كنت قد نبّهت في مقالاتي السابقة، إلى أن العدوان الاستعماري الصليبي على ليبيا، سيفتح مستقبل المنطقة العربية، والعالم أجمع على المجهول، وأن تداعيات العدوان على ليبيا ستؤثر بشكل مباشر على بلدان الجوار في زمن قصير للغاية، لتمتد بعد ذلك إلى جهات أخرى، وحذرت بالمناسبة الطائفة الشيعية في لبنان وعلى رأسها حزب الله، من أن استحضار ذكريات الصراع مع الزعيم العقيد معمر القذافي، بات يُشرعن للغزو الصليبي على الشعب الليبي، وأنه من الأفضل تناسي الاختلافات والخلافات، لصون سيادة الشعوب العربية، وإعطائها مناعة ضدّ أية محاولة للهيمنة عليها من قبل القوى الصليبية الحاقدة على شُعوبنا، والظاهر أن الإخوة في المقاومة اللبنانية، قد تفطنوا للفخ الذي نصبه لهم الصليبيون، لكن بعد أن ساهموا بشكل أو بآخر عبر وسائل إعلامهم وعلى رأسها قناة المنار، في تأجيج الأوضاع في ليبيا، وترويج أكاذيب وإشاعات المخابر الغربية والصهيونية، إلى أن وقعت الفأس فوق الرأس، وتفاجأ الجميع بأن السيناريو الليبي يكاد يتكرر في سوريا، وإذاك بدأت مواقف قوى المُمانعة تُعاود حساباتها، وتتفطن لحجم المؤامرة التي نسجتها لها قوى العدوان الصليبي والصهيوني، كما أن المُقاومة في لبنان بالأخص، جُرّت إلى ساحة صراع كانت متوقعة بكلّ تأكيد لكن ليس بالكيفية والوسائل التي كانت تتوقعها، حيث إن توقيت إصدار القرار الإتهامي للمحكمة الدولية بحق عناصر قيادية في حزب الله، يؤكد أن القوى الصليبية والصهيونية، اختارته بدقة متناهية، فهو يأتي في وقت أُنهكت فيه قوّة سوريا، وبالتزامن مع تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، وفي وقت بات فيه غالبية الحكام العرب يشدون على بُطونهم، خشية أن يطالهم مصير الرئيسين التونسي والمصري، أو حتى مصير الرئيس اليمني الذي ينام في سرير أحد المستشفيات السعودية، أو مصير الزعيم الليبي الذي صدر بحقه أمر بإلقاء القبض من قبل ما يُسمّى المحكمة الجنائية الدولية، التي سُخّرت هي الأخرى لتركيع الشعوب العربية والإسلامية، فالوضع الجيوسياسي في العالم العربي، بات يُؤهل أي بلد لأن يعيش تفاصيل سيناريو العدوان والتفتيت والتقسيم، الذي انطلق منذ زمن في الصومال، وتمّ نقله إلى السودان، الذي جزّئ وقُسّم وبرغم ذلك لا تزال قوى الشر الصليبي تتربّص به، وهو السيناريو نفسه الذي وعد العراقيين بتحسين أوضاعهم، وتمكينهم من التلذّذ بحلاوة الديمقراطية، إلا أنهم ومنذ الغزو الأمريكي البريطاني، لم ينعموا بيوم واحد خال من التقتيل والتفجير والتعذيب والتنكيل، وما إلى ذلك، نحن اليوم نُعايش سيناريو غزو جديد، لكن وللأسف الشديد، تُدعّمه دُول ودُويلات عربية، بفعل انهزامية بعض الحكام العرب ومُقاولتهم لصالح المشروع الصليبي الصهيوني، مقابل ضمان استثنائهم في الوقت الراهن من هذه الحملة المُستعرة، لكن الذي يغيب عن بعض هؤلاء الحكام المُقاولين، وقادة جامعتهم “اللاعربية”، أن المخطط الصهيو أمريكي، سوف لن يستثني أحدا، فبكل تأكيد أن الصليبيين نجحوا في الإستيلاء على ثروات العراق، وقسّموا السودان، ونشروا الرعب في ليبيا وسوريا واليمن، وأعادوا إحياء النّعرات الطائفية كما هو الحال في لبنان، لكنهم كذلك، نجحوا في تحويل ما تبقى من البلدان العربية وحُكامها العُملاء، إلى أدوات لتنفيذ مخطّطهم الجهنّمي، وسيأتي اليوم الذي لن يكون فيه هؤلاء الصليبيين، مجبرين على تحريك طائراتهم وقواتهم لتركيع الدول العربية، لأنهم وببساطة، أسّسوا في المنطقة لمنطق الرعب والفزاعة، التي ستجعل حُكّامنا العرب، مجرّد جامعين للضرائب والأتاوات في بلدانهم، لتحويلها إلى قادة الصليبيين، ولا أظن أن هؤلاء الحُكام قادرون على مواجهة هذه القوى الصليبية، لأنه وببساطة دائما، لا يحوزون ثقة شعوبهم من جهة، وهم ممّن نهبوا ثروات هذه الشعوب حتى قبل اندلاع “الربيع العربي” وحوّلوها إلى البنوك الغربية، وبالتالي فهم وبفسادهم، ضيّقوا الطوق حول أعناقهم، وفضّلوا أن يُقاولوا للصليبيين طلبا للحماية لهم ولعائلاتهم وحاشياتهم المقربة، وتروون اليوم على سبيل المثال لا الحصر، كيف أن العديد من حُكّام العرب، باتوا يتسابقون لعقد صفقات التسليح مع الغرب وأمريكا، وصفقات إنجاز مشاريع بمليارات الدولارات، لا فائدة ولا طائل منها، كما هو حال بعض البلدان العربية التي عقدت صفقات بعشرات الملايير من الدولارات لإقامة مفاعلات نووية لتوليد الطاقة، رغم أنها تتوفر على احتياطيات هائلة من البترول والغاز، وحباها الله بالطاقة الشمسية على طول أيام السنة، ورأت على المباشر ما خلّفه تسونامي اليابان من كوارث في مفاعلاتها النووية، بكلّ تأكيد أن مثل هذه الصفقات ما هي إلا شكل من أشكال الرشاوى التي يدفعها بعض الحكام العرب للقوى الصليبية للحفاظ على عروشهم وكراسيهم.

وهنا يجب أن أعود لبيت القصيد، وهو أن هذه القوى الاستعمارية الصليبية التي نجحت في تجنيد العديد من الحُكام العملاء العرب، سوف لن تقوى على هزيمة شعوبنا العربية، لأننا كشعوب عانت من ويلات فساد حُكّامها، وأُجبرت على العيش تحت مستوى الفقر، ومُورست عليها كل أشكال العنف والإهانة، لن نرضى بعد اليوم، وبخاصة بعد أن بدأت شعلة الشعوب تُنير طريقنا وتُلهب سواكِننا، أن يتسلّط علينا أيا كان سواء كان حاكما، أو قوّة استعمارية جديدة، ورأينا كيف أن الشعب الليبي على سبيل المثال لا الحصر، خرج في جمعة مليونية بطرابلس، أدهشت وأبكَمت أبواق الشرّ، كقناة الجزيرة التي باتت تتلذّذ بعرض صور القتلى الليبيين من كلا الجانبين المتصارعين، وتصب الزيت على النار لإحراق هذا البلد عن آخره، لا لشيء سوى لإرضاء أسيادها، وأميرها المتآمر حتى على أبيه، والذي أفرغ خزائن الشعب القطري، لمحاربة كل الشعوب العربية والإسلامية، نكاية فيها، وانتقاما ربّما من كونها دول وليست دُويلات كما هو شأن إمارته. وبالمناسبة أبشر هذا أمير بني قريظة المتآمر، أن أمواله سيستهلكها عن آخرها وستبقى شعوبنا العربية صامدة واقفة، وأقول كل ذلك، لأن قوى العدوان الصليبي الاستعماري، باتت تستشعر خطورة ما أقدمت عليه، وهي اليوم تبحث عن مخارج لها من المستنقع الذي دخلته في ليبيا بالأخص، فنحن نرى اليوم كيف أن فرنسا ودُويلة قطر، أقدمتا على تزويد مرتزقة بنغازي بالأسلحة عن طريق البحر والجو، لقلب المعادلة لصالحهم، لكن الظاهر أن فرنسا الاستعمارية، ما أقدمت على فعلتها هذه، إلا لإثارة الرأي العام الدولي عليها، وبالأخص الروسي، لدفعها إلى مُعاودة حساباتها، والانخراط في إطار الحلول السلمية المُقترحة، وبالأخص من الإتحاد الإفريقي، لكنّني وبعد إطلاعي على ما نشرته جريدة لوموند الفرنسية يوم تموز (جويلية)، وادعائها بأن إيران تُساعد نظام الزعيم العقيد القذافي بالسلاح والخبراء، انطلاقا من السودان والجزائر، أكّد لي بما لا يدع للشك مجالا، أن فرنسا السركوزية، هي بصدد البحث عن شمّاعة لتعلّق عليها فشلها في ليبيا، أو ربّما للضغط على الجزائر بالأخص، للانضمام إلى مُخطّطها الاستعماري الصليبي، وتسهيل مهمة الاستيلاء على ثروات الشعب الليبي، وهذا ربّما ما يُفسّر تهافت المسؤولين الفرنسيين وعلى رأسهم وزير الخارجية آلان جوبي على الجزائر في الفترة الأخيرة، لكن بكل تأكيد أنه ليس هنالك أي جزائري سيقبل بالمقاولة لساركوزي في الأزمة الليبية، لأن مُقاولة بهذا الشكل، تعني كشف التحصينات الجزائرية في وجه المُستعمرين الجُدد، ولا أظن أننا كجزائريين عانوا من ويلات الإستعمار الفرنسي وجرائمه ضد الإنسانية، سنبقى مكتوفي الأيدي، لو تجرّأ أي مسؤول جزائري على القبول بالانبطاح لفرنسا، ولغيرها، للإضرار بالشعب الليبي، الذي شاركنا ثورتنا التحريرية المباركة بدماء شهدائه الزكية، التي روت أرض الجزائر..الخلاصة بكل تأكيد هي أن ما حدث في ليبيا، كان بمثابة الصعقة الكهربائية التي أعادت الحياة لقلوبنا كعرب ومسلمين، وإنه مادامت قلوبنا قد انتعشت، وعادت للحياة، فلا ننتظر سوى إلحاق الهزيمة النكراء بكل الصليبيين الاستعماريين في كل أرجاء وطننا العربي الإسلامي.

جمال الدين حبيبي
6 جويلية 2011

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version