بوتفليقة يغرق في الفساد

منذ أن إنطلق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في حملته الإنتخابية للعهدة الأولى، وهو يعيب على السلطة في الجزائر أنها لم تنجح في إقحام “رجال دولة” في تسيير أمور الجزائريين، وبخاصة في الحكومة، وانتظر السواد الأعظم من الجزائريين أن يُفاجئهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بأول تشكيلة حكومية سنة 1999 تتضمن غالبية من “رجالات الدولة”، وكانت المفاجأة كبيرة عندما قدم أسماء وزراء الحكومة التي قال عنها الراحل المرحوم بشير بومعزة رئيس مجلس الأمة الجزائري لأحد مقربيه وهو في حالة متقدمة من المرض، بأنها “تحوي 14 وزيرا، “أخلاقهم ولا بُدّ..” أي أنهم ليسوا ك “الرجال” ليس من الناحية السياسية وإنّما….”.

وبالفعل تداولت ألسن الجزائريين، تفاصيل حياة البعض من الوزراء وتاريخهم، وتعجب الكثيرون كيف أن الرئيس قد إستقدم هؤلاء الوزراء.. “حاشاكم” وصمت غالبية الجزائريين عن الجهر بانتقاداتهم لهؤلاء، لكنّ أن يستقدم الرئيس عصابة للسطو على أموال وثروات الجزائريين فهذا ما لا يمكن الصمت عليه، وبالفعل، تعالت بعض الأصوات للتنديد بما يحصل، والتحذير من كارثة الإستمرار في سياسات النهب والفساد والإفساد، رغم قلّة عدد روادها، وتعرّضت بالتالي لكلّ أشكال التحرّش والإنتقام لإسكات صوتها، وكنت آنذاك شابا لا يتعدّى سنه 18 سنة، أي بالكاد وصلت إلى سنّ الرّشد، لكن لحسن حظّي أنني كنت قريبا جدا لوالدي رحمه الله المجاهد جمال الدين حبيبي، الذي كثيرا ما سمعت منه مباشرة وهو يتحدّث مع بعض رفقاء سلاح الثورة، بأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سينقلب على المُخلصين وعلى الجزائر ككُلّ، وسيُوجّه “سيف الحجاج” كما كان يتغنى بذلك، لقطع رؤوس من يُدافعون عن الجزائر وسيادتها، ويقفون في وجه الفساد والمُفسدين، وكان لي الحظّ أن سمعته يقول للمجاهد المعروف “محمّد زحّاف” بأن “عبد القادر” أي عبد العزيز بوتفليقة، سينقلب على كلّ المُخلصين وسيقطع رؤوسهم، حتّى يخلو له الجوّ ويفعل ما يشاء، وهو نفس الكلام الذي نقله المجاهد زحاف لرئيس الحكومة الأسبق عليّ بن فليس، والذي علّق عليه في حينه بأن جمال حبيبي لا يفقه حقيقة ما يحصل، لكنّ بن فليس بعد ذلك وبعد أن إشتغل عن قرب مع بوتفليقة أقرّ بأن المرحوم جمال الدين حبيبي كان على حقّ فيما قاله، وبرأيي أنّ بن فليس ما تقدّم إلى الإنتخابات الرئاسية سنة 2004 إلا بعد أن تأكد بأن بوتفليقة وحاشيته يقودون الجزائر إلى الهاوية، وكم أتمنّى أن يُميط السيد عليّ بن فليس اللثام عمّا عاينه من أوضاع وهو قريب من الرئيس بوتفليقة.

لأنني أعلم علم اليقين أن المُجاهد جمال الدين حبيبي رحمه الله هو الوحيد الذي عرّى فضائح بوتفليقة وحاشيته وعلى رأسهم الوزير الهارب شكيب خليل، في مقالات عديدة نُشر أحدها سنة 2008 تحت عنوان “مداخيل بالملايير لدولة النادي في الجزائر”، فقد قالها صراحة بأن هذه الثروات الهائلة التي تأتينا من مداخيل البترول، لا تُوجّه لخدمة مصالح الجزائريين، وإنّما، للسهر على رفاهية أعضاء “دولة النادي” وكان يعني به نادي الصنوبر، أو محمية المسؤولين في الجزائر، هذه المحمية التي أتذكر كيف أقام فيها والدي رحمه الله على مضض، وكنت دائما أرفض أن أدخلها، إلى أن قرّر والدي تطليقها وإلى الأبد، بعد أن فجّر ملف التهريب الدولي للمخدرات في الجزائر، وطلّق من وراء ذلك الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وحاشيته، سنة 2001، رغم كلّ الإغراءات، والضغوطات، وحتى الإتصالات التي أجراها معه رئيس ديوان رئاسة الجمهورية آنذاك العربي بلخير، ورئيس مجلس الأمة الحالي عبد القادر بن صالح، فقد سمعت من المرحوم كيف ردّ على عبد القادر بن صالح وبصريح العبارة “بأن العاصمة التي يتواجد فيها مسؤولون “حاشاكم” لن تطأها قدمي”، لقد راعني ما سمعته، وبحكم صلتي القريبة من والدي جمال الدين حبيبي، تجرّأت وسألته، كيف تترك كلّ المزايا ومكانتك في مجلس الأمة “رئيس الكتلة الرئاسية في مجلس الأمة”، وتعود إلى مدينة وهران؟ فكان أن أجابني بأنه غادر محمية الفساد، حتى لا يكتب عنه التاريخ أنه تواطأ مع المُفسدين والغارقين في الفساد من حاشية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهو إبن أسرة ثورية، وإبن القائد الثوري “سي الميلود حبيبي” الذي باع أملاكه لنُصرة الثورة، وكان من الأوائل الذين هبّوا للجهاد في فلسطين سنة 1948، وهنا تجرّأت وسألته، لماذا ناصرته أي عبد العزيز بوتفليقة في العُهدة الأولى، فكان جوابه، “كنت آمل أن ينسى خطاياه في الماضي ويتوجّه لخدمة الجزائر ولأجل ذلك واجهت الحملة التي قادها الجنرال خالد نزّار ضدّ بوتفليقة، لكن وأمام الكوارث التي تسبّب فيها بوتفليقة إعتذرت لخالد نزار وقلت له بصراحة، لقد كنت على حقّ في كلّ ما قلته عن بوتفليقة، فالرجل خدعنا جميعا وخدع الجزائر”.

واليوم، وأمام ما نراه من تفجّر لقضايا الفساد في المُحيط الضيّق للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والذي كان وراء تفجيره جهة مُخلصة للجزائر، راعها ما وصلت إليه البلاد من خراب وتدمير، لا يُمكننا إلا أن نجزم، بأن الرئيس بوتفليقة وليس حاشيته فقط، غارق في الفساد، هذا الفساد الذي أوهمنا منذ سنة 1999 بأنه هو أول من سيُحاربه، ويقضي عليه ب “سيف الحجّاج”، فإذا به يتحوّل وربّما دون وعي، إلى الرّاعي الرسمي للفساد ف الجزائر، ولنا في فضائح سوناطراك، والطريق السيّار، والصحة والفلاحة ..ألخ.. خير دليل على ذلك.

زكرياء حبيبي
28 أفريل 2013