المآل الحتمي لنظام الأسد السوري لن يكون شيئا آخر غير الزوال والتلاشي، مصير اختاره النظام بنفسه وقرر أن ينساق نحوه منذ أن اختار مواجهة الثورة الشعبية بالطريقة الخاطئة والخطرة. شلة الرئيس بشار الأسد تغرق كل يوم في الوحل شبرا، والأكيد الآن أن المخرج الوحيد لنظام الحكم في دمشق هو الهلاك بعد أن سد في وجهه كل منافذ الإنقاذ التي كانت متاحة أمامه. البداية كانت عندما قطع كل حبال التواصل والتفاهم مع الشعب السوري عندما اختار نهج العنف المسلح والقتل العشوائي لمواجهة رياح التغيير، ثم أحرق جميع أوراقه مع محيطه الخارجي ولم يكن يقيم فرقا بين حلفائه وأصدقائه التقليديين أو خصومه، كل من يبدي تعاطفا مع الشعب السوري الأعزل أو ينتقد الطريقة الوحشية التي تتعامل بها قوات الأمن المختلفة مع التحرك السلمي للمجتمع السوري يتحول تلقائيا إلى عدو مبين أو في أحسن الأحوال إلى جاهل بالمؤامرة الكبرى التي تتعرض لها بلاد الممانعة والمقاومة.

سورية تعيش منذ شهور طويلة في جحيم فتنة أمنية قاتلة تعمّد خلالها المجتمع الدولي أن يتعامل مع الوضع بأسخف وأجبن الطرق، وحدهم السوريون ظلوا صامدين مصرين على استغلال الفرصة الأخيرة التي حملها لهم الربيع العربي ليشقوا طريقهم نحو الانعتاق والحرية. الشعب السوري كان يدرك تماما أن الأمور ليست بتلك السهولة التي عرفتها الأحداث في تونس ومصر أو ليبيا، ومع ذلك اختار ذات الشوكة طريقا وهو كل يوم يدفع مزيدا من الشهداء. جامعة الدول العربية وغالبية القادة العرب والأمم المتحدة والقوى العظمى الأخرى فضلت الإبقاء على شعرة معاوية مع النظام، فلم نعد نسمع أو نقرأ إلا تصريحات وبيانات محتشمة حول الفظائع المرتكبة ضد المدنيين العزل في سورية. أين اختفت تلك الحدة والصرامة والضغوط التي كانت تميز مواقف أوروبا والولايات المتحدة والجامعة العربية عندما كان الأمر يتعلق بالأحداث في تونس ومصر وليبيا؟ أيا كانت الاعتبارات ومبررات ذلك الصمت المشبوه والجبان من طرف المجتمع الدولي فإن التاريخ سيحفظ جيدا أن شباب سورية وحكماءها في الداخل والخارج تمكنوا وحدهم من تحدي النظام الظالم والمتجبر وأجبروا بتضحياتهم القوى الإقليمية والدولية على الاعتراف بشرعية النضال الشعبي لأبناء سورية والانقلاب ضد النظام الحاكم.

بعد أيام وليال طويلة من القمع الأسود ضد الشعب الأعزل اكتشف العالم بعربه وعجمه أن هناك وضعا مقلقا في سورية وأن هناك أطفالا ونساء وأناسا أبرياء يموتون بالرصاص وأن هناك نظاما حاكما يستعمل عنفا غير مقبول وقوة مفرطة ضد أبناء شعبه وأن هناك حاجة ملحة للإصلاح والعدل واحترام حقوق المواطنين في سورية. كما أن هذا الوعي الطارئ لا يمكن أن ينسينا أن هناك دولا وأنظمة عربية على وجه الخصوص تتمنى أن ينكشف المشهد السوري على استعادة نظام الأسد لزمام المبادرة وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الفصل الأول من العام الجاري.

حكومة أنقرة تبقى للتاريخ الطرف المتقدم الوحيد من الشعب السوري، فقد سارعت إلى تنبيه الأسد وحثه على ضرورة الاستماع الإيجابي إلى مطالب الشعب، وقد بادرت بكل شجاعة إلى استقبال المعارضة وفتح حدودها البرية أمام آلاف العائلات السورية النازحة والفارة من بطش قوات الأمن والجيش والشبيحة. رجب طيب أردوغان وفريقه كانوا قادرين على قيادة حملة أوسع وفتح جبهة دولية تتخذ قرارات حاسمة ضد النظام السوري لكنهم اختاروا الطريق الدبلوماسي التقليدي مع أن الوضع القائم كان استثنائيا ومستعجلا. كان يمكن للوضع أن لا يصل هذا المستوى من التفاقم لو أن الحليف التركي للأسد سارع إلى ربط تحالفه مع الشعب وتخلى عن نظام الأسد في بدايات الأزمة، خاصة أنه قد رأى ما يكفي من المؤشرات ليتأكد أن الرئيس الأسد ومن حوله لا يمكنهم أن يسلكوا طريقا آخر للتصدي لمطالب التغيير والإصلاح غير سبيل القمع والتقتيل والتضليل، وهذا ليس خيارا خاصا بالنظام في سورية، بل هو ديدن كل نظام طاغ متجبر وغير شرعي لا يهمه من حال بلده ولا شعبه شيء غير البقاء والاستمرار في الحكم.

المجتمع الدولي يقر الآن علنا وضمنا أنه لا يمكنه تقديم شيء ملموس لإنقاذ شعب سورية من الحكام المتسلطين عليه قتلا وتشريدا وإهانة، حتى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية اختفى عن الساحة فجأة وظل سادا أذنيه ومغمضا عينيه حتى لا يستمع إلى صرخات المستضعفين في مدن وأرياف سورية ولا يرى تلك الآلاف من المشاهد الموثقة بالصوت والصورة لزبانية الأمن السوري وهي ترتكب أفظع الجرائم ضد الإنسان السوري. جرائم لا تقل بشاعة عن تلك التي ارتكبها القذافي وأزلامه ضد الشعب الليبي ومع ذلك فإن خصم أعداء الحرية والكرامة الإنسانية يأبى أن يتحرك ضد النظام السوري تماما كما أبى أن يفعل ذلك مع حكومات تل أبيب على الجرائم التي ارتكبتها ولا تزال ضد الفلسطينيين.’

الشعب السوري ناضل ولا يزال، وهو قادر لوحده على قلب المعادلة لصالحه لكن الثمن سيكون أنهارا إضافية من الدماء والدموع والأحزان وشهورا أخرى من المعاناة والانتظار. الاستفاقة المتأخرة لجزء من العرب وبداية التحرك الدولي قد تشكلان لحظة مفصلية لصالح ثورة الكرامة السورية ولا شك أنها ستحدث اختلالا نفسيا وبنيويا في تركيبة نظام البعث. لم نسمع تفاصيل دقيقة ومباشرة عن الرسالة الحازمة التي نقلها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ولا نعرف إن كان الأسد أو أحد مساعديه قد أبلغ ضيفه التركي الرسالة التي وعدت المستشارة بثينة شعبان أنها ستكون أشد حزما، لكن الأكيد هو أن أنقرة قررت أن تتعامل مع التطورات الجارية عند جارتها بطريقة مختلفة. لا يمكن لأحد أن يستبق الأحداث ويتوقع تدخلا تركيا عسكريا مباشرا لردع النظام السوري وحمله على التراجع عن العنف الأعمى الذي يشنه على المدنيين في المدن السورية المنتفضة، لكن هذا قد يكون خيارا جديا يمكن أن تكون القوى الإقليمية والدولية قد تدارسته ليكون بديلا عن تدخل جديد لحلف الناتو أو لقوات أوروبية أو أمريكية لن يكون مرحبا بها لا في بلدانها ولا في سورية أو البلاد العربية الأخرى. التدخل التركي في الأزمة السورية قد يجد له غطاء شرعيا بحكم ما يمكن أن يثار من احتمالات دخول المنطقة في مرحلة من عدم الاستقرار وتأثير ذلك بصورة مباشرة على الأمن واستقرار الوضع في تركيا. تدخل الناتو أو القوى الغربية المباشر في سورية لن يكون محل إجماع الآن على الأقل، لكن قد يكون الدور الحازم لتركيا البديل الأفضل لحسم المسألة هناك. سيناريو تدخل خارجي غير مستبعد قد يعيد إلى الأذهان ما حدث قبل ثلاث سنوات أثناء التدخل الروسي الخاطف في جورجيا.

خضير بوقايلة
9 أوت 2011

تعليق واحد

  1. Abdelkader Dehbi بتاريخ

    إنها سنة الله في خلقه !
    قال الله عزٌ وعلا، في محكم تنزيله :

    [rtl]””سأصرف عن آياتي الذين يتكبٌرون في الأرض بغير الحقٌ وإن يرو ا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغيٌ يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين”” ( 146 – الأعراف)[/rtl]

    هذه سنة الله في كلٌ متكبـٌر جبٌار : فعندما يغويهم الإستكبار إلى حدٌ “التألٌه” فوق العباد، يشدد الله على قلوبهم ويطمس بصيرتهم. وسيكون هذا المصـير – إن شاء الله – هو مصـير كلٌ الطٌغات المفسدين، اللصوص، السفهاء العملاء، والخونة، من الملوك والأمراء والرؤساء الدين لا يزالون يتحكٌمون في هذه الأمة.

Exit mobile version