يتصاعد الحديث هذه الأيام عن حزب غول الجديد، بل تحول إلى حديث العام والخاص. وفي هذا السياق استضافت أحد القنوات الفضائية من قالت أنه محللا سياسيا، وهو شخص مقرب من حمس مقيم في لندن. راح هذا الضيف يحلل ويستقري مستقبل الجزائر في ظل حزب غول الجديد. ما يستوقف المرء في كلام هذا الضيف هو قوله أن غول سيكون أردوغان الجزائر  وأن حزبه  “تاج ” هو من سيحقق ربيع الجزائر!

أولا، عجيب أمر هذا الربيع الجزائري الذي طال انتظار الكثيرين له. فلقد قالت لنا حمس أن ربيعنا سيكون في عشرة ماي وسيكون أخضر، ولكن لم نعش لا ربيعا ولا أي فصل آخر، بل موتا حراريا وقحطا سياسيا لا نظير له. إلا أن هذا التاريخ كان حتما خريفا عصفت رياحه ببيت ما بقي من حزب نحناح.

واليوم هاهو هذا الضيف الثقيل يبشرنا ليس بالربيع فقط بل بنهضة كنهضة تركيا ويعدنا أن غولنا سيكون أردوغان الجزائر.

لقد حاولت أن أستسيغ كلام هذا الضيف وكذلك ما يتداول في الإعلام من حملة تلميع للسيد غول وتمجيد لإنجازاته  فوجدت أن المسألة  تتلخص  أساسا فيما يسمى بالطريق السيار شرق-غرب. لهذا أجد من الضروري إلقاء بعض الضوء على حقيقة هذا الانجاز الذي ينسب لغول ولعهد بوتفليقة.

أولا أجد أنه من العار أن يتكلم الجزائريون اليوم وبعد خمسين سنة من الاستقلال عن  بضعة مئات من الكيلومترات من  طريق سيار، على الرغم من أن جارتنا الشرقية تونس والغربية المغرب يمتلكان طرقا سريعة منذ عقود وهي دول لا تمتلك لا غازا ولا بترولا.

فالمغرب تمتلك شبكة طرق سريعة طولها 1500 كلم وسيصل هذا الطول 1800 كلم بحلول 2015، وإذا أخذنا بعين الاعتبار مساحة المغرب الصغيرة فإننا نجد أن هذه الشبكة تغطي وتربط معظم مدن المغرب. أما تونس فهي تملك شبكة يصل طولها لحوالي 500 كلم وستزيد بحلول 2014 وهي الدولة التي لا تزيد مساحتها عن مساحة بعض ولايات الجزائر.

أما إذا قارنا الأمر بالطرق والبنية التحتية  في الخليج فأننا سنخجل. وعلى الرغم من ذلك فإن دول الخليج كلها تصنف من دول العالم الثالث، وهنا لا أدري هل يدرك السيد غول السبب وراء هذا التصنيف أم لا؟
 
ثانيا، أمر أنجاز طريق سيار  في حالة توفر غلاف مالي لا يعدو كونه  مجرد تكليف لمجموعة من الشركات بإنجاز المشروع، وبما أن المال  هو مال الريع  ويأتي من قاع الأرض والشركات أجنبية، فإن المعيار الوحيد الباقي  لقياس  نجاح الوزارة أو الحكومة في هذا الإنجاز هو الإشراف عن إنجازه بشكل صحيح دون تبديد للمال العام أو سرقات وبمعايير عالمية وفي إطار الحاجز الزمني المخصص له، وهذا ما لم يتم كما يعلمه العام والخاص.

  فتاريخ تسليم المشروع كان من المفترض أن يكون في جانفي 2010  وليومنا هذا مازالت الإشغال مستمرة وفي كل مرة يتم التمديد  بحجج مختلفة، مرة بحجة التقلبات الجوية ومرة بالأشغال الإضافية..إلخ، وهناك إجماع أن المشروع لن يكون جاهزا قبل 2014، وللإشارة فإن عمليات الترقيع بدأت قبل أن يتم من الانتهاء من الأشغال بسبب التشققات والإنزلاقات وسوء الإنجاز.

ثانيا، حسب العديد من التقارير الصحفية والمختصين فإن تكلفة المشروع لن تقل في نهايته عن 30 مليار بعد إنجاز نقاط الدفع والمخارج والإشغال الإضافية التي تزيد يوما بعض يوم، على الرغم من  أن الغلاف المالي المخصص هو 11 مليار حسب الدراسة الأولية، لكن التمديد والأشغال الإضافية جعلا فاتورة المشروع تأخذ منحا تصاعديا غريبا دون أن يعلم لها سقف، والغريب أيضا أن عملية إنجاز المشروع أوكلت لمجمعين من 28 شركة لا يشملهم  التصنيف العالمي – 225 top contractors – لشركات الإنجازات الكبرى.

إنه من حق المواطن أن يتساءل كيف أن مشروعا بغلاف مالي 11 مليار وآجال تسليم في 2010 تصل تكاليفه إلى 20 مليار وقد تصل 30 مليارا ويتأخر تاريخ تسليمه إلى 2014، مما يجعل مدة التأخير تعادل مدة الإنجاز المتفق عنها،  هذا بالإضافة إلى الفضائح المالية التي شملت العديد من المسئولين على المشروع الذين هم إما في السجن أو قيد المتابعة القضائية، ومن الحق المواطن أن يعرف كيف أن مشروعا مثل هذا يوكل لشركات ليست مصنفة عالميا وكيف أن تكلفة الكيلومتر الواحد تصل ثلاثة أضعاف تكلفة الكيلومتر  في الطريق السيار الذي أنجز حديثا في بولونيا بواسطة شركات مصنفة عالميا، على الرغم من انخفاض أسعار الطاقة ومواد البناء واليد العاملة في الجزائر وإسناد المشروع لشركات غير مصنفة، وهو ما جعل الكثيرين يطلقون على مشروع القرن أسم فضيحة القرن.

في الحقيقة ليس مفاجئا أن يعتبر كثير من عامة الشعب الجزائري الطريق السيار إنجازا عظيما في ظل الحالة المأساوية التي كانت تعيشها شبكة الطرقات الجزائرية،  وهو الإنجاز الوحيد الذي لمسه المواطنون ويرونه بأم أعينهم. لكن قصة الطريق السيار في الحقيقة شبيهة بقصة الوئام أو السلم المدني التي تنسب لبوتفليقة. والقصتان شبيهتان بقصة اللص الذي يسرق المال ثم يعيد جزءا منه لصاحبه ويطلب من صاحب المال والضحية أن يشكره ويقر له بجميل صنعه!

السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي يجعل غول يطلق حمس بالثلاث و يجعل أبو جرة يتجرأ ويتكلم عن المخابرات؟

نسمع كثيرا عن سيناريوهات مخابراتية تقف وراء ما يحدث داخل بيت حمس من انشقاقات، لكن بعيدا عن هذه التخمينات ومدى صحتها، وبعيدا عن الأقوال التي تتردد عن كون غول مجرد رجل من رجالات النظام داخل حمس وأن المنشقين ما هم إلا رجال المخابرات داخل حمس، فإن ما يحدث داخل بيت حمس هو نتيجة طبيعية لخيارات هذه الحركة التاريخية ومحاولتها مؤخرا الاستفادة من الربيع العربي وركوب موجة المعارضة. لكن الانتخابات الماضية  أكدت أن الحركة لا تأثير ولا تواجد لها في الشارع، وهو ما جعلها أمام خيارين أحلاهما مر. فإما العودة إلى خيار المشاركة وأحضان السلطة والتراجع مرة أخرى عن عنتريات المعارضة التي سبقت كرنفال 10 ماي، وهذا سيجعلها تخسر أكثر على المستوى الشعبي، إن لم نقل تنتهي تماما، أو خيار المواصلة في لعب دور المعارضة وخسارة الكثير من مغانم المشاركة التي قفزت بجل إطارات حمس إلى عالم المال والأعمال.

 ربما نسيت حمس أو تناست أن أعضاءها في الحكومة والعديد من قيادتها وقواعدها أصبحوا لا ينظرون إلى حركة حمس كحزب أو مشروع سياسي بقدر ما هي مؤسسة اتصال بعالم المال والقرار، وإن هم خيروا بين الوضع الأول والثاني فإنهم حتما سيختارون الثاني، لأنهم أدركوا ومنذ أمد أن الحركة كمشروع سياسي وإيديولوجي انتهت إلى غير رجعة، وهو ما يدركه النظام الجزائري جيدا.

مشكلة حمس أنها لم تدرك بعد أنها أصبحت خارج أي مشروع تغير في المستقبل، أي لا يمكنها أن تركب موجة الربيع العربي بأية صورة كانت.

ما يميز غول عن بقية قيادات حمس أنه أصبح يمثل حصان طروادة لدى السلطات الجزائرية من أجل إيجاد بديل سياسي لحمس واستحداث تيار سياسي السلطة بأمس الحاجة إليه مستقبلا في ظل نفاذ البدائل مستغلة في ذلك الإنجاز الوحيد الملموس في العقدين الماضيين.

الغريب أن السيد غول أصبح يعيش وهم الزعيم الملهم والرئيس المنقذ، وها هو اليوم يخرج علينا ببدعة سياسية جديدة بتأسيسه حزب يضم جميع أنواع الطيف السياسي من الإسلامي إلى الوطني والديمقراطي والعلماني. لهذا فلا نستبعد رؤية الهاشمي سحنوني جنبا إلى جنب مع عمارة بن يونس في نفس الحزب. فللسياسة في الجزائر قواعدها الشاذة. في الحقيقة ما قاله غول عن تشكيلة حزبه يعبر حقيقة عن الوضع  الجزائري، فلم يعد للتوجه السياسي أو الإيديولوجية أو البرامج معنى في الجزائر، فلمدة عقد من الزمن والجزائر يحكمها تحالف هجين ليس له برنامج أو رؤيا سوى برنامج فخامتو.

إن الذين يحاولون مقارنة بين غول واردوغان يرتكبون جرما وظلما كبيرين في حق رجل تركيا ويهينونه. فالرجل هناك له تاريخ نضالي مشرف وطويل، بدأ عمدة لإسطنبول التي أحدث فيها نقلة نوعية، وكلفته مواقفه السياسية السجون. ولكنه في الأخير قاد بلده نوح نهضة اقتصادية. والأهم أنه روض العسكر وأرسى الطابع المدني للدولة وأنتشل تركيا من براثن الجنرالات وزج يبعضهم في السجون بأدوات قانونية. أما غولنا فيكفي أنه كان في حزب تحالف مع الانقلابيين لعقدين، وعارض هذا الحزب فرصة مصالحة وطنية حقيقية في سانتي جيديو، وكان على رأس وزارة أهدرت من المال العام ما يعادل ميزانية دولة، وشارك في حكومات يعلم العام والخاص أنها واجهة مدنية لنظام مخابراتي عسكري أهدر المال العام كما لم يهدر من قبل وهدم الاقتصاد وحوله إلى بازار للسلع المستوردة  وقزًم الجزائر أيما تقزيم وشهد التعليم انهيارا شاملا. وفوق هذا كله فإن حكام الجزائر الفعليين هم من سيحددون المناصب التي سيتقلدها غول وعدد المقاعد التي سيحصل عليها تاجه الجديد وليس الشعب، لهذا فإنه من العبث والضحك على هذا الشعب أن يحاول بعض السفهاء من المحللين أن يسوقوا لهذه المقارنة والتشبيه الأعرج.

إن “تاج” غول هو تتويج  للمسار المأساوي الذي وضع فيه نحناح الحركة بوضع يده في يد من أذاقوا الشعب الأمرين، وهو أيضا تتويج لحالة الرداءة السياسية في الجزائر. وعلى الرغم من أن الكاتب من أشد المعارضين لمسار وخيارات حمس فإن ما بدر من وزراء حمس والمنشقين عنها هو مثال للؤم السياسي والانتهازية وإنكار الجميل وانعدام المروءة وهي شيم للأسف أصبحت تسود الحياة السياسية الجزائرية.

سين جيم
5 أوت 2012

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version