أُكل العراق، وأفغانستان، فالصومال، وقُسّم السودان، ودُمّرت ليبيا، واستعرّ التحرش بسوريا، وانهارت الدولة في اليمن، وتمّ تحويل مسار الثورة في تونس ومصر، وعُتّم على الثورة في البحرين، وزُرعت بوادر الفتن في باقي الدول العربية، ولا يزال العقل العربي، لم يهتد إلى وسائل وآليات لتحليل ما حدث ويحدث، وكأن العقل العربي قد تحنّط وتجمّد ولم يعد قادرا على استيعاب كلّ ذلك، وغير قادر البتة على القيام بأي ردّ فعل، ما يعني أن العقل العربي بات يُجسّد قمة الجهل، وبات نموذجا حيّا لموت المعرفة في كياننا.

ما كنت لأقول هذا الكلام لو أنني رأيت عامة الناس “بمفهوم العامة”، يلعبون بمصير شعوبهم، لكن عندما أستمع لبعض “الخاصة” ممّن يُنعتون بالمفكّرين العرب والعلماء المسلمين، من أمثال يوسف القرضاوي، يُمارسون كلّ الضغوط، خاصة عبر وسائل الإعلام، من أجل شرعنة التدخل الأجنبي في بلدانهم، ومن أجل إسقاط وليس تغيير الأنظمة القائمة، أُصاب حقّا بالغثيان، وأصل إلى حالة التيه، كلّما رأيت فئات من مجتمعاتنا تتحالف مع جهات أجنبية تُمثّل النقيض بالنسبة إليها، بهدف “إسقاط الأنظمة”، إنه لعمري، قمّة انحطاط العقل العربي، وقمّة إنحطاط أنظمة الحُكم التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم، فهل يُتصوّر أن يُصلح الماغول والتتار أمورنا وواقعنا، أقول ذلك لأن بيت القصيد هنا، هو أن بعض الشعوب العربية، وفي ظلّ فساد الأنظمة، لم تعد قادرة على إنتاج أسباب وعوامل التطور الذاتي والداخلي، فمجرّد استنجادها بالخارج، هذا الخارج الذي استعمرها لعقود من الزّمن، وكان من بين الأسباب الرئيسية لبقائها متخلّفة، يؤكّد أن هذه الشعوب لم تُحقّق إستقلالها بعد، بل إنه أصبح لها قابلية للإستعمار، وقابلية لكراهية الشعوب الأخرى التي عانت من الإستعمار، ولو أخذنا النموذج الليبي بكل متناقضاته، فإنه سيمثل العينة الحيّة عمّا نقوله، ففي الوقت الذي كانت أنهار الدّم تسيل في كل أرجاء ليبيا، كان قادة الدول الغربية يتهافتون للفوز بنصيبهم في النفط الليبي ومشاريع إعمار ما حطّمه ودمّره حلف الأطلسي، وفي الوقت الذي كانت فيه بعض الليبيات وبعض الليبيين يحملون أعلام إيطاليا وفرنسا وأمريكا، بل ويرسمونها على وجوههم، عرفانا بدور هذه الدول في نشر الديموقراطية ومبادئ حقوق الإنسان، كنّا نرى أبشع صور التنكيل بالأسرى، وبالجثث، سواء كانت لليبيين أو الرعايا الأفارقة، وكنّا نرى كيف أن الديموقراطيين الجُدد في ليبيا كانوا ينظمون إعدامات جماعية في حق المدنيين والمعتقلين، ورأينا على المباشر كيف مارسوا الديموقراطية على العقيد الشهيد معمر القذافي وإبنه الشهيد المعتصم وغيرهم، ورأينا كيف أنهم كانوا يُوثّقون لحظات ممارسة الديموقراطية بأخذ صور تذكارية قرب جُثّتي العقيد القذافي وإبنه وقد تعفّنتا، لدرجة أن البعض كان يأخذ الصورة وعلى أنفه قناع واق من الروائح،كلّ هذا رأيناه على المباشر ورأينا كيف حافظوا على حقوق الإنسان لحظة إعتقال الشهيد معمر القذافي، حيث أشبعوه ضربا وهو جريح، ويقول لهم “حرام عليكم” ورأينا كيف أنهم قالوا لنا بأنه تُوفي جراء إصابته برصاصتين في البطن والرّأس، فبالله عليكم، هل يُعقل أن نرى القذافي يتكلم وهو مصاب برصاصة قاتلة في رأسه، وهل من المنظقي أن يشرب إبنه الماء وسيجارة ويتحدّى قاتليه، لنرى فيما بعد أنه قُتل برصاصة في موضع بين العنق والصدر، كلّ هذا سادتي الكرام، يجعلني أكفر بديمقراطيتكم، وأكفر بمفكريكم وعلمائكم من أمثال شيخ النفاق يوسف القرضاوي، لأنتهي إلى القول، أن الشعوب العربية، -وهذا شبه مؤكد- ستعيش قمّة الإذلال والخنوع، وأبشع صور الإستعمار الجديد، إن هي لم تنتبه لما يحدث من حولها، وتُبادر إلى تحريك عقولها في الإتجاه الصحيح، فلا أستبعد والحال كذلك، أن يتحوّل الإنسان العربي إلى مجرّد شيء وكفى، يمكن بيعه كما يُمكن إتلافه وتحطيمه، وإعادة تصنيعه حسب ما يرضاه له العقل الغربي، ولن ينفعنا إذاك لا فتاوى القرضاوي ولا غيره.

جمال الدين حبيبي
26 أكتوبر 2011

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version