يذكر التاريخ ان نابليون اشتكى مرة من ان الناس يعطونه من السلطة اكثر مما ينبغي وبعد ذلك يصفونه بالدكتاتورية، الدكتاتور يولد على الفطرة فمجتمعه او شعبه «يدكتره» ويؤلهه ثم بعد ذلك يجعل منه اضحية او مشروعا لأضحية الخلاص، فكرة الخلاص الأبدي وغسل الخطايا والذنوب الدينية هي في الاساس رؤية سياسية في مجتمعاتنا لذلك يصبح صنعها وتيرة دائمة ووجعا قائما لايمكن تصور الحياة بدونه والا تجردت من الرؤية الأخروية القائمة على غسل الذنوب والخطايا والتكفير عنها استعدادا لحياة جديدة بلا ذنوب او خطايا سرمدية الطابع.

الدكتاتور ينشأ بين ظهرانينا، يلعب معنا، يدرس في صفوفنا، يأكل على موائدنا، يتزوج منا، هو طيب في الاساس لايختلف عنا ما يجعله يختلف هي رؤيتنا له بعد ذلك.

عقليتنا المتضاربة تصعد به دون ذنب ارتكبه سوى ان ساقته الاقدار ليتبوأ مقعدا زائلا جعلنا نحن منه دائما وازليا، عقليتنا المتضاربة ما بين الديني والدنيوي تخلط الاثنين لتخرج لنا بما يفسد الارض والعباد.

صناعة الدكتاتور انسانية الطابع، سريعة العطب عند شعوب، سرمدية البقاء عند اخرى. الدكتاتور نفسه يتفاجأ بكونه دكتاتورا ولكن بعد حين، لا احد ينبهه، الكل يصلي له ومن اجله، يجهل امره ليصدق ما اتفق عليه الناس، ويتصور نفسه اماما بعد ذلك بعد ان كان قائدا عسكريا او سياسيا، يصدق انه مرسل من السماء لانقاذ شعبه او موحى اليه بذلك. يضيق الشعب به وينسى انه من نصبه والهه، يشتكي الناس من جوره وبطشه وينسى الناس أنهم هم من اهدى سوط العذاب له وامسكه بيده.

الدكتاتور كان طيبا في المدرسة وفي صباه وشبابه الاول بل كان وطنيا وقائدا للمظاهرات ضد الاستعمار بل وشارك في حروب الاستقلال وحروب الامة ولكن كان عليه الا يخرج من جلباب امته الحاضن والمفرخ لصناعة الدكتاتور والا ضاعت عليه مكتسباته السابقة. الدكتاتور كان انسانا طيبا رومانسيا يعيش هموم امته ويتغنى بأمجادها السابقة وبأغانيها الوطنية ولكن تاريخنا لا تسطره الرومانسيات وتبادل الرأي والأخذ بالتي هي احسن رغم المرويات والنصوص، الدكتاتور كان طيبا مع الجميع ولكنه اليوم يختص بأهله وبأقربائه ومن حوله ففي بؤرة وعيه ان هناك فقط فريقا وحيدا مؤهلا للنجاة دون غيره.

الدكتاتورية عبء عند البعض ونزوة وشهوة عند آخرين. قلص شيراك مدة حكم الرئيس المنتخب في فرنسا، بينما البعض لدينا يرى القرن مدة غير كافية للبدء بالاصلاح الموعود ليعطي مبررا لاستمراره حاكما من قبره او في صورة ولده او من يرثه.

الدكتاتور صناعة عربية خالصة فكيف نبكي من شيء صنعناه، الحرية قيمة اضعناها فكيف نبكي على شيء اضعناه. الدكتاتور باختصار هو ذلك الصنم الذي يصنعه العربي من التمر قبل الاسلام ليعبده وليأكله بعد اول وهلة من شعوره بالجوع.

قرأت مرة ان اقدم دكتاتور في التاريخ هو من صنع عصا ووضع في رأسها جزرة ووضعها امام الحمار الذي ركبه وظل الحمار ماشيا وراءها ليلحق بها وظل الراكب الدكتاتور على ظهره يسير به ولم يصلا الى الآن. انه أقدم دكتاتور لاقدم شعب في التاريخ.

عبد العزيز بن محمد الخاطر
6 مايو 2010

المصدر: جريدة الوطن القطرية

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version