هل تم حقا القضاء على مختار بلمختار، المدعو الأعور، أم لا زال حيا يرزق؟ الصورة تظل غامضة رغم الحديث المسهب عن هذه المسألة وعرض بعض الصور التي لم تزد في الأمر سوى تعقيدا، خاصة بعد بيان الجيش التشادي الذي تحدث عن قصف القوات التشادية موقعا جبليا يتحصن فيه عدد كبير من المسلحين ومن بينهم زعيمهم مختار بلمختار ليؤكد من خلاله مقتل بلمختار، ثم إعلان الرئيس التشادي، إدريس ديبي، مقتل عبد الحميد أبو زيد على أيدي الجنود التشــــاديين. لكن فور ذلك تهاطلت البيانات المتضاربة، منها من يكذب الخبر كالذي ينسب إلى موقع ”القاعدة”، أو من يتحفظ مثل باماكو وباريس والجزائر.

بغض النظر عن حقيقة وجود مختار بلمختار من عدمه إلاّ أن حديث الصحافة الجزائرية عنه يدفع إلى استنتاج تدافع تيارات داخل الأجهزة الأمنية التي تتحكم في هذه الصحافة وتدفع إليها بالتقارير حسب ما يخدم مآربها. حتى الآن المسألة ليست وليدة اليوم، استخراج في كل مرة الأشباح، رياضة مفضلة، ومادة دسمة عند الكثير من وسائل الإعلام الجزائرية المعروفة بعملها الوثيق مع أجهزة المخابرات ، خاصة في تغطية أنشطة و’مكافحة الإرهاب’، إلى حد جعلت البعض يرى في هذه التقارير الصحافية محاضر بأتم معنى الكلمة، يتم صياغتها في مركز بن عكنون، أو بإيعاز منه، الأمر الذي يؤكده الصحافي أحمد سميان الذي عمل في يومية لوماتان قبل أن يغادرها، حيث قال في كتابه: ‘رأيت صحافيين ينشرون بيانات كاذبة يكتبها لهم أصدقاؤهم من مصالح الاستخبارات ثم ينسبونها في يوم الغد إلى الجيا، بينما يعلمون علم اليقين أنها بيانات كاذبة’، وفي هذا الصدد معروف أن السلطات الجزائرية، وجهاز المخابرات على وجه التحديد، صاحب القرار، نادرا ما يدلون بتصريحات أو مواقف، ويتركون بشكل شبه كلي هذه المهمة لهذه الوسائل الإعلامية ‘المستقلة’ التي تحدث عنها السيد احمد سميان في كتابه ‘في حماية الرصاصات الطائشة’.

وأخطر ما في الأمر أن هذه الصحف لم تكلف نفسها عناء قراءة ما دبجته فيما مضى حول نفس القضايا تفاديا للتناقض، علما أن الصحافة الجزائرية قد أعلنت مقتل بلمختار أو إصابته أو دخوله في مسعى المصالحة وخروجه منها مرات عدة، وفي كل مرة ينسى كتّاب التقارير الكاذبة ما قالوه ليظهروا مجددا بأساطير زائفة متناقضة. دون أن ننسى أن المخابرات الجزائرية قد استعملت خبر الإعلان عن موته تارة وقتله تارة أخرى أو استسلام بلمختار عشرات المرات عبر توابعها الإعلامية ضمن حملة مركزة هدفها الترويج لسلعة الإرهاب في الساحل وبأنها تتحكم فيها أمام أعين الدول الغربية. زيادة على ذلك فإن جماعة بلمختار تم تفكيكها عدة مرات حسب ما ورد في الصحف الجزائرية العليمة المكلفة بتغطية تفاصيل ما يدرجونه تحت اسم ‘الإرهاب والإرهابيين’، وهي التي أفادت بأنه تم القضاء على جماعة بلمختار في صيف سنة 1996 ثم في صيف 2004 ثم في شتاء 2005، فضلا عن كون أن العناصر الرئيسية من جماعته تخلت عن السلاح تحت شعار المصالحة خلال السنوات الأخيرة وأصبحوا من أنصار مشروع المصالحة.

إذن إذا صحت رواية قتل بلمختار على يد الجيش التشادي (وهنا ليس المقصود تأكيد الخبر أو نفيه، لأن الأمر كان وسيبقى غامضا ومعقدا لعوامل شتى، ذات أبعاد دولية وإقليمية ومحلية، وخاصة أن ملابسات القضية متداخل ومن السذاجة لأي كان الفصل فيما جرى)، إذن في حالة تأكد خبر قتله، قد يكون ذلك بمثابة فضيحة تكشف عجز المخابرات والجيش الجزائري، الأقوى عددا وعتادا و’خبرة’ في المنطقة، الذي يتباهى بخبرته العسكرية في ما يسمـــيه بمكافحة الإرهاب وتسويق نفسه دركيا للمنطقة، بينما الجيش التشادي المتواضع يكون قد أفلح في بضعة أيام في تحقيق ما عجز عنه نظيره الجزائري في عقدين!

لكن ربما لا يكون الأمر عجزا، لأنه من غير المستبعد أيضا أن عملية قتله إذا صحت، يكون لمديرية الاستعلامات والأمن (دي ار اس) يدا فيها من أجل تصفية الشهود ومحو أثر الذين استخدمهم في مخططاته لمدة طويلة في المنطقة، خاصة وقد بدت إشارات خططه القديمة تنهار في ظل المستجدات العالمية والإقليمية، خصوصا إذا عرفنا مدى تأثير وتواجد ونفوذ جهاز الدي ار أس على مستوى حكومات دول الجوار مثل التشاد، ومالي، والنيجر.

وليس خفيا أن القيادات العسكرية وأجهزة المخابرات المنخرطة في مكافحة الإرهاب في الساحل (طبعا هذا هو الهدف المقدم علنا لتبرير تواجدهم في المنطقة، أما المبررات الجيو إستراتيجية والاقتصادية، لا يذكرونها ببنت شفاه)، ومنها المخابرات الجزائرية، تعرف جيدا هويات ‘الإرهابيين’ والمجرمين الحقيقيين وأماكن تواجدهم ومصادر تموينهم ولكنها غير راغبة في محاربتهم إلا بالقدر الذي يمكنها من توظيفهم لفرض الأمر الواقع المر على المجتمع والدولة معا. وفي كل الحالات سواء كان عجزا منها أو بتورط من جانبها فقد ثبت فشل وفساد الأجهزة المخابراتية في الجزائر على كافة الأصعدة، الأمر الذي قد يفسر ارتباكها الأخير وتحركاتها الغير متوازنة.

د. رشيد زياني شريف
عضو المجلس الوطني لحركة رشاد، الجزائر
8 مارس 2013

تعليق واحد

  1. Abdelmadjid بتاريخ

    القضاء على مختار بلمختار
    بسم الله

    أظن أنّ القضاء على مختار بالمختار أمر واقعي لا مناص منه و أُضيف إلى هذا أنّ الأمر قد تمّ بتعاون جزائري-فرنسي ” طبعا هذا إذا استثنينا فرضية كون مختار بالمختار عميل مُزدوج لا يزال على قيد الحياة و قد استدعي لمهام أُخرى”

    لماذا أقول أنّ الأمر قد تمّ بتعاون جزائري-فرنسي لأنّه ببساطة لا أحد يعرف مقالب الإرهابي المذكور سوى الجزائر و بما أنّ بلدي الحبيب المُتجسّد في رجال الظل الذين يفعلون و لا يقولون و حدّهم الأدنى من القوّة, لا يجرؤن على قول الحقيقة التي ستجعل الشعب ناقما عليهم و ليسجّلوا براءتهم من صناعة و إنهاء ما يُسمّى بالإرهاب, أمّا فرنسا فقد حقّقت بعض مقدّمات الإنتصار في التجدر في منطقة الساحل من أجل يورانيوم …طبعا ارتأت فرنسا أن تُهدي هذا الإنتصار إلى تشاد لتُروّح عن الدول غرب إفريقيا لتشجّعهم و توهمهم بالقوة و المُشاركة الفعالة التي ليست في حقيقة الأمر إلا حفلا إفريقيا راقصا لإبادة عرقية دينية…

    لا يمكن فهم المخابرات الجزائرية بشكل واضح فربما علينا دراسة مؤسسها الذي تمنينا أنه لو كان قد كوّن جيلا جديدا من ذوي الأصل و الشهامة الجزائرية و ليس من أكادميات فرنسية,روسية و ألمانية بائسة صانعة للفشل و كان بودنا لو عرفنا سبب انسحاب بوصوف من حكومة بومدين- رحمهما الله- و خلفيات اغتيال بوصوف أقوى رجل في المخابرات الجزائرية…أرى شخصيا أنّه ابتداء من هذه التساؤلات و مثيلاتها يمكن إخراج الصوت من أفواه البكم.

Exit mobile version