السياسات هي جمع سياسة، والسياسة فنّ الممكن كما يقال وكفى.

قد يسأل السائل من أين أتيت بهذه المعلومات بعد قليل؟ والجواب: أنني لم أدرسها لا في الجامعة ولا في المعهد ولا في الكتب… وإنما من خلال التجربة التي هي واقع يعيشه الناس.

منذ أن ابتلاني الله بالسياسة وبدأت النضال قبل سن الثامنة عشر وفي بداية التعددية، فرئيس لجنة ولائية لمساندة وزير الخارجية السابق في رئاسيات 1999 أحمد طالب الإبراهمي نجل الشيخ البشير الإبراهيمي، ثم عضو مؤسس لحركة الوفاء والعدل، وعضو بالمجلس المركزي على المستوى الوطني، هذه الحركة التي تم حظرها، فرئيس مكتب ولائي مؤقت للحركة على مستوى ولاية برج بوعرريج…

واكبت عدّة انتخابات منذ أن وصلت سنّ الانتخاب، وعاينت التزوير في عهد الحزب الواحد بعيني المجردة، كما شهدت الانتخابات النزيهة بعدها كذلك، وقد تابعت عدّة انتخابات: بلدية، ولائية، برلمانية، ثم رئاسية، منها انتخابات 1990 التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ وكنت وقتها مراقبا بأحد مكاتب التصويت وشاهد على الحدث، فانتخابات 1991، التي أوقفت عملي لحضورها والمشاركة فيها، حيث كنت في ذلك اليوم في سكيكدة قادما من إيطاليا عبر الباخرة التي كنت أشتغل فيها والوثائق تشهد بذلك، وبعدها لم أنتخب إلى يوم الناس هذا، فرئاسيات 1999 التي انسحب منها المرشحون الستة وهم على التوالي: أحمد طالب الإبراهيمي، مولود حمروش، آيت أحمد، عبد الله جاب الله، مقداد سيفي، يوسف الخطيب، تذوقت النصر وعرفت الخيبة كباقي الجزائريين التي تأتي بعد إلغاء الانتخابات أو الانسحاب، وعشت المقاطعة والمشاركة …

من خلال دراستي المتواضعة في السياحة في معهد بوسعادة وفي المعهد العالي” بتيزي وزو” التي لم تدم طويلا، وبالجامعة في الخارج وتنقلي داخل الوطن وخارجه وتربصي بفندق سيبوس الدولي بعنابة وفندق الرياض بسيدي فرج، وفي بسكرة حيث الزيبان… و عملي في بعض الفنادق، منها الهضاب في سطيف والبيبان ببرج بوعرريج… وفي شركة مختلطة للنقل البحري داخل الوطن وخارجه وعملي بإحدى الشركات البترولية في حاسي مسعود لفترة قصيرة، وخدمتي العسكرية بالبحرية الجزائرية بوهران والجزائر العاصمة… واحتكاكي بالناس داخل الوطن وخارجه مع عدد من الجنسيات، وعيشي في قرية بالجزائر وفي وسط أكبر المدن الفرنسية، وحديثي مع بعض الشخصيات السياسية والإعلامية وعامة الناس، في المساجد وفي الأسواق وفي الأفراح والأقراح… وزيارتي لعدة دول، منها : ايطاليا، اسبانيا، تونس، اليونان، سوريا، العربية السعودية، مصر، مالطا، ليبيا، وسويسرا، وعيشي بفرنسا منذ 2001، وممارستي لرياضة كرة القدم أيام عز شبابي والموسيقى، وتنس الطاولة، والشطرنج والمسرح… والتعرف على مناخ الصحراء والهضاب والبحر ومواقع التزلج… اكتسبت بعض الخبرات وأحببت أن أعطي بعض التعريفات.

السياسات المنتهجة التي أقصدها هي باختصار: سياسات تنتهجها الأنظمة وينتهجها الأفراد والجماعات، وتنتهجها الأحزاب والجمعيات.

سياسة الاحتواء

يتّبعها النظام لاحتواء بعض الخارجين عن طاعته من خلال إعادة إدخالهم الصفّ، وإدخال آخرين تحت غطائه، ويستعملها بعض رؤساء الأحزاب، لاحتواء بعض العناصر النشطة أو بعض من لهم ملفات وأسرار أو علوم سواء كانت إدارية أو تقنية أو تكنولوجية… لاستغلالهم، والهدف من الاحتواء هو أن تذوب هذه الشخصيات داخل الإطار المرسوم لها من خلال القوانين التي يتبعها النظام أو الحزب… ولا يسمح لهم بالظهور إلا داخل هذا الإطار وفق التسلسل …

سياسة الابتزاز

يستعملها النظام وخصومه، ويستعملها رؤساء الأحزاب والجمعيات وحتى الأفراد والجماعات وتهدف الى تخويف الخصم وإرباكه وتهديده بكشف الأسرار، وعادة ما تكون ملفات، عبارة عن صور أو فيديوهات أو مكالمات هاتفية أو وثائق ومستندات…

سياسة احتكار المبادرة

يستعملها النظام للبقاء في الحكم وتوجيه الرأي العام، من خلال استعمال الهروب إلى الأمام، وهي سياسة أخرى سنتحدث عنها، وكلّما ظهرت مبادرة حاول أن يقوم النظام بأخرى أو خنقها ومحاصرتها، حتى تبقى المبادرة عنده ويبقى الآخرون يقومون بردود الأفعال، وتستعملها المعارضة للوصول إلى الحكم عن طريق توجيه الرأي العام ومحاولة تأطيره وفق نظمها، والأمر هنا يبدوا عاديا “إذا ما كان التنافس شريفا” ويستمر الشرخ بين المعارضين والموالين والتركيز على نقاط الاختلاف بدل نقاط الالتقاء، لكن أن يتحول الأمر إلى البقاء في الحكم من طرف النظام ولو كان ضدّ مصلحة الشعب، فهذا ما ترفضه الفطرة الإنسانية السليمة، ومن غير المقبول الاستئثار بالمصالح الخاصة والحزبية الضيقة لبعض الشخصيات على حساب الشعب، فتجد حزبا سياسيا أو تنظيما أو حركة معينة، لا يقبلون بمبادرات الآخرين مهما كانت ايجابياتها ومزاياها، وسواء أعلنوا ذلك أو أخفوه، وهذا راجع إلى التكبّر والحسد والأنا وعقدة العظمة وإلى بعض العوامل الأخرى، التي هي سبب من أسباب ركودنا، وتجد من هم محسوبون على المعارضة يخدمون النظام المستبد بهذه السياسة …

سياسة التّدجين والتقزيم

سياسة يتّبعها النظام ومن سار سيره، وتهدف إلى تقزيم وتدجين حزب أو جماعة أو تنظيم أو حركة، لهم شعبية معترف بها من خلال الانتخابات يشهد لها العدو قبل الصديق، وهذا من خلال التواجد عبر الولايات وفي الأحياء الشعبية. فتستعمل هذه السياسة لتفريق الصفوف وجعل الآلف واحدا والمليون كذلك، ومن خلال استعمال الكثير من الأساليب، كلها تهدف إلى التقسيم والتشتيت، ويكون الترهيب وشراء الذمم عامل لتنفيذ هذه السياسة .

ومن بين الأساليب: مساندة طرف ضدّ الآخر وإبرازه، ونشر الشقاق بينها والتواطؤ علنا أو خلسة مع طرف ضد آخر، واستعمال التحرّش بينهما، واستعمال حركات تصحيحية، وإخراج بعض المعلومات المتحصل عليها من طرف التجسس والتصنت، وجعلها ورقة تخدم توجهات من بيدهم القرار لجعل التجمع مستحيلا، واختراق الصفوف بهدف ضرب المصداقية والتشويه والابتزاز… وكل السياسات مجتمعة في هذا الباب للوصول إلى الهدف .

سياسة الإلهاء

يستعملها السارق لإلهاء الضحية حتى لا يتفطّن لجرمه، فيرمي عظما لكلب، كي يدفعه للجري وراءه، ومن ثم يفتح الباب،ويأخذ ما أراد، وتستعملها الأنظمة كذلك بافتعال مواضيع لإلهاء الشعب في حرب كلامية بالقيل والقال وكثرة السؤال، للسماح لهم بتمرير مشاريع وصفقات أو تعديل قوانين وإزاحة الخصوم، أو القيام بزيارات لدول في أوقات حرجة، أو للتخدير، كما يفعل الطبيب مع المريض مع فارق الشبه بينهما، والهدف من التخدير هو حتى يبقى وعي الشعب غائبا كما هو الشأن مع المريض…

سياسة التشويه

سياسة تستعملها الأنظمة ويستعملها خصومها، وتهدف إلى تلطيخ سمعة فلان أو فلانة، في حزب كانوا أو مستقلين… في نظام كانوا أو معارضين… وضرب مصداقيتهما أمام الرأي العام من خلال افتعال قصص وأحاجي، والطعن قدر المستطاع في الخلف وتحت الحزام، خشية من هذا الشخص، وهي سياسة تستعمل كتمهيد للقبول بإعلان أشياء ضدّ هذا الشخص أو الشخصية، والطعن فيه ومحاولة عزله وتخويف الناس منه وزرع البلبلة، ووضعه في خانة معينة، حتى لا يكون مفعولا لكلامه إذا ما تحدث، وتتسع سياسة التشويه إلى تحريف الكلام والى وضع التشابه ونشر معلومات، ونشر بيانات، وإفشاء أسرار، والطعن في الشرف والنزاهة… وبطبيعة الحال، التشويه يطال الذين لم يتلطخ تاريخهم من النزهاء وليس الذين لهم أحكام جنائية… وثبت فسقهم …

سياسة التيئيس

تهدف في الأساس إلى قتل الإرادة وإماتة الشخصية مع عامل الوقت، وتكون عبر خلف المواعيد وإبقاء حالة الترقب والانتظار لتحطيم المعنويات وجعل الإنسان جسدا بلا روح، من خلال السماح للطعن في المقدسات والتاريخ واللغة … ودفع المواطن إلى القنوط والانتحار أو الهجرة، أو الرضاء بالواقع المرّ، حتى لا يكترث بالأمور العامة، وسياسة التيئيس تعتمد إلى تطويع وتركيع الناس وإيصالهم إلى عدم الإيمان بالحلول، وحتى يبقى مركز القرار عند مجموعة من الناس، لا سيادة فيه للشعب.

هذه السياسة المنتهجة هي من أخطر السياسات على الإطلاق، لأنها تدفع إلى استعمال جميع الوسائل غير المشروعة وتفتح أبواب الجحيم لأناس يفتقدون الحكمة والعلم، للتعبير بوسائل الشغب والعنف، وتضع مصير البلد كله أمام كل الاحتمالات، ليبقى البلد في تخلف مستمر، وهذه السياسة يستعملها الأفراد والجماعات أيضا بطرق مختلفة وكل حسب موقعه…

سياسة التجاهل

وتهدف إلى تجاهل حدث كان صغيرا أو كبيرا، بغرض محاصرته حتى لا يعمّ، من خلال عدم الردّ عنه والتطرق إليه في وسائل الإعلام، واستعمال التمويه باختلاق ى مواضيع أخرى، بغية رسم صورة بأن هؤلاء لا يقيمون وزنا لهذا الحدث، والحقيقة عكس ذلك، وقد يكون التجاهل في محله في بعض الأحيان …

سياسة التهميش والإقصاء

يتّبعها النظام لتهميش شخصية معينة، من خلال عدم ذكره وإبعاده في كل المناسبات ومحاصرته في كل وسائل الإعلام، وإذا ما توفي هذا الشخص أقاموا له الندوات وعلّقوا له النياشين، وقد يطال التهميش حتى من في قبورهم وما أكثرهم، بعدم التطرق إلى سجاياهم ومآثرهم، وتستعمل المعارضة نفس الشيء، بعدم إشراكها لأناس في نشاطات معينة قصد الاستئثار بالمبادرة…

يتبع

نور الدين خبابة
17 أكتوبر 2010

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version