1― المشهد الأول: رجال ونساء أوروبيون، معظمهم مسيحيون، أبحروا من إيرلاندا، من بينهم السيدة المخضرمة مايرد كوريغان، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام. إنهم رجال ونساء يتحدّوْن الغطرسة الصهيونية ويُوَاصلون رحلهم اليوم – الجمعة 4 يونيو│جوان 2010 – على متن سفينة “راشيل كوري” المعبّئة بالمساعدات والإمدادات الإنسانية، وهم عازمون، مهما كان الثمن، أن يؤدّوا أمانة الإغاثة والتضامن إلى الشعب الفلسطيني الأبي، المحاصر منذ 4 سنوات، من طرف قوّات الاحتلال الصهيوني المجرم وأيضا من طرف النظام المصري العميل.

2― المشهد الثاني: في نفس اليوم، 4 يونيو، في الجزائر العاصمة، وقت صلاة الجمعة في مسجد يُطلق عليه اسم “مسجد الثورة” – ظلما وافتراءً – يقع ببلدية المدنية. يصعد الإمام إلى المنبر ويلقي كعادته منذ سنين، صيحاته المزعجة، حتى لا نصفها بـ “خطبة الجمعة”؛ صيحات من البديهيات التي أكل الدهر عليها وشرب، ومعظمها أحاديث ضعيفة، هي أقرب ما تكون منها من الخرافات أو الإسرائيليات حتى. أما الكلام عن المظالم وأوضاع الأمة قاطبة، ومعاناة الشعب الفلسطيني بغزة على وجه الخصوص، وحديث الساعة، من مشارق الأرض إلى مغاربها، يدور كله في هذه الآونة، حول المجزرة التي تعرضت لها “قافلة الحرية”، فلا أثر لهذا عند الإمام. ولا غرابة في الأمر: إنّ الرجل – إن صحّ التعبير – هو من ذلكم النمط ممّن يطلق عليهم الشارع الجزائري، حسب وضعهم، اسم “أئمة المخابرات” أو “أئمة السعودية”، إشارة إلى خضوعهم للنفوذ الوهّابي السعودي السائد في العديد من المساجد. ناهيك عمّا شهدناه طوال العشرية الأخيرة من اكتساح متزايد للزوايا. زوايا، البعض القليل منها أصيل وله تاريخ مشرّف إبّان الثورة التحريرية، والباقي، مشبوه فيه وطنيا وأخلاقيا: حتى أنّ البعض من هذه الزوايا، وُجد من عدم بين عشية وضحاها، من أجل استفادة أصحابها من تدعيمات مالية عمومية جد سخية، قلّما تُنفق في صالح الفقراء.
 
والخلاصة، أنه لمِن داعي الخزي والعار، والمذلة والصغار، أن تضحى أئمة الكثير من المساجد في أرض الجزائر – جزائر الإسلام والعروبة والجهاد، جزائر الأحرار والشهامة والميعاد – مجرّد أبواق واهية، لا تحسن قرآنا ولا فقها ولا تفسيرا بل ولا أخلاقا… وكأنهم اختيروا قيس هذه المقاييس بالذات!
 
لقد ضاقت صدور المصلّين من تعتعة هذا، وفلتات ذاك، وصيَحات أولئك، واعترى الناس الملل من خطب البديهيات والخرافات التي عادت بقوة إلى مساجد الجزائر، وطن عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي ومالك بن نبي؛ وكل هذا يحدث تحت غطاء وتشجيع أصوات الردة الوطنية والأخلاقية التي تسلطت على معظم المنابر؛ أصوات يرأسها اليوم نهارا وجهارا وزير الشؤون الدينية والأوقاف الذي خوّل لنفسه الإفتاء بمنع الدعاء بالنصرة والعزة للإسلام والمسلمين، وتجريم الدعاء بالهزيمة والثبور على أعداء الأمة، بدءًا بالكيان الصهيوني المجرم وحكومات الولايات المتحدة والدول الأوروبية. فإلى متى هذا التوظيف السافر لبيوت الله في خدمة النظام و مصالح من هم أعداء لهذه الأمة؟

عبد القادر الذهبي
4 جوان 2010

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version