حالة هستيرية عاشتها العديد من وسائل الإعلام المُقاولة للقوى الإستعمارية الجديدة، قبل وأثناء وبعد انعقاد الدورة السادسة عشر لمنظمة دول عدم الإنحياز المنعقدة بطهران، فالشيطان العالمي الأكبر، حاول بكلّ الوسائل إفساد هذه القمة العالمية التي حضرها ثلثا دول العالم، وراهن على غياب القيادات من الصف الأول عن القمة، وعلى رأسهم الرئيس المصري على اعتبار أن دولته هي الرئيس السابق للمنظمة، وكلّ ذلك لتقزيم دورها، والحؤول دون اتخاذها لقرارات تُعاكس رغبة الشيطان الأكبر المتمثل في أمريكا وإسرائيل ودول الغرب الإستعمارية ومن يسير في فلكها من الحُكام العربان، لكن طهران وبدبلوماسيتها الهادئة والمُتزنة، أفسدت هذه المُؤامرة، ونجحت حتى في الحصول على موافقة دول العُربان على البيان الختامي للقمة الذي يدعو إلى إيجاد الحلول السلمية للنزاعات في العالم بما فيها الأزمة السورية، ورفض التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول.

هذه الموافقة التي تمّت بالإجماع على قرارات قمة طهران، عرّت الوسائل الخبيثة وغير الأخلاقية التي كانت تعتمدها أمريكا وأمراء الخزي والعار من السعوديين والقطريين لشراء ذمم الدول، ومواقفها إما بممارسة الضغط أو تقديم العطايا المالية الكبيرة، ففي طهران، لم تتوفر للعربان الظروف المناسبة للسمسرة بالبيع والشراء، فكان أن خرجت المواقف الدولية مُعبّرة عن قناعات شعوب دول عدم الإنحياز، المنحازة للشعوب ومصالحها، بعكس ما كان يحدث في الأمم المتحدة حيث نجح آل سعود وأمراء دُويلة قطر في شراء الغالبية الكبرى من الأصوات، لإدانة سوريا وخنقها، وهذا بحدّ ذاته يدعو إلى القيام بمُراجعة جذرية لكلّ القرارات التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان لأنه من غير المنطقي، أن تصدر قرارات بالأغلبية في الأمم المتحدة، وبعدها يتفق ثلثا دول العالم على قرارات مخالفة بل ومُناقضة لها، التفسير الوحيد لحالة التناقض هذه هي أنه في الأمم المتحدة تجد العديد من البلدان نفسها فاقدة الإرادة، بفعل ما ذكرناه عن الضغوط والممارسات التجارية الدنيئة، لأن أي عاقل لا يمكنه أن يتصوّر بأن إيران مارست ضغوطا أو إغراء على الدول المشاركة، ما دام أن القطريين والسعوديين أنفسهم وافقوا على قرارات قمة طهران، وحتى مصر التي هاجم رئيسها مرسي النظام في سوريا من على منبر منظمة دول عدم الإنحياز لم تعارض قرارات المؤتمر ولم تُعقّب عليها، وهذا برأيي لا يمكن تفسيره سوى بأمرين لا غير، وهما أن بعض الدول كمصر، جارت في خطابها مواقف أمريكا وإسرائيل، وقطر والسعودية، لكنها فعليا تبنّت موقفا مؤيدا للإجماع الدولي، القاضي بحلّ النزاعات بالطرق السلمية وبإدانة أي شكل من أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والأمر الثاني هو أن الدّول المُقاولة للمشروع الأمريكي الصهيوني، لم تقوَ على اللعب بنفس الأدوات الرخيصة في مؤتمر يجمع ثلثي دول العالم، ممّن انتفضت منذ عقود ضدّ القطبية الواحدة، واختارت الإنحياز للحق، والشرعية الدولية، فكلّ البلدان المُقاولة للشيطان الأكبر، كانت على يقين بأن منظمة عدم الإنحياز لن تكون –وخاصة وأن مؤتمرها ينعقد بطهران– مطية لتبرير أي عدوان على أية دولة عضو في هذه المنظمة، فهذه المنظمة وبإرثها التاريخي والعقائدي، من المُستحيل أن تتواطأ مع العُربان ومن يقودهم من الصهاينة والأمريكيين، فالمؤتمر وفي بنوده، أقر حق الفلسطينيين في التحرر من الإحتلال الصهيوني، وبحقّ الجولان المُحتل في العودة إلى وطنه الأم سوريا، وهذا بحدّ ذاته يُشكّل صفعة للعربان، وقوى الإستعمار الجديد.

ما يُمكنني أن أقوله في هذا المقام، هو أنه قد حان الوقت لإعادة ترتيب البيت الدولي، وتخليصه من الهيمنة الصهيو أمريكية، التي حوّلت الأمم المتحدة إلى أداة لبسط أشكال جديدة من الإستعمار، كما كان الشأن مع عُصبة الأمم التي شرعنت الإستعمار وأمدّته بالسند القانوني الدولي، فالظاهر أنه بعد مؤتمر قمة دول عدم الإنحياز في طهران، أن خريطة جديدة بدأت ترتسم لما يجب أن يكون عليه النظام العالمي الجديد، وأظن أنه في ظلّ الإستفاقة الكبيرة التي سجّلتها الصين وروسيا ودول البريكس، لا يُستبعد أن تتغيّر موازين القوى في هذا الإتجاه، وللتاريخ نشهد، أن ما يحدث في سوريا، وحدث في أفغانستان والعراق والصومال والسودان وغيرها من الدول، كان له الفضل الكبير في إعادة تشكيل الوعي العالمي الجديد، الذي سوف يزعزع لا محالة توازن قوى الإستعمار الجديد وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل، بل وسيفتح المجال واسعا، لخروج العديد من الدول من الطوق الإستعماري المضروب عليها، وما دام أن سوريا تحوّلت اليوم إلى ساحة رئيسية لهذا الصراع العالمي الجديد، فلا أنتظر سوى أنها –وبرغم ما لحقها من خسائر- ستتبوأ مكانة رائدة في النظام العالمي الجديد، سيمكنها من تخليص العديد من الشعوب العربية، من الهيمنة الصهيوأمريكية، ومن تسلّط الأسر الحاكمة التي استباحت عرض وشرف العروبة، وتحوّل أمراؤها إلى خدم وعبيد لأسيادهم الصهاينة والأمريكيين، بل إنه وللأسف الشديد، رهنوا مستقبل شعوبهم، بتصدّيهم لكل محاولات التنمية والعصرنة، بما يضمن بقاء هذه الشعوب كحيوانات الإسطبل، تأكل لتسمن فتُذبح….

زكرياء حبيبي
4 سبتمبر 2012

تعليقان

  1. Abderrachid بتاريخ

    غباء العربان وقادة الحركات الإسلامية
    http://www.syriatruth.org
    مع الاسف يبدو اننا في الجزائر مصابين بقصر الذاكرة ان لم اقل انعدامها…إن الإخوان المسلمين الذين و قفوا مع النظام الجزائري المجرم في التسعينات عندما فعل في الشعب الجزائري ما لم يفعله نظام سوريا…راجعوا الارشيف …. لقد لاموا الشعب الجزائري و اتهموه بكل النعوت من متهور إلى ممارس للعنف …. ولاموننا على رفع السلاح ضد المجرمين في الجزائر… رغم ان الفيس فاز بطريقة شرعية و نزيهة …. وهاهم الإخوان المسلمون الآن في سوريا رفعوا السلاح وتعاونوا مع الغرب وراحوا يقولون انهم يحاربون نظاما ديكتاتوريا و هم يدافعون عن انفسهم؟؟؟؟؟ سبحان الله حلال عليهم حرام علينا…. فقتالهم جهاد و قتالنا إرهاب؟؟؟؟ اتعرفون لماذا؟؟؟ لان الذين فازوا في الجزائر لا ينتمون إلى تنظيمهم….و قد اخذوا صفرا في الجزائر فلذلك انتقموا من الشعب ووقفوا مع المجرمين؟؟؟؟ اما الآن فامريكا و الغرب يريدون ان يوصلهوهم إلى السلطة على ظهر الدبابة؟؟؟؟ وهم يعرفون ان الشعب السوري لن ينتخبهم فلذلك يرفضون الحوار….وستكون نهايتهم مثل نهاية المسلحين في الجزائر ….لانهم اغبياء لا ياخذون العبرة من التجارب التي سبقتهم….. إن العنف و السلاح يخدم انظمة الطغيان و الاستبداد و لقد سقطوا في الفخ … و ها هو الشعب السوري ينتفض ضدهم بعدما قامت الجماعات الإسلامية المسلحة المخترقة من الموساد و السي اي آي …بالجرائم و المجازر و قد تركها النظام عمدا ؟؟؟؟ فلاتصدقوا ابواق مشايخ البرودولار في السعودية وقطر….
    http://www.youtube.com/watch?v=sFF-mVEAe3w

    http://www.youtube.com/watch?v=YqPbKKx4h9Q&feature=relmfu
    http://www.youtube.com/watch?v=5D_30AyvzY8&feature=related

  2. Abdelkader Dehbi بتاريخ

    L’avant-garde de l’antéchrist
    اللهم أرنا الحقٌ حقا… وأرنا الباطل باطلا… وارزقنا البصيرة والتبيان… وقنا شرٌ المبشرين بالمسيح الدجال، وطليعته الشيطانية الخبيثة، المحترفة بصناعة الإفك والتضليل وتلفيق الكلام ؛ من أولئك الذين استحبٌوا العمى على الهدى، والمذلة في خدمة العباد على العزة في طاعة ربٌ العباد.

Exit mobile version