أهو فقدان للذاكرة أم هو سوء النية يا خالد نزار؟

اتهمني الجنرال خالد نزار بجميع العلل، إذ يزعم بأنني خربت الجزائر خلال الثمانينيات يوم كنت وزيرا للتخطيط ثم رئيسا للوزراء. إذ كان خطابه في منتدى “الشروق اليومي” مليئا بالشتائم والأكاذيب وعكسٍ للأدوار وتزويرٍ للوقائع.

وهدفي اليوم من الرد ليس لأنتهج أسلوب الجنرال خالد نزار المتدني للغاية. فأنا أرفض، في الواقع، أن أهاجمه شخصيا بذكر وقائع ما تحت الحزام. فردي سيكون سياسيا كما كان أسلوبي في برنامج “زيارة خاصة” التي بثتها قناة الجزيرة الفضائية، والتي على إثرها كان رد السيد خالد نزار من خلال منتدى جريدة “الشروق اليومي”.

في المقابلة، التي بثتها قناة الجزيرة قدّمت مساهمة متواضعة لتمكين الجزائريين من أدلة موضوعية لتسليط الضوء وكشف الغطاء عن الارتباك والغموض، والذي تنتهجه جماعة “حزب فرنسا” منذ الأحداث المأساوية في أكتوبر 1988. إذ يبدأ نهجنا من تأكيد ثلاث حقائق:

— القيادة السياسية لهذه الحركة تريد فرض النموذج الغربي على الشعب الجزائري، بما في ذلك تعزيز النفوذ الفرنسي متعدد الأوجه في الجزائر؛
— محاولات تنفيذ سياسة اقتصادية ليبرالية على حساب المصالح العليا للجزائر؛
— العداء للإسلام والعالم العربي وبناء المغرب العربي. في هذا السياق أعطي ثلاث أمثلة للجنرال نزار لعلها تكون كافية:

1— العداء للإسلام هو من قبل تصريحات نمطية تغطي الحقيقة مثل “أنا مسلم وأنا أصلي، وأصوم. وأذكر في هذا المجال أن الإسلام هو كل لا يتجزأ وينبغي ألا يقتصر على جوانب معينة وعزل الجوانب الأخرى. فالإسلام على وجه التحديد يقدم مجموعة مبادئ ومنظومات قيم التي يمكن أن تساهم، بعيدا عن العنف والعبارات الجوفاء، حلولا في طريق المعرفة والتقدم والتنمية والتضامن والسلام. وهذا ما ترفضه جماعة “حزب فرنسا” تحديدا.

2— أما فيما يتعلق بالمغرب العربي، يكفي أن نشير إلى تصريح من الجنرال نزار في جريدة “الوطن” في عام 2002، عندما سئل عن سياسة الرئيس السابق الشاذلي بن جديد، فقال “لن أغفر أبدا للرئيس الشاذلي الذي وقّع على معاهدة إنشاء’اتحاد المغرب العربي’ في عام 1989”.

3— أما بالنسبة للعالم العربي، فإنه لا يكفي أن يقول الجنرال نزار انه كان في مصر بعد العدوان الإسرائيلي، لأنه في الواقع كان قد بُعِث من غير إرادته من طرف الرئيس بومدين، الذي كان آنذاك قد أعلن الحرب على إسرائيل.

وعلاوة على ذلك، ففي شهر مارس 2002، اتّهم الجنرال نزار الرئيس السابق علي كافي علنا على أنه أصولي متطرف وعضو في المخابرات المصرية. لقد كان الجنرال نزار طالبا جيدا لشيوخه القادة الفرنسيين الذين اتهموا بعض قادة الثورة الجزائرية على أنهم من العملاء المصريين خلال حرب التحرير.

وفي هذا الصدد، فإن هذه الحركة السياسوية تمارس سياسة تقوم على التضليل والتحريف والاستفزاز والاحتقار. وبالإضافة إلى ذلك العداء والشك والريبة تجاه المفكرين الذين يتّسمون بالأمانة الفكرية والنزاهة.

أما نهجنا في الرد على الشتائم هو التوضيح للسماح للجزائريين وخاصة الشباب منهم لفهم الأبعاد الحقيقية لهذه الأزمة المأساوية التي يعاني منها بلدنا.

ولذلك، فقبل الرد على شتائم الجنرال نزار، فمن المهم أن أعطي فكرة شاملة عن نتائج تنفيذ سياسات التنمية خلال العقدين 1970 و 1980 و 1990.

وفي هذا الصدد أذكر ببعض الحقائق الأساسية التي سجّلت خلال العقود الثلاثة في 1970 (في عهد الرئيس بومدين)، وخلال 1980 و 1990 (عندما استطاع الضباط السابقين في الجيش الفرنسي التغلغل إلى دواليب السلطة وقمة الدولة الجزائرية).

ألف—  إستراتيجية التنمية التي انتهجت خلال السبعينيات كانت تستند على قطاع الصناعة

1— استفاد القطاع الصناعي، الذي يُعتبر المحرك للتنمية، من 60 في المائة من مجموع الاستثمارات في الجزائر بين عامي 1967 و 1978. ومع ذلك، فقد اختنقت معظم الشركات الصناعية الوطنية، وتعرّضت للشلل في عام 1978.

2— وعوضا أن تستفيد هذه الشركات وطنية من الأرباح للإسهام في التنمية كما ينبغي أن يكون دورها، كانت في معظمها، وفي كل سنة، تدعو إلى موارد ميزانية الدولة لسد العجز.

3— أما على صعيد التجارة الخارجية، فلم تكن الشركات المحلية قادرة على تصدير منتجاتها خارج قطاع المحروقات، فبدلا من ذلك كانت تركّز على استيراد المنتجات التي كان من المفروض أن تنتج لتلبية احتياجات المستهلكين الداخلية.

4— أما فيما يتعلّق بالدَّين الداخلي والخارجي (بالدينار والعملات الأجنبية) فمن هذه الشركات الوطنية قد بلغ 179 مليار دينار في عام 1978، (ما يقرب من 40 مليار دولار)، أي ضعف الإنتاج المحلي الإجمالي في نفس العام.

5— وفي عام 1978، أنتجت الشركات الصناعية بنسبة 40٪ فقط من طاقتها. وقد ارتفع معدل الاستخدام إلى 80٪ بين عامي 1980 و 1985 لتنخفض بعد ذلك بشكل كبير إلى أقل من 20٪ بين عامي 1996 و 1999.
 
6— الشركات الوطنية كانت معروفة باعتمادها بشكل مفرط على المساعدة التقنية الأجنبية. إذ تم، بين 1973 و1978 توقيع 4912 عقدا لتقديم المساعدة التقنية (شركات استشارية وشركات الهندسة) في مجال الصناعة بمبلغ قدره 79.4 مليار دينار، أو 18 مليار دولار ويشكل هذا 90٪ من مجموع المساعدة التقنية الأجنبية في الجزائر.

وهكذا، بدلا من أن تكون الصناعة محركا للتنمية، فقد أصبحت عبئا على الجزائر.

ومن الجدير بالذكر فإن هذا النهج قد اقترن بإهمال الزراعة، والأشغال العمومية وتدهور أزمة السكن والقطاعات الاجتماعية. ففي قطاع الزراعة، التجأت الدولة استيراد كميات ضخمة من المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس والطماطم واللحوم الحمراء والدجاج والبيض.

باء— نتائج السياسات المنتهجة: تطور المعايير الرئيسية الاجتماعية والاقتصادية

1— تطور الناتج المحلى الخام
 
زاد الناتج المحلي الخام من 86.7 مليار دينار، (19.3 مليار دولار) في عام 1978 إلى 248،4 مليار دينار، أو (55.2 مليار دولار) في عام 1985. وتضاعف الناتج المحلى الخام ثلاث مرات تقريبا في غضون 6 سنوات. ووصل إجمالي الناتج المحلي الخام 261.8 مليار دينار، أو 55.8 مليار دولار في عام 1989 لينخفض إلى 41 مليار دولار في عام 1998.

أما نصيب الفرد من الناتج المحلي الخام فقد ارتفع من 360 دولار في عام 1970 إلى 850 دولار في عام 1975. وصل إلى 2560 دولار في عام 1985 و 2270 دولار في عام 1989. ثم ينخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الخام إلى 1200 دولار في عام 1995 و 1376 دولار في عام 1998، مما يمثل 54٪ من مستواه في عام 1985.

2— البطالة

لقد تم إنشاء 1،030،000 وظيفة بين عامي 1979 و 1988. أما معدل البطالة فقد ارتفع من 1.141.276 في عام 1988 وذلك بنسبة 20٪ إلى أكثر من 3،000،000 في عام 1998 وذلك بنسبة 34٪. أما عدد العاطلين عن العمل قد تضاعف ثلاث مرات تقريبا في غضون 10 سنوات، خلال وصول الضباط السابقين في الجيش الفرنسي إلى السلطة.

3— الميزان التجاري
 
بلغ عجز الميزان التجاري للسلع والخدمات 53.24 مليار دينار، أو 12 مليار دولار بين عامي 1967 و 1978.
والعجيب في الأمر فقد كان الميزان التجاري للسلع والخدمات كان فيه فائض في الفترة ما بين 1979 و1988، قدره 73.35 مليار دينار، أو 16.3 مليار دولار خلال تلك الفترة.

4— الديون الخارجية

الديون الخارجية للجزائر كانت 19.4 مليار دولار في عام 1979، مما يمثل 100٪ من إجمالي الناتج المحلي الخام. وذلك بفضل تعزيز التدابير الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة، وقد انخفض هذا الدين إلى 12.7 مليار دولار في عام 1984 أي بنسبة 25 في المائة من الناتج المحلي الخام، ليرتفع إلى 21 مليار دولار في عام 1989، بزيادة 37.6٪ من الناتج المحلي الخام. وزادت الديون الخارجية إلى 26 مليار دولار في عام 1991 و 40 مليار دولار في عام 1998، عندما بما في ذلك الديون العسكرية.

5— الإسكان

لم ينجز من وحدات السكن بين عامي 1967 و 1978 سوى 379000 وحدة، أي بنسبة 31000 مسكنا في المتوسط سنويا.

أما بين عامي 1980 و 1984 فقد أنجز 434000 مسكنا، أي ما يقرب من 87000 مسكن سنويا في المتوسط أي بزيادة أكثر من 117000 منزل لمدة عام واحد من قطاع الأعمال والبناء والتشييد. وقد انخفض الإسكان بدرجة كبيرة خلال التسعينيات مع وصول جماعة حزب فرنسا أو الضباط السابقين في الجيش الفرنسي إلى السلطة، إذ أنه لم يسجل سوى 40000 مسكن في السنة، مما يجعل من أزمة السكن تبلغ حد الانفجار.

6— الأزمات الاجتماعية

لقد ساءت الأزمة الاجتماعية منذ عام 1990، وذلك من خلال الاختلال الوظيفي للاقتصاد. ولم يؤد هذا إلى معاقبة الطبقة ذات المداخيل المنخفضة، بل انتهى الأمر إلى سحق ومحو الطبقة المتوسطة.

وعلاوة على ذلك، فقد تزايدت حدة التوترات الاجتماعية التي غذيت من خلال التضخم خاصة (الذي وصل إلى 45٪ في عام 1994، وهو أعلى مستوى منذ الاستقلال)، والبطالة، والتفاوت في توزيع الدخل والثروة، وقد أدى هذا وزاد في التوترات الاجتماعية.

إن الطبقة المتوسطة، التي كانت مهمة جدا حتى عام 1986، كانت بمثابة ضمان للانسجام والسلام الاجتماعي فقد بدأت في التراجع منذ عام 1992 لتختفي من 1995-1996.

إضافة إلى ذلك، فقد ذكرت مصادر رسمية جزائرية تعترف بأن أكثر من 14 مليون جزائري يعانون من الفقر المدقع في عام 1999 وقد ازدادت الأمور سوء منذ ذلك الحين.

7— أزمة أخلاقية
 
الفساد واختلاس الأموال العامة، والمكاسب غير المشروعة، والبيروقراطية (التي تولد الفساد في حد ذاته)، والامتيازات وامتيازات تحدى القانون والعدالة، وتراكم الثروة في يد أقلية، وليس من خلال العمل والجهد ولكن من خلال ممارسة جميع أنواع الحيل والأساليب غير القانونية والإفلات من العقاب، قد ساهمت كلها في إضعاف التماسك الاجتماعي وزيادة العداء تجاه السلطات على أنها هي المسؤولة عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. كل هذه العوامل تفسر أزمة الثقة بين الحكام والمحكومين.

أما فيما يتعلق بالفساد، فقد ذهب السيد نزار إلى القول بأن مبلغ 26 مليار دولار التي ذكرتها في عام 1990 ليس لها أي أساس من الصحة بل أنكر وجود الفساد في الجزائر. ولكن اليوم، والجميع يدرك حجم هذا النوع من السرطان. وعلاوة على ذلك، ففي عام 1996، فقد قدر وزير الصناعة الفساد العام إلى 2 مليار دولار سنويا. وعلى الفور تم إعفائه من مهامه.

وإضافة إلى ذلك، فإن الصحافة الجزائرية ذهبت إلى ذكر مبلغ 36 مليار دولار في عام 1999، وذكرت أيضا إمكانية العفو من الضرائب التي يتم التحضير لها في رئاسة الجمهورية لتبييض الأموال التي تم اختلاسها.

8— أزمة سياسية
 
الأزمة السياسية وبالتأكيد كانت أصولها في طبيعة النظام ذاته. لكن هذه الأزمة السياسية قد تفاقمت من جراء انقلاب كانون الثاني/يناير 1992 مع إلغاء الانتخابات، وإنشاء حالة الطوارئ، وتعزيز تدابير إنفاذ القوانين (التي حددها مرسوم في 30 سبتمبر عام 1992، وهي نسخة من المرسوم الفرنسية في 14 آب/أغسطس 1941 التي اتخذتها حكومة فيشي) وانتهاك للدستور وحقوق الإنسان: الإعلام والاعتقالات التعسفية والخطف والاغتيالات خارج نطاق القضاء، والتعذيب، إلخ.

جيم— هجمات شخصية حاقدة تستند على الأكاذيب

من خلال الوقائع المذكورة أعلاه يتبيّن بوضوح أن الحالة الاقتصادية والاجتماعية خلال الثمانينيات، وهذا خلافا لمزاعم الجنرال نزار، من أنها أحسن بكثير من السبعينيات والتسعينيات حين استطاع الضباط السابقين في الجيش الفرنسي التغلغل إلى دواليب السلطة.

أما فيما يتعلّق بأحداث أكتوبر 1988، فهناك أدلة كافية تثبت تورّط بعض الفارين من الجيش الفرنسي في قمة السلطة، بما في ذلك العربي بلخير وخالد نزار في التنظيم والإشراف على أعمال الشغب. لقد نسقوا ونظموا أعمال الشغب ومن ثم اقترحوا على رئيس الدولة جملة من التغيرات العميقة في المناصب العليا للدولة والحزب وجبهة التحرير الوطني وفي التوجهات السياسة الداخلية والخارجية في الجزائر. وقد حصلوا على ما يريدون. هذه الأدلة التي ذكرتها بالتفصيل في كتابي “جذور المأساة الجزائرية (1958 – 2000)”، نشرت باللغتين الفرنسية والعربية، كما أشرت إلى ذلك في مقابلة مع قناة أخبار الجزائر يوم 4 أكتوبر 2009.

أما فيما يتعلق بأكاذيب الجنرال نزار عن دوري في جيش التحرير الوطني، فيكفي أن أشير إلى الحقائق التالية:
كنت مسؤولا عن الطلبة الداخليين في المدرسة الفرنسية للمسلمين بقسنطينة، وفي عام 1955 التحقت عن عمر يناهز 19 عاما، بجبهة التحرير الوطني في ظل قيادة الأخ مصطفى بوغابة، الذي لا يزال حيا. وفي عام 1956، انضممت إلى الولاية الثانية لجيش التحرير الوطني، حيث كنت تعرفت على الأخ الزعيم الأخضر بن طوبال وتعرفت كذلك على القادة التاريخيين رحمهم الله كزيغود يوسف صلاح بوبنيدر، المعروف باسم صوت العرب وعلي كافي، الذي لا يزال على قيد الحياة. وفي عام 1957، كنت في الحدود الجزائرية التونسية برفقة الأخ أبو اليزيد بن يزار لتسليم الأسلحة والذخيرة إلى الولاية الثانية. من هناك أُرسلت بواسطة الأخ العقيد أوعمران إلى المدرسة الحربية في حمص في سوريا وليس في حلب كما ادعى الجنرال نزار. كنا فقط خمسة من الجزائريين من حضر تلك المدرسة العسكرية التي شكلت من ضباط يتميزون بالفعالية على أساس برنامج سانسير. كنت برفقة الإخوة (بالترتيب الأبجدي) حسين بن معلم، عبد الرزاق بوحارة كمال ورستي والعربي سي لحسن.

وفي عام 1959، وبعد خروجنا من الكلية العسكرية، اجتمعنا في القاهرة بالأخ كريم بلقاسم، الذي كان وزير الحرب، الذي طلب منا أن ننضم لكلية الإطارات، التي تقع في منطقة الكاف في تونس، كمدربين. أصررت أنا وأخي بوحارة على الانضمام إلى الوحدات القتالية بالداخل. وافق الأخ كريم بلقاسم على ذلك شرط أن نذهب إلى مدرسة الإطارات لجزء لمدة من 3 إلى 4 أشهر. فقبلنا بهذا الاتفاق. وخلال صيف عام 1959، التقيت بالحدود الجزائرية التونسية الأخ علي كافي الذي جاء من الداخل ليحضر الاجتماع التاريخي للعقداء العشرة الذي دام أكثر من ثلاثة أشهر للتحضير لاجتماع مجلس الثورة الذي عقد في طرابلس في وقت لاحق. طلب مني الأخ علي كافي مرافقته إلى تونس لمساعدته في ترجمة وثائق مكتوبة باللغة الفرنسية. فقبلت بالمهمة. وقد سمح لي هذا أن أتعلم الكثير من الأشياء الجديدة، وساعدني في إلقاء بعض الضوء على الجوانب الخفية للثورة، وبالتالي تحسين تكويني السياسي.

بعد اجتماع العقداء، رجعت إلى الحدود، وقد حاولت مع الأخ أبو اليزيد بن يزار لعبور الخطوط المكهربة لشال وموريس. وبعد عدة محاولات، سقط أخي أبو اليزيد في المعركة، في حين أنني لم أكن بعيدا عنه. وواصلت محاولاتي للتسلل إلى الداخل برفقة أخي محمد عطايلية، حتى كان اليوم الذي رصدتنا فيه دورية الاستطلاع وقد هوجمنا من قبل الطائرات والمدفعية الفرنسية. استطاع الأخ عطايلية إسقاط طائرة استطلاع بنجاح ببندقيته ماس 49. أصبح القتال بعدها أكثر عنفا وأصيب الأخ عطايلية بجروح خطيرة في ذراعه، كما سقط جندي في المعركة، وقطعت ساق جندي آخر، وأصيب جنديان آخران بجروح طفيفة. نجحنا في إجلائهم على ظهر بغل إلى مركز القيادة (المنطقة الشمالية)، وقد وضع الأخ عبد الرحمن بنسالم تحت تصرفنا سيارة لاندروفر للذهاب إلى المستشفى ثم إلى غارماو ثم باجا.

في يناير عام 1960، عندما تم تعيين بومدين رئيسا للأركان العامة استدعاني هذا الأخير لغاردماو ومنعني من محاولة عبور الخطوط المكهربة، وقد أخبرني بالإستراتيجية التي ينتهجها وطلب مني أن أقدم المساعدة في تدريب كتائب جديدة بمساعدة من 3 ضباط سابقين من الجيش الفرنسي: الكابتن زرقيني، والنقيب والملازم بوتلة سليمان هوفمان.

 وفي نهاية هذه المهمة، أولاني العقيد بومدين قيادة الفيلق السابع الثقيل للمنطقة الشمالية ويعين خالد نزار على رأس الفيلق الثالث الثقيل للمنطقة الشمالية. لقد كنت على خط الجبهة، وأعتقد أنني قد قمت بواجبي بكل جدارة وفي الهجمات المختلفة التي كنا نقوم بها ضد القوات الاستعمارية الفرنسية حتى الاستقلال، والحمد الله. ويعرف خالد نزار هذا جيدا، لأن لدينا وحدات كل منها كانوا معنا في نفس المنطقة.

إن الهجمات الشخصية الكريهة التي ساقها الجنرال خالد نزار لا أساس لها من الصحة على الإطلاق، وهؤلاء ليسوا وطنيين وشهودا نطلب منهم التأكيد ما أقول.

فمن الواضح أنه منذ عام 1992، فقد تحول العنف إلى سياسة متعمدة من النظام بذر الكراهية والشقاق والرعب في صفوف أبناء الشعب نفسه، هذا الشعب المحب للكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية. ففي هذا المنظار والاعتبار، كان تدخل السيد نزار لدى وسائل الإعلام ويقدم نفسه على انه المتحدث باسم لحركة الضباط السابقين في الجيش الفرنسي والمدافع عنهم.

لن تفلح لا الإثارة ولا الأكاذيب، ولا عمليات التضليل والخلط، ولا الخطابات الباهتة والأحاديث الأحادية الجانب (المونولوج) في أن تأخذ بيد الجزائر إلى الخروج من حالتها المأساوية الراهنة إلى بر النجاة.

بل على العكس من ذلك تماما، وكما تشهد به الوقائع اليومية من بؤس وبطالة ويأس يفتك بالشباب الجزائري (الشباب الذين تقل أعمارهم عن 29 سنة يمثلون 75% من سكان الجزائر)، كلها تفسّر محاولات هروب الشباب إلى الخارج برًا وبحرًا فيما بات يسمى بظاهرة “الحرّاقة”.

أصبحت الجزائر مثل القِدْر في كامل غليانه، على أهبة الانفجار كما يتّضح من أعمال الشغب المتكرّرة في أنحاء متفرقة من البلاد، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.

وحدها عملية الحوار الوطني الشامل والصادق مع العودة إلى سيادة الشعب في شفافية وديمقراطية بعيداً عن أي تزوير أو تزييف للحقائق، كفيلة بإخراج الجزائر من أزمتها المتعددة الأبعاد.

لقد آن الأوان أن يسود العقل والحكمة على العنف والغطرسة والكراهية والشقاق.

عبد الحميد الإبراهيمي
26 أكتوبر 2009

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version