قد يبدو العنوان مستفزا لمن سُمّوا زورا بالديمقراطيين، وغريب لغير العارفين لما جرى في الجزائر منذ أحداث أكتوبر1988. ذلك المخاض العسير الذي أنجب التعددية الحزبية، التي سرعان ما تمّ وأدها في المهد، لكن العنوان يُعتبر شرابا مُصفّى لمن تجرّعوا علقم “الديمقراطيين”.

إن المتابع عن كثب يعرف بأن الديمقراطية ما هي في الحقيقة إلاّ قفازا حريريا يضعه مجرم على يديه الملطختين بالدماء، ليوهم الطمّاعين بأنه ورع وتقي، يرعى مصالحهم ويسهر على حمايتهم.

لو لم أسافر يوما وأعيش في المهجر طوال سنين لما ترسّخت عندي هذه القناعة. لقد أصبحت الديمقراطية عندي ككذبة أفريل التي جعل منها من يُسمّون بالديمقراطيين فرصة للفرجة كلّ سنة، للاحتفال بيوم الكذب بطريقة ساخرة، والحقيقة أنهم يكذبون طوال العام فما الذي جعلهم يا ترى يحتاجون إلى هذا اليوم، ربّما قد يكون بدافع إقناع من يخالفونهم الرأي أو لعلّها هي هكذا حرية التعبير؟

يقال بأنّ الديمقراطية تعني حكم الشعب، ويقال بأنّ الديمقراطية تعني التداول على السلطة، ويقال أنّ الديمقراطية تعني حرية التعبير، ويقال أن الديمقراطية تعني احترام حقوق الإنسان، ويقال ويقال…

لكن عندما ننظر إلى الواقع، نجد أن دولا محتلة من طرف من يرفعون هذه الشعارات، ونتأكد من أن هذه الأنظمة تدعم الدكتاتوريات في أوطاننا، وتحارب كل حاكم يتمتع بالإرادة ويرفض الهيمنة والغطرسة، وتسمي حركات المقاومة التي تقاوم المحتل بالإرهابيين، مع أن قوانين هذه الأنظمة نفسها تسمح لكل بلد تعرضت سيادته للاحتلال أن يدافع عنها بالطرق الكفيلة، ونجد أن هؤلاء الديمقراطيون يتابعون كل من التحى أو صلى في المسجد أو أعلن أنه صائم يطبق أوامر الله في نفسه أو تحدث بلغته.

هذه الأنظمة الديمقراطية نفسها نراها عندما يسجن أحد مواطنيها أو يتعرض للمساءلة في دولة ما بتهمة، تسارع للتدخل وتقوم بتخليصه في أقرب وقت ممكن من باب السيادة ويفرح فرحة العيد، ونراها في المقابل تدوس على سيادة دول وشعوب أخرى ولا يهمها إن أعدم مواطنوها يوم العيد، فأين هي العدالة وأين هي الحرية، وأين هي الأخوة، وأين هي المساواة وأين هي الحضارة؟

أحزاب وشخصيات بل وأتباعهم ومدّاحوهم يصنفون أنفسهم بالديمقراطيين ويتهمون الإسلاميين بالظلاميين وبأنهم أعداء الديمقراطية فوق الأرض، مع أن الإسلاميين لم يصلوا إلى الحكم، فهم الذين مُلئت بهم السجون والمعتقلات في مصر، والجزائر، وتونس، والأردن، وليبيا، والمغرب، وباكستان، وفلسطين، وسوريا، وإيران، والعراق… وهم الذين تعرّضوا لأقصى أنواع التعذيب، وهم الذين يطاردون في البرّ والبحر، وهم الذين طردوا من مناصب عملهم وهم الذين ضُيّق عليهم في ملبسهم وفي طرق عيشهم… وهم الذين فازوا بثقة الشعب أكثر من مرة، وهم الذين منعوا من التعبير من طرف من يدّعون حرية التعبير… وكل التضحيات التي قدّموها استفاد منها من يُسمّون بالديمقراطيين، فإذا أضرب أحدهم عن الطعام أمام الكاميرات وأكل بعيدا عنها، أقاموا الدنيا ولم يقعدوها وإذا لم يمدد جواز سفره كذلك، لكنهم لا يبالون بغيرهم إذا ما أبيدوا عن آخرهم.

إنها الديمقراطية العرجاء أو الديكتاتورية المرصّعة بالذهب كما قلت في موضوعي السابق. لا تسمح بالمشاركة ولا بأخذ الرأي إلاّ إذا كان الرأي واحد، يتماشى مع مصالحها ومع نفوذها، لا تقبل بالإرادة الشعبية إلا إذا أفرز الصندوق نتائجها وما عداه، فهي ظلامية وعودة إلى القرون الوسطى، حتى ولو كان المرشح رائدا فضاء أو جراحا في أكبر المستشفيات أو باحثا في أرقى الجامعات.

باختصار إنهم ديمقراطيون لكنهم لا يقبلون بإرادة الشعب، لأنهم يعتبرونه قاصرا غير راشد، فقط عندما يختارهم ويصفق ويهلل لمشاريعهم فهو شعب أبي وصاحب معجزات.

نور الدين خبابة
13 فبراير 2010

تعليق واحد

  1. غير معروف بتاريخ

    الديموقراطية
    اولا اعتقد ان الديموقراطية ليست ملك لاحد ثم ان هدا المقال يتكلم عن ممارسة الديموقراطية في العالم لا الديموقراطية في حد داتها لدا يجب اولا ضبط المفاهيم فالديموقراطية موجودة شانا ام ابينا في الدول الغربية لكن الاشكال يطرح في ممارستها المتفاوتة من دولة الى اخرى لكن مشكلة الدول العربية و المغاربية هو الغياب التام للمشروع الديموقراطي فلا يمكن ان نتكام عن اي شيء من حرية التعبير….في غياب تام لمناخ ديموقراطي اما الحل فيبقى في الكفاح المستمر و الدؤوب من اجل الانطلاق في بناء الاسس الديموقراطية لهده الامة

Exit mobile version