حاولت بعض الجهات المحسوبة على ما يُسمّى بالمُعارضة السورية في الخارج، التقليل من خطورة التهديدات التي وجّهها الرئيس السوري بشار الأسد للغرب، في حال قيامه بأي تدخل أجنبي في سوريا، حيث أكد بشار الأسد “أن أي تدخل غربي ضد دمشق سيؤدي إلى “زلزال” من شأنه أن “يحرق المنطقة بأسرها””، ورأى بعض أقطاب المعارضة في الخارج أن كلام الرئيس بشار الأسد، إنّمّا يعكس حالة “التهلهل” و “الضعف” التي يعيشها نظامه، إلا أنّني شخصيا ومن موقع المتابع لما يجري في منطقتنا العربية، رأيت أن الرئيس بشار الأسد ما كان ليطلق هذا التحذير لو لم يكن قد هيّأ كل الظروف الداخلية والإقليمية، لمواجهة أي عدوان غربي على سوريا، بل وبكلّ تأكيد أن التحذير هذه المرة سيكتسب جدّيته القصوى، وسيترك صقور الحرب الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، يعيدون كلّ حساباتهم، ومخطّطاتهم التي كانوا يهدفون من ورائها إعادة إنتاج السيناريو الليبي في سوريا بالذات.

فسوريا وكما هو واضح للجميع، استطاعت ليس فقط التحكم في خيوط المؤامرة الخبيثة التي تستهدف أمنها وسلامتها، بل إنها بدأت اليوم تلعب الأوراق البسيطة جدا في معادلة الصراع، ولم تُقرّر بعد إخراج الأوراق الأساسية التي لمّح إليها الرئيس بشار الأسد، والتي ستُحدث زلزالا في كامل منطقة الشرق الأوسط، وهي برأيي أوراق عديدة ومتعدّدة، لا يُمكن الإستهانة بها، لأن سوريا وكما قال الرئيس الأسد ليست هي مصر أو ليبيا أو غيرها من البلدان التي تكالبت عليها القوى الاستعمارية، فسوريا ودونما الحديث عن إمكانياتها البشرية والعسكرية، يكفيها موقعها الإستراتيجي، للعب الدور الذي تريده، وقتما شاءت وكيفما شاءت، فهي وبموروثها الحضاري الكبير، مرّت وعبر الأزمنة بالعديد من المحن، ولم تكن تخرج منها إلا منتصرة وأكثر قوة من ذي قبل، وهي اليوم في مواجهة جديدة، مواجهة تحمل من الشراسة الكبيرة في ظاهرها من قبل المتحرّشين بها، لكنها تخفي الكثير من الخوف والريبة ممّا قد تؤول إليه أوضاع المنطقة بكاملها في حال حصول عدوان أجنبي على سوريا، وقد يظن البعض أن سوريا تُعوّل على الدعم الإيراني ودعم حركات المُقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة في هذه المواجهة وكفى، إلا أن الحقيقة، حقيقة الدعم هي أوسع بكثير، وأبعد ممّا قد يتصوّره البعض، فبكل تأكيد أن دعم إيران وحركات المقاومة يكفي لوحده ليُسقط أية مؤامرة على الشعب السوري، وهو ما لمسناه في الرّد غير المتوقع من قبل فصائل المقاومة في غزّة والتي أمطرت الكيان الصهيوني بعشرات الصواريخ من نوع غراد وفي مدة زمنية قياسية للغاية، وبتقنيات تُستخدم لأوّل مرة، وفي ظلّ ظروف الحصار الشديد الذي يعيشه القطاع منذ سنوات عديدة، ويمكن للمتتبع أن يتصوّر ردّة فعل حركة المقاومة الإسلامية في لبنان التي أذلّت العدو الصهيوني ومرّغت وجهه في التراب خلال حرب تموز 2006، والتي أصبحت قوّة ردعها اليوم أكثر بكثير ممّا كانت عليه في السابق، وردّ فعل إيران التي يعود لها الفضل الكبير إلى جانب سوريا في دعم حركات المقاومة، فلو دخلت إيران مباشرة في المواجهة، والدعم المباشر لسوريا، خاصة في ظل التحرش المتواصل بها من قبل القوى الصليبية والصهيونية، فسنرى إذاك كيف سيقوى الغربيون على الفرار من منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد النكسة التي لاقوها في العراق، والتي أخرجتهم مثقلين بالهزائم لا غير، فبعيدا كما قُلنا عن هذا الدعم المُباشر والمؤكد لإيران وحركات المقاومة، فإنّ هنالك جهات سوف لن تبقى مكتوفة الأيدي تجاه ما يُخطّط له الغرب، بهدف غلق بحيرة البحر الأبيض المتوسط، ونعني هنا روسيا والصين اللتان استعملتا الفيتو المزدوج والتاريخي ضد  قرار إدانة سوريا في مجلس الأمن، وهو الفيتو الذي أسقط كل حسابات الغرب وأمريكا في الماء، فروسيا والصين، تعيان أكثر من أي كان، أن هنالك محاولات عدّة لإغلاق اللعب في بحيرة البحر الأبيض المتوسط، وتعلمان جيّدا أن المنفذ الوحيد المتبقي لهما على هذه الجهة هو سوريا، ولا أظن أن قوّتين عظيمتين، كروسيا والصين ستقبلان باللعب خارج الإطار، لأن منطقة اللعب هذه المرّة هي منطقة إستراتيجية، تؤمن حاجياتهما من الطاقة أولا، وحاجتهما إلى مراقبة كل التحولات التي قد تطرأ، وشخصيا، لا أستبعد والحال كذلك، أن نرى قريبا القاذفات الإستراتيجية الروسية تحوم فوق أجواء سوريا، كما لا أستبعد أن يتحوّل البحر الأبيض المتوسط، إلى مكان لرسو كل البوارج وحاملات الطائرات الغربية والروسية والصينية وغيرها، لأن اللعب اليوم، هو لعب إستراتيجي بالنسبة لدول أوروبا التي باتت على وشك إعلان إفلاسها المالي والاقتصادي شأنها شأن أمريكا، وهو الإعلان الذي سيفسح المجال واسعا أمام ريادة جديدة للعالم تقودها روسيا والصين وحتى الهند، وبعض دول أمريكا اللاتينية، ومن هنا نرى أن التحرش ضد سوريا، لا يبتغي على الإطلاق إسقاط نظامها أو تكرار السيناريو الليبي معها، وإنما الضغط عليها لسدّ المنفذ الأخير المُتبقي لروسيا والصين، حتى لا تُحققان اختراقات كبرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولتأجيل ربّما إعلان إفلاس الغرب وأمريكا لا غير، فالقضية هنا تتجاوز حتى السوريين، ولا يُمكن معها للرئيس بشار الأسد إلا أن يُعلي صوته بالتهديد والوعيد، لأن هذا الغرب الصليبي الجديد، وصل إلى حالة من الوهن والضعف، التي لا ننتظر من ورائها سوى الإعلان الرسمي، عن وفاة هذا الغرب حضاريا، ووفاة محميته الأولى “إسرائيل” التي كان لها الفضل الكبير في انهيار النظام المالي والمصرفي الغربي والأمريكي، جرّاء عمليات النصب والاحتيال المُنظم التي يشرف عليها ويُديرها اللوبي الصهيوني في العالم، عبر تحكمه في البورصات وأسواق المال العالمية، وعبر تحكّمه في كل دوائر صنع القرار في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، من خلال هيمنته على وسائل الإعلام الكبيرة والثقيلة، بما فيها بعض الفضائيات العربية كقناة الجزيرة التي عادت إلى أصلها البريطاني الصهيوني، فشخصيا أرى أن هذا التحرش غير المسبوق ضد سوريا منارة العالم العربي، لا يستهدف على الإطلاق إسقاط نظامها أو التدخل عسكريا لاحتلالها، وإنّما هو مخطّط أبله وأرعن يريد الضغط على سوريا للقيام بهجوم كاسح وفي أقرب وقت على “دولة” الصهاينة لمحوها من الخريطة، وإراحة العالم من مؤامراتها التي كان من تداعياتها، خروج آلاف البشر في كل عواصم العالم بما فيها العاصمة الأمريكية واشنطن، والعاصمة البريطانية لندن وغيرها من العواصم الغربية التابعة لهما، للتنديد بالنظام الاقتصادي الذي جوّع البشرية، فالولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت شبه مستعمرة للوبي الصهيوني، لم تعد قادرة على تجويع شعبها لخدمة أقلية قليلة تُمثل هذا اللوبي الصهيوني، كما أنّه حتى بداخل “إسرائيل” بدأت حملات الاحتجاج تتصاعد ضد سياسات التفقير والتّجويع، ولا أظن إلا أن الجميع سيعمل على مضاعفة الضغوط على سوريا وحركات المقاومة لتوجيه ضربة قوية لقلب الصهيونية في العالم، لإراحة البشرية من مؤامراتها، وإعلان انتقال العالم إلى فضاء أكثر حرية، سياسيا واقتصاديا وماليا وحتى معيشيا، ولذا أقول لإخواننا في سوريا، لا تنزعجوا للأصوات الناعقة في كل مكان من العالم، والتي تنطق أحيانا باللهجة السّورية، لأن الجميع يريد أن يُهيّجكم للإطاحة بهيمنة الصهاينة الذين جعلوا شعوب العالم كلها تدفع ثمن مضاربتهم وتلاعبهم بالاقتصاد العالمي.

جمال الدين حبيبي
31 أكتوبر 2011

تعليقان

  1. Abdelkader Dehbi بتاريخ

    RE: الغرب يريد من سوريا أن تُحرّره من هيمنة الصهاينة
    [rtl]وكأن درس نهاية القذافي السفاح وسوء الخاتمة التي مُني بها، هو ومن معه – والعياذ بالله – لم تؤخذ عند صاحبنا بعين الاعتبار، فهاهي “حليمة تعود إلى عادتها القديمة”… هذه المرٌة، عبر التطبيل والتزمير لمجرم حرب، المتأسٌد المارق، الفاسد العقيدة والأخلاق، الفاتك بشعبه بالدبابات والمدافع والطائرات التي لم تتجرأ – منذ عقود – ولو بطلقة نار واحدة في وجه العدوٌ الصهيوني المحتلٌ للجولان.

    أقول، فهاهو صاحبنا يعود اليوم ب “نظريته” الإستراتيجية الثاقبة، ألا وهي فرضية استعمال الغرب للجيش السوري من أجل القضاء على دولة صهـيـون ! نعم، يريد الغرب أن يتحرر من هيمنة صهيون بفضل الجيش القمعي البربري السوري البشع، المستبسل في قتل الأطفال والنساء من المتظاهرين العزل من أبناء جلدته وانتهاك أعراضهم وسلب أموالهم !

    “” وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ”” (الأنفال 32)[/rtl]

  2. Boualem بتاريخ

    RE: الغرب يريد من سوريا أن تُحرّره من هيمنة الصهاينة
    من كان قادر على إحداث “زلزال يهز المنطقة” عاجز عن إحداث زلزال يهز به عدوا يحتل أرضه !!!

    ومن يكتب 47 سطرا بدون نقطة ليس لديه فكرة ولا نظرة واضحة المعالم يقدمها للناس، يسمى هذا بالعربية هـــراء يعيي القارئ شكلا ومضمونا كما أعيانا المتشدقين والمتشبثين بخرق الطواغيت البالية.

Exit mobile version