لقد اتخذت الحكومة الجزائرية جملة من الإجراءات تصب أغلبها – وكما قدم كتبرير لها – في خانة حماية الاقتصاد الوطني كان آخرها توقيف أو منع القروض الاستهلاكية. وبحسب علمنا فإن هذه القروض كانت موجهة في أصلها لذوي الدخل المتوسط وهم من يشكلون الطبقة الوسطى بالمفهوم العام ويعتبر قطاع الوظيف العمومي هو الدعامة الأساسية لهذه الطبقة الاجتماعية. وتركزت القروض الاستهلاكية بوجه خاص في اقتناء السيارات السياحية بوجه خاص وهو الأمر الذي زاد من الطين بلة على اعتبار أن السيارة أصبحت من الضرورات التي لا تحلو الحياة إلا بها بل لا يمكن الاستغناء عنها لظهور مستجدات حياتية جديدة وهذا ما سنركز عليه مقالنا هذا.

وبحسب علمنا فقد أقيمت الدنيا عند البعض خاصة بالنسبة للذين كانوا على وشك تحصيل سيارتهم الجديدة. بالنسبة لنا فإن قرار الحكومة وإن كان مجحفا في حق البعض فإننا ندعمه من عدة جوانب يمكن عرضها في النقاط التالية:

1. أن سوق السيارات وكغيرها من القطاعات ولجه كل من هب ودب بهدف جمع الأموال وتحقيق الربح السريع على اعتبار أن أصحاب شركات استيراد وبيع السيارات يحصلون أموالهم بصفة مباشرة ومن دون عناء وبالتالي فهم متأكدون من نجاح صفقتهم. وبالتالي فإن توقيف هذه القروض الخاصة بالسيارات سيعمل على تصفية هذه السوق من الطفيليين والغشاشين وسيبقى من باستطاعته الاستثمار الفعلي ومن جهتي فإنني أرجح بقاء شركات مثل Hyundai،  Renault،  KIA،  Chevrolet،  Peugeot، وبعض الماركات العالمية في حين سيتم اختفاء السيارات الصينية بكل ما تحمله من صناعة تكنولوجية إلا في حال تغيير سياساتها التسويقية وولوج أناس جديين لها. كما أن هذا المنع سينقي السوق الداخلية من عملية الغش في قطع الغيار وبالتالي التحكم في هذه السوق التي تسبب الكثير من حوادث المرور زيادة على حالة الطرقات وتهور بعض السائقين.

2. في مقابل هذا وبتميز المجتمع الجزائري بنزعة استهلاكية حادة يرجى من المختصين الانتباه لها، فإننا نعتقد أن شركات استيراد السيارات ستغير من سياساتها التسويقية لا نقول أن هذا سيحدث على المدى القريب لكن على المدى المتوسط فهو أكيد الحدوث، حيث سيتم تمكين المواطنين من اقتناء سيارات جديدة عن طريق منح تسهيلات مثل البيع بالتقسيط وبالتالي القضاء على القروض البنكية المتميزة بالطابع الربوي حتى وإن كان هناك ما يعرف بالبنوك الإسلامية مثل بنك البركة وبنك الخليج الإسلامي. مما سيفتح المجال أمام شرائح جديدة لولوج عالم السيارات بعد أن كانت لها تحفظات على القروض بالفائدة أو على البيع بالمرابحة أي أن الطاقة الاستهلاكية ستتوسع وهي من المنظور الاقتصادي حالة صحية ولكن حبذا لو كان لنا منتجاتنا الوطنية ونرجو أن يوفق الجيش الوطني الشعبي في تصنيع أول سيارة جزائرية وأن تكون في متناول الجميع.

3. المسألة الأخرى هو إعطاء دفع لعجلة التنمية يكون فيها المجتمع هو الأساس والدولة هي الطرف الثانوي لأنها لا تتدخل إلا لإضفاء الطابع التنظيمي والقانوني وفض النزاعات الناتجة عن حركية السوق الوطنية.

في الأخير نعتقد أن الأسباب التي دفعت بالحكومة إلى اتخاذ هذه الإجراءات هو ليس غلبة النزعة الحمائية للاقتصاد الوطني وإنما هو فتح ورشات عمل لم يهيأ لها الجو المناسب فالسيارة تحتاج إلى الطريق وهذا الأخير غير متوفر كما أن خوفها من تدهور قيمة الدولار وكذلك سعر برميل النفط إضافة إلى الأزمة المالية العالمية جعلها تتخبط في أزمة تسيير وتدبير لعدم قدرتها على استشراف الواقع العالمي واعتمادها على عقلية الدولة الوطنية في حين أننا اليوم أمام انحسار دور الدولة الوطنية وكذلك مبدأ السيادة الوطنية مما يجعلنا عرضة لهزات عنيفة سياسية، اقتصادية واجتماعية حتى وإن لم يكن لنا دخل فيها. ولذلك نطلب من القائمين على شؤون هذه البلاد أن تكون لهم إستراتيجية عمل بعيدة المدى وليس نظرة آنية وظرفية للأمور ونذكر على سبيل المثال أن مشاريع البناء المقامة خاصة المتعلقة بالسكن سوف تؤسس لمجتمع الفوضى والعنف لأن عملية إسكان الناس هي جزء من كل وليست عملية منعزلة. ولذلك ننادي إلى إقامة المشاريع واستشراف نتائجها المستقبلية حتى يتم الاستعداد ولا تكون إجابتنا كالمعتاد الله غالب.

نعيم بن محمد
22 أوت 2009

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version