كلما ورد ذكر اسم أمريكا أو فرنسا أو بريطانيا في قضية مصيرية متعلقة بالعرب أو المسلمين كلما كان الجواب جاهزا، هؤلاء يريدون خدمة مصالحهم الآنية والاستراتيجية وعندما يصوبون إلينا أعينهم فإنهم لا يرون إلا إلى ما في باطن أرضنا من خيرات وثروات طبيعية، أما حالنا وكرامتنا فلا يلتفتون إليها إلا إذا تقاطعت مع تلك المصالح. وجهة نظر تحولت مع مر الأعوام إلى تفكير نمطي نجتره في كل المواقع، وأنا هنا لست بصدد التطرق إلى هذا الموضوع إلا أن أشير إلى أن غير المنطقي وغير المعقول في إستراتيجية أية دولة هو أن لا تضع نصب عينيها مصالحها الحيوية فتتحرك على أساسها أولا.

لعلنا لم نتعود على مثل التوجه السليم لأننا تربينا وكبرنا ثم هرمنا في ظل أنظمة لا يهمها من أمر دولها وشعوبها شيء كثير فصار كل همها أن تخلد في السلطة حتى اختلط عليها الأمر فصارت تعتقد أن أي انتقاد أو مساس بها إنما هو مساس بالوطن وخيانة تستحق الإعدام، فالحاكم كما ردد وزراء مسرحية الزعيم هو الشعب والشعب هو الحاكم، وكان من نتيجة ذلك ما نراه الآن من حكام لا يتورعون في إبادة شعوبهم بأعتى الأسلحة من أجل أن يستمروا هم في السلطة وأيضا ما نكتشفه من مليارات هربت بغير وجه حق إلى حسابات الطغاة وأفراد عائلاتهم في كل العالم.

أما الذي أود التطرق إليه في هذا المقال فهو مواقف دول أو لنقل دولتين مصنفتين ضمن الكبار لكنهما تستفيدان من عذرية خاصة لا تزال تشفع لهما وتعفينا من مساءلتهما، والأمر يتعلق بروسيا والصين اللتين نجحتا في استدرار تعاطف العرب والمسلمين بسبب قدرتهما على مناطحة قوى الاستكبار العالمي وكبح جماحها في كثير من المناسبات لصالحنا. هذا الكلام ليس بطبيعة الحال تزكية ولا صكا موقعا على بياض لهاتين الدولتين الحائزتين على مقعدين دائمين في مجلس الأمن الدولي، لأن ما نعتقده مواقف منحازة إلى العرب والمسلمين لم تتخذ بالأساس حبا فينا بقدر ما هي نابعة من حسابات مصلحية وتوازنية محددة.

العالم العربي الآن في حالة مخاض عسير بدأت تباشير ملامحه الجديدة تتضح، والعرب المتحررون من أغلال عبودية الحاكم مصرون على أن يفرضوا قطيعة تامة مع الأنظمة البائدة ويضعوا أسسا جديدة لدولهم وأنظمة الحكم فيها، لذا فإن على الذكاء الروسي والصيني أن يفهم بسرعة أن ما يسمى علاقات الأخوة والاستراتيجية والتعاطف التي كانت قائمة بين هاتين الدولتين المحوريتين في المعسكر الشرقي وبين كافة الدول العربية لا يمكن أن تظل على تلك الحال مستقبلا، فالعلاقات الطيبة كانت أصلا قائمة بينهما وبين حكام وأنظمة مستبدة ظالمة ولن أكون مبالغا إذا قلت إن القاسم المشترك بين أنظمة العرب ونظامي قطبي المعسكر الشرقي هو حكم القبضة الحديدية وقهر الشعوب وقد يكون خوف الروس والصينيين من التحول الثوري الديمقراطي في العالم العربي مرده الخوف من أن تنتقل هذه العدوى الكاسحة إلى أركان هاتين الدولتين فتهزها.

الدول العربية لم تكن كلها مهللة لهذه الثورة العربية المباركة، بل هناك من كانت تعمل المستحيل من أجل أن ينتكس الثوار ويتوقف المد في تونس ثم في مصر، ولنا في اجتماع مجلس وزراء الجامعة العربية الأخير خير مثال على هذا التواطؤ بين الفاسدين تحت مبررات السيادة والأمن الداخلي والتدخل الخارجي ولم يدر في أذهان هؤلاء الحكام يوما أن الخارج لم يكن أبدا غائبا عن أوطاننا وأنهم هم الذين فتحوا له كل الأبواب.

الشعب الليبي يتعرض الآن لعملية إبادة جماعي وحشية والشعب اليمني ليس أحسن حالا منه وقد تحركت الجامعة العربية أخيرا بضغط خارجي إلى جانب وعي بعض الدول الأعضاء من أجل لجم نظام القذافي وقطع يده التي يبطش بها بشعبه. كان الأجدر أن يتحرك العرب بأنفسهم لفرض الحظر على تحركات آلة البطش التابعة للقذافي وهم يملكون من الأدوات الشرعية ما يسمح لهم بذلك لكنهم فضلوا أن يرموا الكرة إلى ملعب الشرعية الدولية ممثلة في مجلس الأمن، لكن ذلك لا يعني أن الشعب الليبي سيحرر غدا، لأن البعبع الصيني وبدرجة أقل البعبع الروسي موجودان هناك ووقة الفيتو تلوح من يديهما. التونسيون والمصريون صنعوا ثورتيهما محليا مع دعم غربي لا يمكن إنكاره، لكن الليبيين أخفقوا في ذلك لأن حاكمهم تعود على التلاعب بالغرب وأيضا على تهديدهم في حياتهم ومصالحهم لذلك لجأت ثورة 17 شباط/فبراير إلى الاستنجاد بالخارج ليجعل المعركة متكافئة بينهم وبين فلول القذافي والباقي عليهم هم وحدهم، لكن أعداد الشهداء تزداد كل يوم وآلة الدمار القذافية تتوحش من يوم إلى آخر. أما إخواننا الصينيون فلا يزالون يحتاجون إلى حصص متعددة لإقناعهم بجدوى التحرك لوقف الدمار وحتى إن اقتنعوا أو أجبروا على ذلك فإن أقصى تنازلهم أنهم يمتنعون عن التصويت.

جمعت بعض تصريحات الخارجية الصينية عن أحداث ليبيا فكانت في مجملها لا تخرج عن دائرة الدعوة إلى التريث والحرص على أمن ووحدة البلد وضرورة تفاهم أطراف النزاع ودعوة مجلس الأمن إلى توخي الحذر. قالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية في أحد المؤتمرات الصحافية إن بلادها (تثق بأن الدول العربية لديها الحكمة والقدرة على استعادة الاستقرار والتنمية، وتأمل من جامعة الدول العربية أن تواصل دورها الإيجابي والبناء في معالجة شؤون العالم العربي)، الجامعة العربية أيتها الصين العظيمة تقول لك إن معالجة الأزمة في ليبيا تكون عن طريق فرض الحظر الجوي، فهل أنت مستعدة للاستجابة لذلك؟ الحوار الذي تطالبين به لم يعد ينفع لأن القذافي لا يرى في بلده غير فلول القاعدة وقد أقسم أن يبيدها ويطاردها على كل شبر وبيت وزنقة. فرنسا وإيطاليا وأمريكا ليست أحسن حالا منك، فهي مهتمة أيضا بمصالحها الإستراتجية في المنطقة لكن عندما يتعلق الأمر بحالات جنون واستبداد ظاهرين فإنها تنقلب أملا في الحفاظ على تلك المصالح مستقبلا وأيضا خوفا من رأيها العام، أما أنت يا بكين فإن الرأي العام عندك لا يهمك أصلا ومصالحك تريدين الحفاظ عليها بالأمر الواقع. لكن هل فكرت يوما أن الرأي العام العربي قد يستطيع يوما أن يجعلك تخسرين تلك المصالح ويوقعك في مشاكل حقيقية مع رأيك العام.

الصينيون الآن صامتون لأن العصا الغليظة فوق رؤوسهم وأيضا لأن اقتصادهم في نمو مطرد، ولا أحد يخفى عليه أن ازدهار الاقتصاد الصيني يعود بالأساس إلى المواد الأولية التي استحوذت عليها الصين في مجمل الدول العربية والإفريقية وكذلك إلى تصريف سلعها في تلك الأسواق وأيضا في أسواق العالم الأخرى.

الثورات العربية انطلقت ولا بد لليل أن ينجلي، وحينها قد يفكر أقطاب النظام العربي الجديد أن بإمكانهم أن يعاقبوا أولئك الذين تحالفوا بالأمس مع الطغاة والظلمة ولم يستمعوا لنداءات الاستغاثة لأن مصالحهم كانت تصم آذانهم.

السوق العربية قد لا تساوي شيئا كثيرا بالنسبة إلى الصين في مجمل السوق العالمية، لكن بإمكان دولة مثل مصر أو السودان أو الجزائر أن تنتفض وتصنع هي الأخرى ثورتها الصناعية فتكفي نفسها وتكفي المنطقة بأسرها. وقد يكون ذلك بأسعار أكثر تنافسية من الصين بحكم توفرها على المواد الأولية اللازمة لتحقيق النهضة. أليس خيرا للصين أن تحافظ على علاقاتها وصداقاتها مع العرب بصيغة جديدة أم أنها تفضل حلف الشياطين الزائل وقد تحظى بعد ذلك بمقاطعة عربية تندم عليها؟

خضير بوقايلة
15 مارس 2011

تعليق واحد

  1. hichem بتاريخ

    ؟؟؟؟
    أظن أنه كان عليك الاجتهاد أكثر في جمع المعلومات التي تسمح لك بتحليل الواقع لا اللجوء إلى التخمين قصد استشراف المستقبل
    أطمئنك أن هذه المصيبة ليست مصيبتك وحدك بل هي مصيبة أغلب العرب, فبينما نرى تحليلات من كتاب غربيين نلاحظ أن العرب يستبقون الأحداث ليمطرونا بتحليلات مغالظة لا تستجيب إلا لما يعتقده كاتب التحليل و من يعتقد مسبقا ما يعتقده الكاتب
    سلام

Exit mobile version