إنّ مسألة الهوية الوطنية التي تثيرها فرنسا وتركز عليها في السنوات الأخيرة هي ذر للرماد في العيون للهروب من المشاكل الحقيقية التي تعاني منها هذه الدولة خاصة في شقها الاقتصادي والسياسي. فساركوزي الذي فتح ورشات أضخم من ورشات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بهدف القضاء على القطاع العام وتحطيمه وخوصصة كل شيء وتقليص عمال الوظيف العمومي (من أصل ثلاث مناصب توقف يتم تفعيل منصب واحد) الأمر الذي جعل حتى النخبة مشتتة لأنها لم تستطع استيعاب السرعة التي تتم بها الأمور. فالقارئ لكتاب “القضايا الكبرى للمجتمع الفرنسي” (Les grandes questions de la société française) لن يجد إشارة واحدة لموضوع الهوية الوطنية بل سيجد مسألة العمل والنمو الديموغرافي والتربية وغيرها من القضايا التي تهم المجتمع الفرنسي ككل وتمس كل فئاته بمختلف توجهاتها ودياناتها.
من جانب لماذا التركيز على الإسلام والمسلمين؟ والجواب هو أنه إذا استمرت الحال على ما هي عليه فإن أوربا ستصبح ذات أغلبية مسلمة بحلول سنة 2050. وبالتالي يجب وضع حد لهذا الانتشار المذهل للإسلام وذلك بتصويره كبعبع مخيف ومتربص بكل ما هو إنساني ولم يجدوا لذلك سوى موضوع المرأة ولواحقها (حريتها، الميراث، الحجاب، الخضوع للرجل…) وهي من المواضيع التي أكل عليها الدهر وشرب ولكنها تلقى القبول عند الأشخاص الجاهلين بالإسلام.
كما أن بعض المسلمين لهم دور في تقديم صورة مغلوطة عن الإسلام من خلال تبني عادات وأعراف وربطها بالدين ومحاولة فرضها على الغير أو محاكمتهم من خلالها. فالمسلم الذي ينظر بازدراء إلى الذين لا يدينون بالإسلام يقدّم صورة مغلوطة عن الإسلام لأنّ الإسلام بحسب علمنا (وأستغفر الله إن أخطأت كما أرجو من العلماء أن يصححوا) لم يأت لمحاربة الغير وإنما كما قال البدوي “لإخراج من شاء…” هذا المنهج الرباني هو الذي فتح القلوب والعقول لهذا الدين وليس السيف لأنّ هذا الأخير كان يقام بين الدول وليس الأفراد والجماعات. كما تعريف المسلم هو أنه من سلِم الناس من لسانه ويده وليس الذي يدعو الناس لدخول الإسلام عنوة وبالقوة.
أرجع وأقول أن فرنسا بهذا النهج تضيق على نفسها لأنّ في الأمر متّسع ولأن الأمر لا يشكل خطرا حقيقيا سواء على الأمن أو على الهوية الوطنية وإنما يدخل في خانة الحريات الفردية والجماعية التي يحفظها ويؤمنها القانون وبالتالي فإنّ محاولة تقنين سلوك معين يعدّ خرقا للحريات الفردية والجماعية من جهة ويعدّ تشكيلا لجبهة عداء داخلية من جهة أخرى ليس من أبناء الجالية كما يقال ولكن من الفرنسيين أنفسهم.
في الأخير أدعو المسلمين في الخارج أن يقدّموا صورة طيبة عن الإسلام وأن لا ينجروا وراء مثل هذه التصرفات لأنّ مسألة الهوية من المسائل التي تثير الجدل وهي تتعلق بتراكمات تاريخية وليست وليدة اللحظة فأرجو أن لا ينجروا لما هو مخطط لهم وبالتالي يصبحون في مرمى حجر المتعصبين من الطرفين على كثرتهم وإن كانوا لا يظهرون على العلن أو يقدمون صورة غير حقيقتهم.
نعيم بن محمد
14 جويلية 2010