الدكتاتورية ثقافة الشخص المستبد أو الجماعة، وهي مصطلح يُطلق على من يستبد برأيه من الرؤساء أو الملوك القامعين لشعوبهم، يمارسون في أنظمتهم أنواع القهر والظلم الاجتماعي بل السياسي والثقافي والديني… فلا رأي مطاع إلا رأيهم، فالحاكم هو المشرّع وهو الآمر والناهي، وما سواه خدم يُسبّحون بحمده آناء الليل وأطراف النهار، من خالفهم أطلقوا عليه كلابهم المدرّبة فعضته ومزّقته، وأخرجوه من رحمتهم ومن خلدهم الذي يفنى، وأصبح خارجيا زنديقا تُطبّق عليه الحدود حسب شريعتهم، ووفق ما يفتي به علمائهم بالمرطبات والبيستاش "الفستق" في الفنادق والصالونات المكيفة.

لقد وجد الحكام الظلمة في حواشيهم الطاعة العمياء، فمنهم الخادم ومنهم الواشي ومنهم الحارس ومنهم الببغاء ومنهم الحمار ومنهم الذئب ومنهم الكلب النابح ومنهم الراشي والمرتشي والساعي بينهما… واستشرى الجهل بسبب القهر وقتل الإبداع، وانتشرت الرذيلة، وشاع التملّق والنفاق في الناس، فتقطّعت ألسنة الصادعين بالحق، وتكسرت الأقلام الحرّة التي بمدادها تتفتح العقول التي عشش فيها الوهن، ونطق المنكر حتى أصبح أصحابه ينادون به جهارا نهارا، لا يخشون الإله ولا عباده، بل قولهم أخرجوا آل الصدق فهم وباء وشرّ مستطير.

لو حرّكنا الدكتاتورية من هذا المقال وذهبنا بها إلى أيّ بلاد عربية من دول ما أصبح يعرف بدول العالم الثالث، وقسناها على هذه الأنظمة طبقا لما نراه بالعين المُجرّدة، لخطنا فساتين للشعوب وأخرجناها من هذا القحط الذي هي فيه، ولو زحفنا قليلا إلى إفريقيا لتفجرت بحيرات الماء الجامدة تحت الأرض، وأنبتت الصحراء القاحلة قمحا يجعل الأوربيين يفرون على القوارب بدل الجزائريين ومعهم إخوانهم في بعض البلاد التي تحكمها نفس الديكتاتورية.

الديمقراطية أيها الناس، الشعار الذي تحمله الكثير من الدول وهي تناقضه في الميدان، فلو أخذنا مثلا الجمهورية "الجزائرية الديمقراطية الشعبية"وطلبنا شرح الديمقراطية على تلفزة الرئيس المستقل الفائز دون منازع في عُهدٍ ثلاث، بالضربة القاضية على الحلبة بدون منافس وأمام الحكم الذي عينه، قلت لو سألنا في حصة الرّاحة بلا صراحة، لقالوا لنا بأنّ الديمقراطية تعني حكم الأغلبية واختيار الشعب، لكن الواقع أن الأقلية هي من يحكم ولا رأي للشعب، وهيّا بنا ننظر إلى الواقع لنتأكد بأن كل الأنظمة العربية والإسلامية تستعمل هذا القناع "الديمقراطية" ولكن الواقع الدكتاتورية هي من يحكم، ولعلّكم تابعتم كيف تمّ تعديل الدستور في المدّة الأخيرة وكيف فاز الرئيس المُرشّح المستقل على الطريقة العريواتية بالطبل والمزمار، عفوا يا سادة هي زلة لسان فقط أحببت أن أمررها، فأخو سعيد ترشح على الطريقة الأمريكية كما قالت صحف المراحيض، وخزائن الدولة أغلقت في وجهه ولم يأخذ منها مليما واحدا لتقشفه وحرصه على المال العام، بل وسائل الإعلام المستقلة هي أيضا عاملته وفق ما يقتضيه القانون والدستور، الذي بال عليه وسيقسم عليه غدا، والغريب أنه سيضع يديه المبللتين، على أقدس كتاب ليخالفه مباشرة بعد رفع يده.

لا رأي إلاّ رأيه السديد، ولا عمر إلاّ عمره المديد، ولا مشورة إلاّ مستشاريه، ولا… كلّ شيء لا يسير إلاّ تحت فخامته، فقد دُشنت روض الأطفال ونسبت إليه، فكم من مشروع لحكومات سابقة حُسب له، وكم من إنجاز كذلك حتى وصل الأمر إلى التدليس على الناس، فهو مفجر الثورة ومنجز الاستقلال، بل محيى لمجد بومدين الذي مات لأجل المبادئ ولم يساوم.

لقد عمّت صوره حتى المراحيض العمومية وهذا للحريات التي وعد بها الشعب وأصبح الحجر والشجر ينادي وا معتصماه تعال إنّ علي بوتفليقة أثقل كاهلي فانزعه، لقد سلب البرلماني حقّه في التشريع والوزير من الإشراف والوالي في التوزيع والإعلامي في التحدث…. فهو المواطن وهو المرأة وهو العجوز وهو الطفل وهو العسكري والمدني وهو البائع والمشتري وهو حميدة وهو أحمد، وكما توقنون أيها العارفون، أنّ الدكتاتور بعد غيابه يعم الطوفان فيا ساتر عليك بستر بلدنا فليس لنا موطن سواه.

نور الدين خبابه
19 أفريل 2009

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version