المتتبع للشأن الجزائري من أهل الخبرة والتحليل، يُدرك جيدا بأن النظام الجزائري يفتقد إلى بعد النظر وما يحسنه هو تسيير الأزمات دون حلّها، تراه يستعمل وسائل المكر والخديعة للإطاحة بالخصوم، واستعمال عامل الوقت لإدخالهم في الصفّ أو بعثهم إلى الأرشيف أو احتقارهم بالتهميش، وزرع اليأس والقنوط بين أبناء الشعب الواحد، لتبقى المبادرة عند النظام دائما…

كلّما جاءت مظاهرة أو احتجاج تسلّل إليها أعوان النظام وبعض من المرتزقة، تارة عبر أصحاب السوابق العدلية أو من المشوهات ذوات السمعة السيئة، فاخترق تلك الاحتجاجات الغاضبة وأغرى هذا وضغط على ذاك ووعد هذا وغمز ذاك، وأجّل الحلول إلى قرن آخر.

المؤسف له، هو أن بعض المدّعين للمعارضة لم يستفيدوا طيلة هذه الأزمة من أخطاء النظام، ولم يتداركوا أخطاءهم التي أطالت عمر النظام، وأصبحوا يمدّونه بالأوكسجين أو السيروم السياسي متى ما دعت الضرورة، والمحيّر أنهم يزعمون أنهم في خدمة الشعب ويسعون إلى إسقاط النظام أو استئصال ذلك السرطان.

لا أحد رأيناه طرح السؤال لماذا لم يسقط النظام طوال هذه السنين؟ هل بضعف المعارضة وجبنها أم بدهائه وذكائه وقوته؟ لو مررنا مرور الكرام فقط على الأحداث الأخيرة التي وقعت في حي ديار الشمس في ضواحي العاصمة، لأدركنا هشاشة هته المعارضة ولأدركنا أن قوة هذا النظام تكمن في أن المعارضة ليست في المستوى المطلوب وما تحسنه، هي ردود الأفعال ومواصلة القطيعة التي خدمت النظام أيّما خدمة وأبعدت المعارضة على الإمساك برقبة هذا النظام.

البارحة، شاهدت عز الدين ميهيوبي وهو يتحدث عن إنشاء خمس قنوات فضائية جديدة وهي التي ستضاف إلى الخمس الأولى، فقلت في نفسي، ربّما ستضاف خمس أخرى في الخمس القادمة، وسيموت لا قدر الله ما تبقى من قادة الجبهات الثلاث الذين فازوا بالانتخابات التشريعية سنة 1991 وهم الذين أقصاهم النظام من أخذ المبادرة وجعلهم خارج اللعبة السياسية إلى أجل غير مسمى، وسيجد أنصارهم أنفسهم أمام مأزق كبير لأنهم لم يتعودوا على أخذ المبادرة.

ما الذي فعلته المعارضة يا ترى طيلة هذه السنوات غير الصياح والعويل في الشوارع وفي أحسن الأحوال بالتراشق عبر القنوات الفضائية، منهم من يأكل في موائد النظام ويتمتع بجواز السفر الدبلوماسي ويأخذ الأجرة المريحة كل شهر، ويبكي دموع التماسيح على الغلابى، ومنهم من يعيش في الأمن والرخاء ويعقد الصفقات في السرّ والعلن، ومنهم من يتاجر بالآهات ويزعم الدفاع على مصالح الشعب، ويا ليتهم صمتوا وتركوا الشعب ينتفض لأن تحركهم وقت الاحتجاجات أو المناسبات سواء الانتخابية أو التاريخية، هو سيروم للنظام وتواطؤ معه لإفشال الهبّة الشعبية التي بدأت تتوسع وتكبر ككرة الثلج، والآتية إن آجلا أو عاجلا على هذا النظام، وأخشى ما أخشاه هو أن تحلّ الكارثة على الشعب، إن لم تتدارك المعارضة تقصيرها وعدم مسايرتها الواقع وتسارع لأخذ المبادرة.

خلال العشرين سنة التي مضت، أدخل النظام الآلاف في أسلاك الأمن وفي المؤسسات العسكرية ودرّب الكثير من الصحفيين، واشترى الكثير من الذمّم وفعل الأفاعيل، ومنذ ملئ الخزينة وارتفاع أسعار البترول، ظهرت بعض الإمبراطوريات الإعلامية، وجدّد النظام ترسانته وأعاد الكثير من حساباته وغير واجهته وطلاها مثلما يحلو له، فماذا فعلت هذه المعارضة التي لم تُغير حتى من خطابها بل تتباكى على التداول على الحكم وهي لم تجدد مكاتبها وبقيت تردد أشياء ملّ الجزائري من سماعها وكفر كفرا بالسياسة، يحتاج إلى الاستغفار، متى ما شخصت هذه المعارضة الأزمة تشخيصا دقيقا، وكانت في مستوى طموحات الشعب ووجدت الحلول الملائمة والدائمة بعيدا عن الأنا.

نور الدين خبابة
31 أكتوبر 2009

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version