قدّمت هذه المشاركة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الانسان من تنظيم المفوضية السامية لحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة. بفندق انتاركونتينونتال بالقاهرة مصر يوم 23 ديسمبر 2012.

لقد أحدثت التطورات المتسارعة التي وقعت في المنطقة العربية منذ عامين زلزالا هائلا لم تحصى درجة قوته ولا مدى تأثيره بعد، والتي فاجأت أغلب المتتبعين والمراقبين في كل أنحاء العالم وهذا بعد السابقة الرمز، المتمثلة في الهروب المفاجئ لرئيس عربي من بلده لاجئا إلى دولة أخرى تحت ضغط ووقع احتجاجات سلمية متواصلة لانتفاضة شعبية عارمة تنادي برحيله.

والأكيد في الامر هو أن هذه الاحداث قد فتحت بابا للأمل في طي صفحة مظلمة من التاريخ العربي الحديث، تميز بالسيطرة المطلقة لحكام دكتاتوريين ومستبدين على شعوبهم تحت ذرائع وشرعيات مختلفة تارة باسم الدين أو الطائفية أو العصبية القبلية وتارة أخرى باسم الايدولوجيا أو الشرعية الثورية أو الشرعية التصحيحية (الانقلابية) واعتبرت الشعوب بمثابة الاتباع أو القصر أو المحجر عليهم وحرم المواطن في اغلب تلك الدول من أبسط حقوقه وانتهكت كل حرياته حتى الاساسية منها.

ولتحقيق ذلك استعملت الانظمة المستبدة استراتيجيات وتخطيطات مدروسة ونمطية وإن اختلفت في طرق التنفيذ وأولويات الوسائل من دولة إلى أخرى بسبب اختلاف التركيبة البشرية ودرجة وعي المواطن:

1ـ التخويف والتهديد: كان هو السائد سابقا ويمارس على نطاق واسع بواسطة القمع والتعذيب وتنفيذ الاغتيالات السياسية في حق المعارضين والنشطاء الحقوقيين وانتهاء بالتصفية العرقية ضد الاقليات التي لا تطالب بحقوقها مثل الاكراد في العراق وقت حكم صدام حسين. وقد تأقلم الحكام المستبدون مع التطور الاعلامي والعولمة فصاروا يستعملون وسائل أقل إثارة للانتقاد، مثل المضايقات والمراقبة البوليسية مستعينين بجيوش من المخبرين الرسميين وغير الرسميين المزروعين في جميع مفاصل المجتمع وبالمتابعات القضائية والزج في السجون لأي معارض أو منتقد بعد فبركة القضايا والتهم ضده، أو بنزع الجنسية في بعض الدول خاصة الخليجية منها.

2ـ الترغيب: بشراء الذمم بالمناصب والامتيازات للنخب السياسية والطبقة المثقفة وتجار الدين، لضمان ولائها للحاكم من جهة ومن جهة أخرى نشر خطابه ودعاياته وتزيين واجهته وتبرير أخطائه ومن ثم إبعادهم وعزلهم عن باقي عامة الشعب (الغوغاء).

3ـ الفساد: تعميم الفساد بتقنين الرشوة لخلق طبقة واسعة من المستفيدين من الوضع وحمايتهم من المحاسبة بالاستفادة من اللاعقاب، سواء كانوا موظفين في مختلف الادارات أو في جهاز القضاء أو مهيكلين في الاسلاك الامنية أو في الجيش، ليكونوا من أشد المدافعين عن النظام.

4ـ التجهيل: التجهيل يكون إما بصفة عامة وهذا بفرض منظومة دراسية وتعليم عمومي رديء تخرج أجيالا من أشباه مثقفين حاملين للشهادات، أو يختص التجهيل والمنع بالثقافة الحقوقية والقانونية، مما يساعد بمرور الزمن شرائح من المجتمع لا تفكر ولا تطالب بحقوقها وبحرياتها لأنها لا تعرفها أصلا، ضيقة الافق عديمة الاطلاع، سهلة الانقياد لمختلف التخطيطات والتوجيهات حتى إلى الشيء ثم إلى ضده، لا تعترف بالاختلاف وتكره الآخر الذي لا يتطابق معها، مما يساعد الحاكم على تطبيق كل نزواته ورغباته.

وبسبب ذلك كله وبمرور الوقت لم يبقى لتلك الشعوب من الحريات والحقوق إلا ما يسمح به الحاكم الاله وقت ما يشاء! فكانت الشعوب مغيبة تماما عن المشاركة في تسيير أبسط شؤونها ناهيك عن القرارات المصيرية والإستراتيجية المستقبلية.

 وقد كان للتطور الهائل في المجال التقني والرقمي والإعلامي الاتصالات دورا أساسيا في نجاح هذه التحولات العظمى خاصة أنها جاءت في زمن العولمة بعد سقوط جدار برلين وانتهاء مرحلة الحرب الباردة والثنائية القطبية التي كانت بمثابة وسط حاضن للأنظمة الديكتاتورية التي تجد الدعم والسكوت عن ممارستها الاستبدادية والقمعية بمجرد اعلان انتمائها لأحد المعسكرين.

 وقد فرضت هذه الاحداث واقعا جديدا في مختلف الدول العربية وتبعته تحولات تاريخية عميقة وجذرية سياسية واجتماعية، بدرجات متفاوتة وبطرق مختلفة ابتداء من تونس مرورا بمصر ثم ليبيا، اليمن، سوريا، البحرين، الأردن، الجزائر، المغرب والقائمة تبقى بالضرورة مفتوحة للجميع…

وبعد مرور حوالي العامين على بداية هذه الثورات المباركة ونجاحها في بعض الدول التي أدت إلى تغيير كلي أو جزئي للأنظمة السابقة، سيكون للنشطاء الحقوقيين والقوى الحية في المجتمع من إعلاميين ونقابيين وخاصة المنتخبين الجدد في الدول التي نجح فيها التحول الديمقراطي دورا أساسيا في العمل على إنجاح هذه التغييرات الايجابية وضمان استمراريتها على المدى الطويل وهذا بتحقيق وتجسيد خارطة الطريق التالية:

1ـ إدماج ومشاركة كل المواطنين في هذه التحولات الجديدة وهذا بتوعية المواطن في مختلف الدول العربية ـ سواء لحقها التغيير أم ما زالت ترزأ تحت الانظمة الديكتاتورية ـ بضرورة معرفة الحقوق والمطالبة بها والحريات والتمتع بها، مع نشر مبادئ التسامح وتقبل الآخر في اختلافه لنزع الاحتقان والأحقاد القديمة بين أفراد الشعب الواحد التي زرعتها الانظمة المستبدة في الدول العربية بسبب نهجها عن قصد لسياسات الاقصاء والتهميش والممارسات العنصرية في مجتمعات تتميز بالتنوع العرقي والطائفي والدين وهذا لإدماج جميع مكونات الشعب في مسار التحول الديمقراطي وضمان مشاركتهم الفعلية والفعالة في القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون أن يكون العرق أو اللون أو الانتماء الديني أو الطائفي عائق لطرف وامتيازا للطرف الآخر.

2 ـ ضرورة إشراك المواطن عن طريق استشارات فعلية تدريجية موسعة من القاعدة إلى القمة في جميع التخطيطات والاستراتيجيات.

3 ـ احترام صوت المواطن وهذا بضمان اختياره لممثلين عنه في كل درجات الحكم بكل حرية وشفافية.

4 ـ التجسيد الفعلي لدولة القانون وهذا بتكريس الاستقلال التام لجهاز القضاء عن السلطة التنفيذية والتشريعية وبسن القوانين ووضع الآليات لضمان تمتع المواطن بكل حقوقه وكل حرياته خاصة الحق في التعبير، ومعاقبة كل من ينتهكها وكذلك متابعة ومحاسبة المسؤولين في جميع القطاعات والسلطات، مهما كانت مستويات مسؤولياتهم في حالة ارتكابهم لأخطاء أو مخالفات.

وبهذه الطريقة سيكون التحول الديمقراطي في دول المنطقة العربية أكيدا وراسخا ويصل إلى نقطة اللارجوع وسيفتح الباب على مصراعيه للمشاركة الفعلية لجميع مكونات الشعب في صنع القرار السياسي، الضامن الوحيد للاستقرار وبناء الثقة بين الحاكم والمحكوم ومن ثم خلق الظروف المواتية لتنمية سريعة ومستدامة في جميع المجالات، للحاق بركب الدول المتقدمة المزدهرة والمستقرة.
 
فخار كمال الدين
23 ديسمبر 2012

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version