لم أكن أحلم يوما أن أكون صحفيا في حياتي، وكان توجهي منذ الصغر أن أصبح قائدا في الجيش أو مهندسا. وضعت القبعة التي كانت لا تفارقني على رأسي، وعمري لا يتجاوز 10 سنوات، وأتذكر أنّه وقتذاك كانت مدرسة أشبال الثورة وكنت أودّ أن أكون ضمن صفوفها.

في يوم من الأيام وأنا في السنة الأولى أو الثانية متوسط، كان أفراد من الجيش الوطني الشعبي يأتون كل يوم سبت، وهو يوم السوق الأسبوعي ببلديتي برج الغدير، بشاحنة ويقومون بحملة دعائية لصالح مدرسة أشبال الثورة، تقدمت بطلب الانضمام إلا أنني جوبهت بتصريح أبوي ومنعني والدي رحمه الله من التفكير ثانية في هذا الموضوع وكان يحثني دائما على إكمال دراستي.

كان كلّ من أعرفهم داخل المؤسسة العسكرية من أصدقاء أو أقارب ينصحونني بالابتعاد عن مؤسسة الجيش أو التفكير في الالتحاق بهذا السلك، ومنهم علي خبابه رحمه الله الذي توفي في حادث مرور، وبقيت تلك الحرقة تراودني حتى استدعيت لأداء الخدمة الوطنية.

كان بإمكاني أن أحصل على الإعفاء بكل ببساطة، لكنني أصررت على أداء الخدمة الوطنية، وكنت أعتبر أنّه من لم يؤد الخدمة العسكرية فهو خنثى، وقلت في نفسي، ها هي الفرصة مواتية لأتعاقد مع مؤسسة الجيش دون الاستعانة بأية وساطات، لكن فترة التدريب كانت كافية أن تقلب حُلمي إلى كابوس يطاردني، لِما رأيته من الظلم والاحتقار والتبذير …

لم أكن أقيم للطلبة أو الأساتذة أيّ اعتبار في فترة توقفي عن الدراسة للغضب الشديد الذي لاحقني، وكنت أصاب بالاشمئزاز عندما أرى من يحمل محفظة أو كتابا، والسبب أنني أحد ضحايا التعسف في استخدام السلطة في الجزائر، حيث أنه قام أحد المراقبين بتعذيبي داخل مؤسسة يقال أنها تربوية، دون أن أعرف السبب.

كانت بداية تأثري بالإعلام بعد فتح الفضائيات، وكنت من المشاركين في عدة فضائيات، مثل اقرأ، المنار، ام بي سي، العربية… كانت بداية كتابتي من خلال المشاركات التفاعلية في عدة منتديات عربية مشهورة، إلى أن استقللت بفتح منتدى بلا حدود سنة 2006 وكانت الجامعة في فرنسا المستعمر مساعدا أكبر في تطوير أفكاري، تلك الجامعة التي حُرمت من الدراسة فيها ببلدي الجزائر.

في خلال هذه الفترة أي بعد فتح المنتدى تعرفت على الكثير من الخفايا وتوصّلت إلى الكثير من الحقائق التي لا يعرفها إلاّ أهل الاختصاص، ومن خلال هذا الإعلام الحرّ، سقطت الكثير من الأقنعة، وبدأ المواطن يتطلع على أسرار مهنة الصحافة الكترونيا دون أن يدخل المعاهد أو الجامعات، وأصبح بإمكان أيّ مواطن أن يصبح مديرا ومصوّرا ويمارس عدة مهام كالتركيب… بإمكانيات بسيطة متاحة للجميع.

فتعرفنا على كيفية التلاعب بالصورة والصوت التي كانت تستعملهما تلفزتنا الموقرة والكثير من القنوات التابعة للأنظمة البوليسية، والحيل السينمائية… وتعرفنا على تقنية الأسماء المستعارة التي كانت ولا تزال تستعملها السخافة التي تسمى نفسها بالصحافة، وها هي الصحافة الورقية اليوم تتهاوى من أعلى جبل إلى الوادي بل حتى القنوات الفضائية من خلال المواقع التي تدعم الصوت والصورة.

وها هي تلك الأسماء التي صنعها التلفزيون أصبحت في عداد أهل الكهف، وها هي المعلومة التي كانت تتحكم فيها أجهزة المخابرات وتوزعها عن طريق السيروم، أصبح المواطن هو من يتحكم فيها من خلال نقّال بسيط وخط انترنت ينقلها من قلب الحدث، وها هم الصحفيون أو الكتاب المرتزقة يُسجلون في منتديات بأسماء مستعارة لنشر مقالاتهم أو مدح أنفسهم أو إجراء حوارات مع أنفسهم بحثا عن قراء.

ومع ذلك ينادي بعض الصحفيين الفاشلين أو بعض الشخصيات الكارتونية، الذين صنعهم إعلام السلطة في اليوم العالمي للصحافة، بطلب السلطات أن تفتح مجال الأعلام للخواص، لست أدري ماذا يقصدون بالضبط، هل يقصدون أن تمولهم الدولة أو تعطيهم مقرات تضاف إلى المقرات التي يمتلكونها لتضليل المواطن مرة أخرى، أو تسمح لهم بإنشاء قنوات فضائية على أساس المهنة التي اكتسبوها من خلال التحايل على المواطن طيلة سنوات أم لأرباب المال السحت والحرام الذي تحصلوا عليه من خلال الرشوة والإثارة… أم… وفي المقابل من على مواقعهم يدفعون السلطات البوليسية لحجب المواقع أو مطاردة بعض الأسماء الحرّة التي تعري عوراتهم كل يوم.

احترقت أوراقكم أيها المسيئون لمهنة الصحافة والإعلام، يا من ضلّلتم شعوبا بأكملها وبدل أن تنادوا بالاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، كان الأحرى بكم أن تنادوا باليوم العالمي لحرية السخافة.

نور الدين خبابة
12 ماي 2010

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version