقابل جائزة “نوبل” وإعانات تافهة ذابحة للكرامة المصرية، بل زايدوا على السادات ومبارك في تجارة المبادئ عندما باعوا في انقلاب 30 جوان ما بقي لمصر من قيمة وقامة ومكانة لأشباه دويلات قزمة في الخليج في مقابل أغراض زهيدة لا تتعدى إقامات أسبوعية في فنادق أمريكا الخليجية بعدما غلفوا هذه الخيانة العظمى بهالة من الشوفينية المقيتة.

هذا السلوك هو بالضبط ما عبر عنه المفكر الجزائري الكبير”مالك بن نبي” بـ”قابلية الاستعمار”. غير هذا الطابور الخامس “الخامج” بفعل تجارته التي ابتذل فيها وألبسها بردة “مكياج” تجميلي ممثلة في تلك “الشوفينية” الصفيقة ، حتى غدت – من كثرة ابتذالهم فيها – كمحاضرة شرف تلقيها “مومس”.

 إن هذا أقذر من قابلية الاستعمار التي هاجمها وحذر منها مفكرنا العملاق مالك بن نبي، إنها “قابلية الاستحمار” مع الاعتذار للحمير بانية الحضارات. لأن هؤلاء الشراذم معاول هدم للحضارة ومقوماتها وهم سبب تخلف الأمة، إذ لا يخلو منهم قطر واحد بما في ذلك بلد صاحب النظرية وكاتب هذه الأسطر. والدليل ما حدث بداية هذا الأسبوع من قبل بعض “الأماسيخ” الأشرار الذين يُحسبون على “الأمازيغ” الأحرار، حينما أقدموا على طعن الإسلام في شهر القرآن بانتهاك حرمته علنا جهارا نهارا كقطعان خنازير، معتقدين أنهم بسلوكهم هذا يدقون إسفينا بين العرب الفاتحين والأمازيغ العظماء لمراودة الصهيوصليبية الغربية وفتح ثغرة حرية العقيدة أمامها فتدخل على الخط لتفكيك بنية المجتمع الجزائري وضرب لحمته الوطنية عن طريق ما اعتقدوه جرأة ورجولة وشجاعة بتحديهم لدين الله وعرف المجتمع وسلطة الدولة. وهذه أيضا “شوفينية” عارية صورت لهم أنفسهم الخبيثة وعقولهم “المستحمرة” وخيالهم المريض أنها من مقتضيات حرية الأمازيغ. والأمازيغ أبرياء منهم، وقد ردوا عليهم ردا جميلا مفحما عندما نظفوا الزمان (رمضان) والمكان (تيزي وزو) من قذارتهم، بأن أقاموا إفطارا رمضانيا شرعيا وصلاة جماعية فيه. فهلا تعلم المصريون الشرفاء هذا الرد المفحم من إخوانهم الأمازيغ الأحرار وردوا على رؤوس الفتنة المصرية الشوفينية بنفس الأسلوب الحكيم؟

عبد الله الرافعي
8 أوت 2013

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version