حكومة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ماضية في تنفيذ مشروعها الإصلاحي بطريقة تراجيكوميدية تجعل المرء محتارا بين أن يصف تصرفات هذا الفريق الحاكم في الجزائر بالهبل السياسي أو الضحك على الناس مثلما دأبوا على ذلك على مدار سنين. العالم العربي يغلي والمنطقة تشهد تطورات سياسية جذرية في طرق الحكم والتعامل مع إرادة الشعوب في حين يبقى حكام الجزائر مصرين على اعتبار ذلك ترفا أو تآمرا لا يلزمهم في شيء.

نقلت برقية بثتها وكالة الأنباء الجزائرية أن الرئيس بوتفليقة أعرب خلال انعقاد مجلس الوزراء بداية الأسبوع عن غبطته لكون (الانتخابات التشريعية المقبلة ستجري في كنف تعددية غير مسبوقة بمشاركة طبقة سياسية ستتعزز بأحزاب سياسية جديدة وبالتسهيلات التي أقرها القانون لصالح المرشحين الأحرار).

وأضافت الوكالة نقلا عن بيان من الرئاسة أن (رئيس الجمهورية حرص على تجديد عزمه على السهر على تأمين كافة ضمانات الشفافية في الانتخابات التشريعية المقبلة، معلنا أن الجزائر ستوجه الدعوة بهذه المناسبة للملاحظين الدوليين. وفي هذا الإطار أوكل رئيس الدولة للحكومة مهمة الشروع دون تأخير في الإجراءات اللازمة لدى جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة من أجل دعوة كل هذه المنظمات إلى إيفاد ملاحظيها للتشريعيات القادمة على نحو ملموس).

في أعقاب ذلك وفي نفس السياق نقلت الصحف عن وزير الداخلية دحو ولد قابلية قوله إن الحكومة (تريد أكبر عدد من الملاحظين الأجانب لضمان شفافية الانتخابات) البرلمانية المقررة خلال الفصل الأول من السنة المقبلة. ليس أسهل من العودة إلى تصريحات المسؤولين الحكوميين على مدى السنوات العشر الماضية (حتى نبقى فقط في فترة حكم بوتفليقة) وما أطلقوه من وعود تتعلق بنزاهة وشفافية الانتخابات، وسنلاحظ أن كل التصريحات متشابهة، ضمانات مطلقة بتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة وديمقراطية معززة بحضور ملاحظين ومراقبين عرب ودوليين، لكن ماذا يحصل عمليا وماذا كانت نتيجة هذه الوعود؟ لا شيء غير الإمعان في تغييب إرادة الشعب والاستمرار في التلاعب به وفرض مؤسسات لا تمثله لا من قريب ولا من بعيد.

برلمان انبثق عن انتخابات لم يشارك فيها أكثر من خُمس عدد الناخبين المسجلين في القوائم الانتخابية ورئيس فسح المجال لدمى سياسية تنافسه لفترتين قبل أن تنتهك حرمة الدستور لفسح المجال له ليستمر في منصبه فترة إضافية بدا فيها مثل حكام بلدان الكتلة الشيوعية التي يظل فيها الرئيس في منصبه حتى يختفي تماما عن الساحة ولا يبقى للشعب من حظ في متابعته إلا من وراء حجاب مع صور ضبابية له، صور من دون صوت طبعا.

التصريحات الرنانة وحضور الملاحظين الدوليين وغير ذلك من الضمانات المزعومة لم تمنع النظام الحاكم أبدا من تزوير إرادة الشعب للإبقاء على الوضع الراهن تماما كما هو بنفس السياسات ونفس الوجوه. فلماذا يريدنا النظام أن نصدقه ونغتبط معه لوعود لا يمكن أبدا أن تكون صادقة؟ كيف يمكن لنظام جبل على الفساد والاستهتار بإرادة الشعب أن ينتج مؤسسات صالحة تعكس اختيارات الشعب وتلبي طموحاته وأحلامه؟ امنحوه إن شئتم مائة ألف فرصة ولن تكون النتيجة إلا نفسها، مزيدا من الفساد وتهميش الشعب وأجيال أخرى من الضحايا واليائسين البؤساء. لا يمكن للطيب أن ينبت في أرض فاسدة ومن ينتظر المعجزة فعليه أن ينتظر حدوثها عندما يتحول السراب ماء.

ديكور المسرحية قد يتغير بمناسبة الانتخابات البرلمانية المقبلة باستدعاء ممثلين جدد مثلما وعد فخامته بذلك عندما قال إن (الانتخابات التشريعية المقبلة ستجري في كنف تعددية غير مسبوقة بمشاركة طبقة سياسية ستتعزز بأحزاب سياسية جديدة) أحزاب تقودها وجوه ساهمت بشكل أو بآخر في إطالة عمر النظام الفاسد، ولا يهمها في كل الحكاية إلا أن تعود إلى الساحة دون قيد أو شرط. لست متحاملا على أحد، لكنني لا أكاد أجد تفسيرا لأشخاص يعترفون بفساد النظام وعبثه بمقدرات البلد وإرادة الشعب لكنهم لا يتورعون عن التزلف له والتقرب منه كلما سنحت لهم الفرصة، هل يطمعون مثلا في النجاح في تغيير طبيعة هذا النظام بمواصلة اللعب معه والرضوخ لتحايله وألاعيبه؟ هؤلاء الذين يصطفون الآن منتظرين حصولهم على ترخيص من وزارة الداخلية لتأسيس أحزاب جديدة ودخول المعترك السياسي كيف يفسرون تعرضهم للتهميش والإقصاء ورفض النظام السماح لهم بمزاولة النشاط السياسي الشرعي قبل سنوات من الآن؟ هل كان هناك في القانون ما يمنع وزارة الداخلية من اعتماد أحزابهم الجديدة؟ هم أنفسهم يصرحون أن الحكومة انتهكت قوانين البلد ودستورها عندما رفضت من دون أي مبرر الترخيص لهم للعمل السياسي الرسمي. ماذا تغير الآن حتى يهللوا ويستبشروا بتصريحات رئيس جمع في سجله رقما قياسيا من انتهاكات الدستور وتجاهل الرأي العام بطريقة مهينة لا نظير لها، رئيس رفض منذ أن اعتلى عرشه الترخيص لأحزاب جديدة تقيدوا بما تنص عليه قوانين الجمهورية ودستور البلد وتقدموا بطلبات قوبلت برفض من دون أي مبرر؟

ماذا تغير الآن ليعود فخامة الرئيس لقبول طلبات هؤلاء والسماح لهم بالنشاط؟ لا شيء إلا أن تكون متطلبات المرحلة الراهنة تقتضي ذلك لمخادعة الرأي العام بأساليب جديدة تشارك فيها طبقة سياسية متآمرة أو في أحسن الأحوال ساذجة حتى لا أقول غبية.

أما الخدعة الأخرى المتعلقة بدعوة الملاحظين الدوليين للشهادة على نزاهة الانتخابات فقد أثبتت في كل المناسبات السابقة أنها طريقة للضحك على الشعب بإشراك أجانب ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا شهود زور أو مستغفلين. في كثير من المناسبات الانتخابية السابقة خرج من هؤلاء الملاحظين من قال إن الانتخابات شابها فساد وتلاعب أو جرت في ظروف غير نزيهة تماما، فهل أثرت تلك التصريحات في سير الأحداث؟

الملاحظون الأجانب (والحديث هنا يقتصر على الذين يفترض فيهم قدرا من النزاهة) يستقدمون لمتابعة سير العملية الانتخابية في عدد محدود من المراكز ولا يحق لهم الخوض في مسائل أخرى من قبيل الظروف التي تسبق الانتخابات. الملاحظون لا يحق لهم مثلا محاججة الحكومة في أسباب منعها لهذا المرشح أو ذاك التنظيم من المشاركة في الانتخابات والاكتفاء بفسح المجال لمرشحين كومبارس أو مشهود لهم بالتورط في شراء أصوات الناخبين البسطاء أو بالتقدم ضمن قوائم أحزاب صنعها النظام وظل يتحكم فيها بطرق لا تخفى على أحد. الملاحظون لا يؤثرون في مجريات العملية الانتخابية ولا في نتائجها ولو شهدوا أن أغلب الناخبين المسجلين امتنعوا عن التوجه إلى مكاتب الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لأنهم يعلمون علم اليقين أن النظام لا يحترم إرادتهم سواء بإقصاء من يريدونهم ممثلين لهم في مؤسسات الحكم أو بتزوير الانتخابات، والتزوير لم يبق يسير في مجمله بتلك الطرق التقليدية، بل صار سابقا للعملية الانتخابية التي قد تجري في ظروف طبيعية لكنها تفرز كائنات لا تعبر عن رغبات الشعب.

لن نعيد اكتشاف العجلة، لكننا نذكر فقط أن لشفافية ونزاهة العملية السياسية شروطا وضوابط موحدة في كل أرجاء الكرة الأرضية، أهمها حرية العمل السياسي واحترام إرادة الشعب وفسح المجال أمام العمل الإعلامي الحر والقضاء المستقل. فهل تجدون شرطا واحدا من هذه الشروط متوفرة الآن في الجزائر؟!

خضير بوقايلة
20 ديسمبر 2011

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version